استخدام الكوتشينغ لاستكشاف القيم والمعتقدات
يقول الفيلسوف ماركوس أوريليوس أنطونينوس (Marcus Aurelius Antoninus): "تحدد أفكارنا شكل حياتنا". ,لتغيير طريقة تفكير عملائك، عليك أن تفهم التجارب التي أثَّرت في شخصياتهم، ومن هنا تبرز أهمية استكشاف قيمهم ومعتقداتهم.
يُحدث الكوتشز الهواة تغييراً في حياة العميل، أما الكوتشز المحترفون فيُغيِّرون شخصيته. وعندما تساعد عملاءك على فهم قيمهم الأساسية وتغيير معتقداتهم، فإنَّك تجعلهم يرون ما كانوا عاجزين عن رؤيته، وتضمن أنَّهم لن يعودوا إلى طبيعتهم السابقة بعد أن تلقوا الكوتشينغ على يديك، وهذه هي السمة المميزة للتحول الحقيقي، ولكن قبل أن تتمكن من إعادة تشكيل قيم عميلك ومعتقداته، عليك أن تفهم كيف تشكَّلت أولاً.
كيف تتشكل القيم والمعتقدات؟
إنَّ فهم العقل البشري أساسٌ لفهم طريقة تفكير العميل وسلوكه وقراراته.
يتغير الدماغ باستمرار بسبب التجارب التي نمر بها، وما حالتنا الذهنية في موقف ما إلا انعكاس مباشر لتلك التجارب، ففي كل تجربة جديدة نخوضها، تحدث تغيرات فيزيائية في الدماغ، تؤدي إلى تشكيل روابط عصبية جديدة أو خلايا عصبية جديدة.
بالطريقة نفسها، وحيث إنَّه لا يوجد شخصان مرَّا بالظروف نفسها من حيث التنشئة والتغذية والتعليم والثقافة والبيئة، فإنَّه لا يوجد شخصان يمتلكان المعتقدات والعادات والقيم والشخصية نفسها، وتساعدك معرفة هذا الأمر بصفتك كوتشاً على فهم سبب عدم وجود عميلين متشابهين، وعلى إدراك أهمية فهم تجارب حياتهم.
لا يقتصر الأمر على ما يحدث لعميلك في أثناء التجربة فحسب؛ بل يتعلَّق بتفسيره لما يحدث أيضاً، فنحن نفسر تجاربنا ونتَّخذ الخيارات التي تجعلنا نشعر بتحسن، ونتصور العالم تصوراً يساعدنا على الصمود في موقف معين، فإن أدرك دماغنا أنَّ تصوُّراً معيناً للعالم يساعدنا على الصمود والتفاعل مع بيئتنا، فسوف يستمر في اختيار ذلك التصوُّر من بين كل التصوُّرات الأخرى، وفي كل مرة يختار فيها دماغنا هذا التصوُّر، تزداد قوة المسار العصبي والروابط العصبية، مما يزيد من قوته، وبهذه الطريقة، نحن نحلل باستمرار ما نجح في الماضي للتنبؤ بما قد ينجح في الحاضر أو في المستقبل، فهذا النمط من الإجراءات والنتائج هو الذي يُشكِّل معتقداتنا ويوجِّه قراراتنا.
ما هو الاعتقاد؟
الاعتقاد هو شيء يقبله عملاؤك على أنَّه حقيقة دون وجود دليل كافٍ، ويظنون أنَّه ما يجب أن يكونوا عليه؛ حيث تحدد معتقداتهم كيف يتصرفون ويشعرون ويجعلون للعالم من حولهم معنى، فالعقل البشري أداة تصوغ المعاني، وتُكوِّن معتقدات جديدة باستمرار؛ أي أنَّك تُشكِّل معتقداتك ثم تُشكِّلك هي، فنحن نتبنَّى بوعي أو بغير وعي معظم معتقداتنا في طفولتنا من آبائنا وأصدقائنا وعائلاتنا وثقافتنا؛ ونظراً لأنَّ معظمها قد تشكَّل خلال سنوات تكويننا، فإنَّنا بالكاد نفهمها، ونقضي معظم حياتنا بحثاً عن تجارب تثبت صحتها؛ لذلك، فإنَّ مهمتك الأساسية بصفتك كوتشاً هي البحث في أعماق عملائك لمساعدتهم على فهم أنَّ سلوكاتهم محكومة باعتقاد عميق الجذور حول شيء ما.
