نموذج تطوير الفرق التشكيل والصراع ووضع المعايير والتنفيذ


أنشأ الدكتور بروس تاكمان "Bruce Tuckman" نموذج تطوير الفِرَق الذي يتألف من أربع مراحل هي: التشكيل (FORMING)، والصراع (STORMING)، ووضع المعايير (NORMING)، والتنفيذ (PERFORMING) في عام 1965، وبعد عقد من الزمان أضاف عنصراً خامساً وهو الختام (ADJOURNING) لوصف انفضاض الفريق بعد اكتمال المشروع.

كان النموذج جزءاً من الوعي المتزايد - بقيادة علماء النفس في المؤسسات في تلك الفترة - بمدى اعتماد نجاح أو عدم نجاح عمل ما على العلاقات بين أفراده، كما أنَّه يعكس نموذج القيادة الظرفي (Situational Leadership) المعروف الذي يعود إلى هيرسي (Hersey) وبلانشارد (Blanchard)، ويساهم في تطوير الفِرَق وبنائها.

نُشِر النموذج لأول مرة دون أن يُحدِث أصداءً أو يُحتفى به، في مقال لمجلة "سيكولوجيكال بولليتين" (Psychological Bulletin) بعنوان "التسلسل التطوري في المجموعات الصغيرة" (Developmental sequence in small groups).

استمر "بروس تاكمان" في تطوير العديد من جوانب علم النفس التنظيمي دون الإشارة إلى هذا النموذج؛ لقد عمل بروس لاحقاً كبروفيسور في جامعة ولاية أوهايو، وقد اكتسب نموذج تطوير الفِرَق الذي صاغه زخماً كبيرة بفضل نقاط القوة التي يمتلكها بما فيها هيكليته الجذابة وفوائده العديدة.

يصف النموذج المراحل التي تمر الفِرَق بها من بدايتها حتى الانتهاء من المشروع بنجاح، ويسلط الضوء على المجالات التي قد تتسبب في فشل الفريق والمشروع:

نموذج "بروس تاكمان" لتطوير الفريق

يُمثِّل السهم الأفقي الوقت، ويُمثِّل السهم العمودي الطاقة والإنتاجية.

Forming :التشكيل

Storming :الصراع

Norming :وضع المبادئ والمعايير

Performing :التنفيذ

Adjourning :الختام

لم يكن هناك وقت للصراع بين أعضاء الفِرَق المشكَّلة حديثاً أكثر مما هو عليه الحال في عالم اليوم الذي يتميز بالتغيير المؤسسي على نطاق واسع؛ حيث تُبنى العلاقات وتتغير بسبب عمليات الدمج وعمليات إلغاء الدمج وتنوُّع الوظائف المهنية وتقليص عدد الموظفين لخفض التكاليف وفقدان القدرة على نطاق واسع في المنظمات لرعاية المواهب المحلية والاحتفاظ بها.

ظلَّ نموذج "بروس تاكمان" الكلاسيكي لما يقارب 40 عاماً مورداً يوفر الراحة ووجهات النظر الجديدة للمديرين المُكلفين بإدارة الفِرَق، أو الذين يحاولون العمل ضمن فريق واحد؛ حيث ضَمِن التأكيد لأعضاء الفريق أنَّهم ليسوا وحدهم، وأنَّ عدم الراحة بسبب الصراع ما هو إلا جزء طبيعي من عملية بناء الفِرَق وتطويرها بصورة فعالة وممتعة لتحقيق النتائج المرجوة.

يصف نموذج "بروس تاكمان" كيف يجتمع أعضاء الفريق أولاً في جو يسوده الترحاب والاحترام والثقة، وكيف ينحدرون إلى الصراع في أثناء شغل مواقعهم، وكيف توضع الحدود أحياناً وضعاً متقلباً، وإذا سارت الأمور على ما يرام، كيف يصل الفريق إلى الاستقرار ويُقدِّم أداءً متميزاً مستثمراً أفضل ما لديه من قدرات مشتركة.

تنقسم المراحل الخمس لنموذج تطوير الفِرَق التي حدَّدها بروس تاكمان على النحو التالي:

1. التشكيل

في هذه المرحلة، يُركِّز كل عضو في الفريق على القائد، ويقبل فقط توجيهاته وأوامره ويحافظ على علاقة مهذبة ولكن غير متينة مع الآخرين؛ حيث يجب أن يُنظر إلى القائد على أنَّه صريح بتقديم المعلومات ومستعد للإجابة عن العديد من الأسئلة التي تُطرح عليه؛ سوف تُختبر الحدود ونقاط القوة والضعف، بما في ذلك تلك الخاصة بالقائد، ومن المحتمل أن يكون هناك بعض العوائق فيما يتعلق بالطريقة التي عومل بها الأشخاص في الماضي، مما قد يؤدي إلى تمسك بعضهم بالطرائق القديمة، إذا كانت تجربتهم إيجابية، أو الشك واللامبالاة إذا كانت سلبية.

نصيحة: سيؤتي الوقت المستثمَر من قِبل القائد وأعضاء الفريق في الإصغاء والتعاطف مع الآخرين ثماره تأتياً كبيراً في المستقبل؛ حيث يجب وضع التوقعات وتحديد الدور الوظيفي بوضوح ويجب على القائد أن يتصرف بالطريقة التي يريد من أعضاء فريقه الاقتداء بها.

