أهمية محادثات الكوتشينغ في تعزيز النجاح
ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن "ريتشارد هيد" (Richard Head)، ويُحدِّثُنا فيه عن دور محادثات الكوتشينغ في تعزيز النجاح.
تعريف الكوتشينغ:
تُوجَدُ العديد من التعريفات المتشابهة للكوتشينغ، ولكنَّها تتلخَّص جميعاً في بعض العناصر البسيطة؛ إذ يتعلَّق الكوتشينغ بالأشخاص وعملية الكوتشينغ نفسها وأدائِك أنت وموظفيك، كما أنَّه فن تشجيع الآخرين على استكشاف وتجربة نقاط قوتهم الكامنة، ويريحك من فكرة أنَّه عليك أن تقومَ بكل شيء بنفسك.
تُوجَدُ عدَّة أنواع من محادثات الكوتشينغ؛ والتي تُركِّز في التطوير الوظيفي والتدريب على مهارات محددة وتحسين الأداء، لكنْ في هذا المقال سنركِّز في المرحلة التي تسبق تلك المحادثات الخاصة بالعمل ونركِّز في مجرد الاهتمام بالناس أولاً، فإذا عَلِم الموظف أنَّك تهتم بشخصه، فسيصبحُ التطوير الوظيفي وتنمية المهارات وتحسين الأداء أسهل بكثير.
سنُلقي نظرة على كيفية بدء محادثة الكوتشينغ، لكنْ دون وضع هدف عمل مُحدَّد في الحسبان؛ حيث سنبدأ بالمحادثات التي تُظهِر الاهتمام بالناس وتبني الثقة.
يتَّخِذ الموظفون من قادتهم قدوة لهم:
بصفتك القائد، فأنت القدوة التي يقتدي بها الموظفون لإظهار السلوك المقبول؛ إذ يتقبَّل موظفوك ما تفعله ويتوقعونه منك سواءَ كان جيداً أم سيِّئاً أم ينم عن اللامبالاة؛ فسلوكك يُمثِّلك، وعندما يشعرُ الناس باهتمامك بهم، يتكوَّن لديهم سلوك يُعزِّز الثقة؛ حيث يُقدِّم الموظفون الذين يثقون في مديرهم أداء عمل أفضل، ويكونون أكثر استعداداً لتولِّي مهام جديدة وتطوير مهارات جديدة.
هذا مثال من تجربتي الشخصية مع هذا الأمر: عملتُ ذات مرة مدير قسم في مؤسسة كبيرة غير ربحية؛ فخلال السنوات الثلاث التي أمضيتها فيها، تعلَّمتُ الكثير وشعرت بأنَّني أَحدَثتُ فارقاً واستمتعتُ بعملي، لكنْ عندما أُتيحَت لي فرصة استلام منصب مدير تنفيذي لمؤسسة أخرى، انتهزتُ الفرصة لأنَّني لم أكُنْ أعرف ما إذا كانت المؤسسة التي كنتُ أعمل فيها تُقدِّر مساهماتي حقاً، لكنْ عندما قدَّمتُ استقالتي، دعاني كل من المدير التنفيذي ومدير العمليات إلى اجتماع وحاولا إقناعي بالبقاء؛ حيث قالا إنَّهما يُقدِّران عملي، ولدي مستقبل به.
عندها خرجَت الكلمات من فمي دون تفكير: "إذاً لماذا لم تخبراني بذلك من قبل؟" لقد صدمهما سؤالي هذا، فكانت الإجابة: "اعتقدنا أنَّك تعرف ذلك"، فقلت: "لا، لم أكُنْ أعرف رأيكما بي، فأنتما لم تخبراني به؛ لذا لم أكُنْ أعرف أنَّني كنتُ محطَّ تقدير".
يجب أن تدور محادثات الكوتشينغ حول إدراك قيمة الموظفين بقدر ما تدور حول الأداء الوظيفي؛ ففي حالتي لم أكُنْ بحاجة إلى الكثير من التعليمات؛ لأنَّني كنت أُتقِن عملي، لكنْ كنتُ لأسعد بالتأكيد بمعرفة أنَّ كبار القادة يرون عملي ويُقدِّرونه.
إذاً لماذا لا يُقدِّم القادة جلسات الكوتشينغ؟ والأهم؛ كيف يُمكِنُهم تعلُّم تقديم الكوتشينغ دون أن يزعجهم الأمر؟
لماذا لا يُقدِّم العديد من القادة والمديرين الكوتشينغ؟
وجدَتْ دراسة استقصائية أجرَتها جمعية تنمية المواهب (Association for Talent Development) الأسباب التالية التي تجعل العديد من المديرين والقادة إمَّا لا يقدمون الكوتشينغ، أو لا يقدِّمونه باستمرار، أو لا يجيدون تقديمه:
- لا يعرفون كيفية تقديم الكوتشينغ.
- يشعرون بالخوف أو عدم الارتياح من مواجهة المواقف الصعبة؛ إذ يشعرون بالقلق من أنَّهم سيظهَرون ضعفاء إن لم يُحسِنوا التعامل مع المواقف.
- لا يرون الكوتشينغ أولوية هامة؛ فلا يدركون قيمته وفوائده.
- يتطلب الكوتشينغ الكثير من الوقت والجهد والصبر.