قد تساعد المعتقدات عملاءك أو تؤذيهم
على الرغم من أنَّ المعتقدات مصممة للحفاظ على سلامتنا، إلا أنَّها ليست كلها تقودنا إلى النجاح، فهناك نوعان من المعتقدات:
● معتقدات مُقيِّدة
تمنع هذه المعتقدات عملاءك من التعبير عن أنفسهم تعبيراً كاملاً، على سبيل المثال: عندما كان عميلك طفلاً، كان يرى والديه يكافحان لكسب المال، وكلاهما يعمل لساعات عدة في اليوم دون نتائج، ومن ثمَّ سيعتقد حينما يكبر بأنَّه مهما عمل بجد وكد، فإنَّه حتماً سيواجه صعوبة في كسب المال، وهناك اعتقاد مُقيِّد آخر يعوق الناس في كثير من الأحيان وهو: "أنا لست جيداً بما فيه الكفاية".
● المعتقدات التمكينية
تساعد هذه المعتقدات عملاءك على تحقيق أقصى استفادة من إمكاناتهم في الحياة.
على سبيل المثال: قد يكون والد عميلك مستبداً؛ حيث يغضب في كل مرة يحاول فيها عميلك الإدلاء برأيه؛ فكوَّن اعتقاداً بأنَّ "الآراء هامة"؛ ولذا بصفته رائد أعمال، كان يسمح دائماً لموظفيه بالتعبير عن آرائهم بصراحة.
إنَّ مساعدة عملائك على تجديد معتقداتهم المُقيِّدة واستبدالها بمعتقدات أكثر قوة، هو أحد أقوى الأشياء التي يمكنك القيام بها بصفتك كوتشاً.
اعلم أنَّ المعتقدات ليست حقائق واقعية؛ بل هي رؤية عميلك للحقيقة بناءً على تجربة مرَّ بها.
عملية من 3 خطوات لترسيخ معتقد جديد
1. تحديد سبب الاعتقاد:
غالباً ما يكون الوعي هو الخطوة الأولى للتغيير، فعندما تساعد عملاءك على تحديد نمط معين من التفكير يعوقهم، فإنَّك تخلق وعياً في أذهانهم، وعندما تُثير التحدي في نفوسهم تجاه معتقداتهم، فإنَّك تُظهر لهم إمكانية جديدة، وعندما تستكشف سبب نشوء هذا النمط من التفكير في الأصل - آبائهم أم بيئتهم أم تجربة طفولتهم، وما إلى ذلك - فإنَّك تزيد من وعيهم.
2. إعادة صياغة الاعتقاد لجعل غير المألوف مألوفاً:
بعد زيادة وعي عملائك بمعتقداتهم، فإنَّ هدفك التالي هو تحويل اعتقادهم المُقيِّد إلى اعتقاد تمكيني، والآن، يحب دماغنا الأمان والأشياء المألوفة، وهذا هو سبب تأجيل عملائك التخلي عن معتقداتهم الحالية، وهنا يأتي دورك لمساعدتهم على الخروج من منطقة الراحة بجعل تحدياتهم مألوفة من خلال التطمينات الذاتية القوية، أو تغيير بيئتهم، أو الإجراءات المتكررة.
3. ترسيخ المعتقد الجديد:
لضمان عدم رجوع العميل إلى سابق عهده، تحتاج إلى ترسيخ المعلومات التي تلقاها حديثاً، وهنا عليك مساعدته على تصور واقعه الجديد ومن ثم مساعدته على إنشاء نظام يُمكِّنه من التصرُّف بما يتماشى مع معتقداته الجديدة باستمرار، وبمجرد اتباع هذه العملية المكونة من ثلاث خطوات، فإنَّك تغير نظرة عملائك تجاه حياتهم.