2. الصراع

هذا وقت عصيب على الجميع؛ حيث يهتم أعضاء الفريق بالانطباع الذي يتركونه أكثر من اهتمامهم بالمشروع قيد التنفيذ، ويرغبون في كسب احترام الآخرين، ويتصارعون مع مشاعر النقص، ويتساءلون من الذي سيدعمهم أو يُضعفهم، وقبل كل شيء يسعون إلى إثبات جدارتهم أمام قائد الفريق.

هذا هو الوقت الذي يجب فيه ترك رسائل البريد الإلكتروني الفظة المكتوبة في لحظة انفعال في صندوق المسودات لمراجعتها والتخفيف من حدتها في الصباح التالي، كما ينشأ خطر التحزب وانعزال بعض الأعضاء، لا سيَّما في عصر اليوم؛ حيث تعمل الفِرَق من أماكن بعيدة عبر الإنترنت.

نصيحة: يجب أن يُركِّز كل عضو على تقديم أكبر قدر ممكن من التغذية الراجعة الإيجابية الصادقة للآخرين، والعمل من أجل علاقات مستقرة بحيث يُنظر إلى الاقتراحات على أنَّها مساهمات وليست انتقادات؛ لذا لا تهتم بالأمور الصغيرة، وشجِّع أعضاء الفريق على القيام بالمهام بطريقتهم حيثما أمكن ذلك.

3. وضع المبادئ والمعايير

إذا تمكَّن الفريق من الوصول إلى هذه المرحلة، فمن المحتمل أن يسيروا في طريق النجاح، وللأسف، تمتد الصراعات بين المديرين أحياناً لمدة طويلة من الزمن في الأعمال التجارية الناجحة ولكنَّ التوتر يُضعفها ببطء.

إذا كان من الممكن الوصول إلى مرحلة وضع المعايير، فهذا وقت مثير للجميع؛ حيث يمكن اتخاذ قرارات كبيرة وتنفيذها، وتحويل الأفكار الجديدة إلى واقع، والنظر إلى المجازفات والفشل على أنَّها مجرد خطوات أخرى على طريق النجاح، وتؤسَّس في هذه المرحلة الأدوار والعلاقات، مما يتيح للأفراد التركيز على تطبيق المواهب التي أوصلتهم إلى الفريق في المقام الأول.

نصيحة: يجب على القادة استخدام أسلوب الكوتشينغ وطلب الحلول من الفريق قبل تقديم حلولهم الخاصة، سيكون لدى الفريق في مرحلة وضع المعايير الكثير ليقدِّمه من حيث الخبرة والأفكار التي قد توفر الوقت والجهد على القادة، مما يمنحهم الوقت للتركيز على آفاق أوسع، مثل توسيع نطاق العمل من خلال الشراكات الاستراتيجية والتخطيط المتعاقب.

4. التنفيذ

يصبح الفريق بحلول هذه المرحلة قوياً ويعمل بكل طاقته، ولكن قد يتخلل بعض الخلافات الصحية - من النوع الذي لا يضر بنسيج العلاقات - المرح والفكاهة، ويبدو أنَّ النجاحات تتوالى؛ فقد تعلَّم القائد وأعضاء الفريق أن يبذلوا قصارى جهدهم ثم يتركوا الأمور تأخذ مجراها.

نصيحة: يجب على القائد وأعضاء الفريق الاعتراف بمساهمات الآخرين والتأكد من إعطاء كل ذي حق حقه، وينطبق هذا على تحقُّق أعضاء الفريق من صحة ما يقوم به القائد والعكس صحيح، إذا شعر أحد أعضاء الفريق بأنَّ مساهمته لم تلقَ ما تستحق من التقدير، فقد ينتقل استياءه إلى المشروع التالي وسيكون حينئذٍ التغلب على الصراع أصعب في المستقبل.

5. الختام

تتعلق هذه المرحلة بإضفاء إحساس بإتمام العمل بالنسبة إلى الفريق الذي اكتمل مشروعه، فإذا نجح الفريق في اجتياز المراحل الأربع الأولى، فقد يتنامى الترابط بين الأعضاء ويشعروا بالخسارة نتيجة تفكيك تلك العلاقات.

سوف يفكر أعضاء الفريق أيضاً في البدايات، ويلاحظون المستوى الذي وصلوا إليه ويقيسون قيمة مساهماتهم كفريق واحد، وقد تؤثر طريقة التعامل مع هذه المرحلة تأثيراً عميقاً في الفريق التالي الذي سينضم إليه كل عضو، فإذا كانت المنظمة تعمل باستمرار على بناء الفِرَق وإعادة تشكيلها، بينما يتنقل الأفراد حول الدائرة التنفيذية أو يطوِّرون مبادرات جديدة، فستظهر ذاكرة ثقافية جماعية تؤثر في أعضاء الفريق الحاليين ويستوعبها الوافدون الجدد إلى المنظمة من خلال انتشارها وصولاً إليهم.

نصيحة: هذه المرحلة هي وقت تقديم الشكر والتقدير للإنجازات الفردية والتفكير في المستوى الذي وصل إليه الفريق، ونقاط التحول على طول الطريق، وما يمكن للأعضاء اكتسابه من الفريق واستثماره في المستقبل؛ لذا تأكد من أنَّ جميع أصحاب المصلحة خارج الفريق على دراية بالإنجازات الجماعية والفردية.

 

المصدر