- يتوقعون أن يكتشفَ الآخرون الأمور بأنفسهم، ويعتقدون أنَّ الكوتشينغ ليسَ ضرورياً إذا وصلَ الموظف إلى مستوى معين في المنظمة أو في حياته المهنية.
- يعتقدون بأنَّه من الصعب تقديم الكوتشينغ لأشخاص من نفس عمرهم ويكسبون نفس رواتبهم، أو تقديم الكوتشينغ لأشخاص أكبر سناً.
- يعتقدون بأنَّ الناس سيرفضون تلقِّي الكوتشينغ "أو يَعُدُّونه مهيناً".
- يعتقدون بأنَّه من الأسهل تجاهل الموظفين الذين يسببون إشكالية أو التحايل عليهم أو إقالتهم.
- يعتقدون بأنَّه عليهم حل المشكلات بأنفسهم ليحصلوا على الفضل بذلك، بدلاً من تقديم الكوتشينغ للموظفين لتعزيز أدائهم.
- يعتقدون بأنَّ الكوتشينغ من مسؤوليات الموارد البشرية.
تمهيد الطريق لبدء محادثات الكوتشينغ:
ابدأ المحادثة بإظهار اهتمامك بالموظفين فحسب دون وضع أيَّة خطط أو مصالح في الحسبان؛ فإحدى الطرائق المُجرَّبة هي الخروج للمشي مع الموظف مع تناول فنجان من القهوة دون مناقشة أي جدول أعمال، أمَّا إذا كنتَ لا ترغب في المشي، فإنَّ إجراء محادثتك في زاوية هادئة من مكان عام خيار جيد أيضاً.
عُرِفَت مديرة عملتُ معها لسنوات بالمشي والتحدُّث إلى موظفيها، فقد كانت تُقدِّم لي الكوتشينغ أحياناً أو نمشي ونتحدَّث عن أي أمر أحياناً أخرى، ولكنَّ ما كان هاماً هو اهتمامها بي وبالموظفين الآخرين.
عليك طرح أسئلة خلال محادثة الكوتشينغ؛ لذا جهِّز مواضيع تبدأ الحديث بها في وقت مبكِّر؛ إذ يتطلَّب طرح الأسئلة مهارةً وتحضيراً.
ابدأْ بتحديد الأمور التي ستتطرَّق إليها في المحادثة؛ كالوقت الذي ستستغرقه "15 دقيقة هي بداية جيدة"، وبأنَّك تريد ببساطة التعرُّف إلى الشخص بصورة أفضل اليوم؛ أي مَن يكون وماذا يتوقَّع من الوظيفة والحياة، وأنَّكَ تقدِّر مساهمته في الشركة.
إليك بعض الأسئلة التي يمكن أن تستهلَّ المحادثة بها، ولكنَّها قد تتطلَّب منك إخبار الشخص بأنَّك لا تتوقَّع بالضرورة إجابات عن جميع الأسئلة اليوم، ولكنَّك مهتمٌّ بأفكاره، فقد تقولُ مثلاً: "يُمكِنُنا العودة إلى هذه المحادثة مجدداً بعد ظهر الأربعاء".
- ماذا تفعل للاستمتاع خارج أوقات العمل؟ وما هو شغفك أو هواياتك؟
- ما الذي تقدِّره وتدافع عنه كشخص؟
- ما هي مواهبك الجوهرية "أي الأمور التي تفعلها وتُحدِثُ فارقاً في العمل أو خارج العمل"؟
- ما هي الأمور الجيِّدة التي يجب أن نُحسِّنها في هذه المنظمة؟
- ما هي أهدافك الشخصية خلال الوقت الذي ستعمل فيه في منظمتنا؟
- ما هي المعوقات التي تجدها خلال القيام بعملك؟
- ما هو أفضل ما يمكنني تقديمه لك؟ وكيف يمكنني أن أُقدِّم المساعدة؟
يمكن أن تُوفِّر لك الإجابات عن هذه الأسئلة - وحقيقة أنَّكَ أبديتَ اهتماماً شخصياً بالشخص - معلومات رائعة تُعزِّز محادثات الكوتشينغ في المستقبل؛ والتي يمكن أن تتضمَّن أهداف التطوير الوظيفي والتدريب على المهارات المطلوبة وتحسين الأداء.
تُكسِبُك هذه الأنواع من المحادثات - سواءَ أجريتَها مشياً على الأقدام أم جالساً في مكان ما - سمعة طيبة؛ حيث يتناقل أعضاء الفريق فيما بينهم خبر اهتمامك بهم وبشخصهم وما يعزز نجاحهم وليس بأدائهم فقط؛ ممَّا يُكسِبُكَ ثقة موظفيك؛ وذلكَ لأنَّهم يعرفون أنَّك مهتمٌّ بشخصهم أكثر من اهتمامك بنتائج عملهم وتحقيق أهداف العمل.
في الختام:
الكوتشينغ هو مهارة يجب أن يمتلكها كل قائد ومدير؛ بل ويجب أن يمارسها بانتظام، فعندما تتقن فن تقديم الكوتشينغ وتصبح أكثر راحة مع ذلك؛ ستدرك أنَّ الاهتمام بشخصِ الأفراد وطرح أسئلة جذابة هو حرفة تعود بفوائد على الفريق والشركة.