ما هي القيم؟
في حين أنَّ المعتقدات هي ما يظن عملاؤك أنَّهم يجب أن يكونوا عليه، فإنَّ القيم هي ما يتمنون أن يكونوا عليه، فالعملاء يحبون القيم ويرونها جوهريَّةً بالنسبة إليهم، وهذا هو السبب في أنَّها توجِّه أحكامهم وقراراتهم.
على غرار المعتقدات، تتشكَّل القيم في سن مبكرة بناءً على التجارب الشخصية، ومراقبة الأشخاص والمواقف من حولهم، والتأثيرات البيئية الأخرى؛ لذا فإنَّ اتخاذ قرارات بناءً على قيمهم، يجلب التوازن والفرح والسلام لعملائك، ويساعدهم على عيش حياة تتوافق تماماً مع هويتهم.
تعرَّف إلى قيم عميلك الشخصية:
بصفتك كوتشاً، عندما تساعد عملاءك على تحديد قيمهم، فإنَّك تمنحهم خريطة طريق توجِّههم نحو حياة هادفة.
تُصنَّف القيم عموماً ضمن ثلاثة أنواع فرعية:
- القيم الشخصية: تحدد هوية عميلك وما يريده ولماذا يفكر بهذه الطريقة.
- القيم الاجتماعية: تحكم علاقاتهم الاجتماعية وروابطهم الشخصية مع الآخرين.
- القيم العالمية: تؤثر في أفكارهم الروحية، والمعايير الثقافية، والقبول العام لتجارب الحياة.
تقييم القيم الشخصية (PVA) هو مقياس واضح ومباشر لتحديد القيم الأساسية ونظام المعتقدات الشخصية لعميلك.
6 أسئلة تُطرَح على العميل لاكتشاف قيمه:
- ما أهم الصفات التي ساهمت في نجاحك؟
- كيف تريد أن يذكرك الناس عندما تغادر الغرفة؟
- ما أكثر جزء تحبه من عملك؟
- ما أكثر شعور مجزٍ تمنحه للآخرين؟
- ما هي أكثر الصفات التي تفتخر بها؟
- ما الشيء الذي يقول الآخرون إنَّك تجيده؟
يجد معظم الأشخاص الذين تقدِّم لهم الكوتشينغ صعوبة في اتخاذ قرارات هامة في حياتهم، ولكن من خلال اكتشاف قيمهم، ستساعدهم على عيش حياة لا تستند إلى ما ينبغي أن تكون عليه، إنَّما إلى ما يرغبون فيه حقاً.
كيف تقدِّم الكوتشينغ باستخدام القيم والمعتقدات؟
قدِّم دائماً كوتشينغ يكتشف القيم ويعيد صياغة المعتقدات؛ فكل محادثة كوتشينغ هي فرصة لك لتذكير عميلك بما هو هام حقاً بالنسبة إليه (قيمه)، وما الذي يعترض طريقه (معتقداته المُقيِّدة)؛ إذاً، في محادثة الكوتشينغ التالية عندما يعرض عليك عميلك مشكلة، بدلاً من القفز مباشرة لمعالجة الأعراض، ابحث في أعماقه، واسأله: "ما أهمية حل هذه المشكلة بالنسبة إليك الآن؟ لماذا يهمك حلها كثيراً؟"؛ حيث سيساعدك هذا على استخلاص قيمه الأساسية، ثم اسأله: "إذاً، ما الذي يعترض طريقك؟ وما الذي يَحُول بينك وبين تحقيق رغباتك؟"، سيساعدك هذا على استخلاص معتقداته الدفينة، وهنا تظهر قوة الكوتشينغ؛ حيث يُعدُّ الكوتشينغ في استكشاف القيم والمعتقدات أحد أقوى الطرائق لتحقيق تحوُّل دائم، وليس تغيير مؤقت فقط.