استخدام المحاكاة و"الذكاء الاصطناعي" (AI) في برامج الكوتشينغ
تخيَّل أنَّ أحد الموظفين الجدد أخبرك بالآتي: "أنوي أن أصل إلى مكانة ومنصب مرموق في هذه الشركة، بيد أنَّ الطريقة الوحيدة لبلوغ مرادي تقتضي إطلاع الإدارة وأصحاب القرار على أدائي الممتاز في العمل، فهل يمكنك أن تطلعني على نظام الترقية والمشاريع التي تتابعها الإدارة بشكل مباشر؟".
كيف ستجيب عن هذا السؤال؟
لكن ماذا لو تم توجيه السؤال إلى مديرٍ في بداية حياته المهنية؟ وهل سيكون مستعداً لخوض نقاش كوتشينغ بنَّاء وتقديم تغذية راجعة سديدة؟
استخدام السيناريو بوصفه أداة تعليمية شائع في برامج الكوتشينغ، وهو يهدف إلى إثارة العواطف وتحفير عمليات التفكير لدى المشاركين في أثناء شرح موضوعات التغذية الراجعة والكوتشينغ، فقد يتسنى للمشارك بهذه الطريقة أن يفهم آلية تطبيق نظام التغذية الراجعة ونماذج الكوتشينغ على حالات حقيقية في الحياة العملية.
هذه الطريقة فعالة عندما تسعى برامج الكوتشينغ إلى تنمية مهارات وقدرات التواصل عند القادة وتهيئتم نفسياً لإدارة الحوارات في الحياة العملية، لكن قد يضطر المدير للإجابة عن استفسارات الموظف دون تحضير مسبق، وقد يرتبك ويعجز عن التفكير بحكمة بسبب حالته الانفعالية ويجيب بطريقة عشوائية تحبط الموظف وتطيح بطموحاته وآماله.
استخدام المحاكاة في برامج الكوتشينغ:
لا تنجح طريقة السيناريو النظري في تهيئة المدير للتعامل مع المواقف في الحياة العملية؛ إذ تساهم المحاكاة من ناحية أخرى في زيادة فاعلية العملية وردم نقاط الضعف فيها عن طريق إضفاء مزيد من الواقعية على التطبيقات والممارسات المستخدمة لتنمية مهارات الكوتشينغ والتغذية الراجعة، كما يؤدي "الذكاء الاصطناعي" (AI) دوراً بارزاً في تحسين تجربة الكوتشينغ.
تقدِّم تقنية المحاكاة بيئة افتراضية تحاكي الواقع العملي وتقبل التطبيق على كافة موضوعات الكوتشينغ، فقد أثبتت الأبحاث العلمية فاعلية استخدام المحاكاة في برامج الكوتشينغ والتأثيرات الإيجابية الناجمة عن تطبيقها، كما تمت دراسة 57 ورقة بحثية تجريبية منشورة بين عام 2015 و2022 عن تجارب محاكاة الأعمال، وفيما يأتي 3 فوائد لاستخدام المحاكاة وفقاً لنتائج الدراسة:
- تنمية المهارات المعرفية مثل التفكير النقدي، وحل المشكلات، واتخاذ القرار.
- تعزيز الوعي الذاتي والثقة بالنفس عند الاعتماد على الأجهزة التكنولوجية.
- زيادة مستوى استيعاب المتعلم للمفاهيم النظرية الواردة في البرامج والدورات المتكاملة.
أثبتت المحاكاة فاعليتها في تنمية مهارات الكوتشينغ والتغذية الراجعة؛ لأنَّها تؤمِّن بيئة افتراضية تتيح للقادة إمكانية التدريب على إجراء النقاشات والمحادثات الرئيسة وتنمية المهارات المعرفية، وزيادة الوعي الذاتي، إلى جانب تعميق فهمهم لمتطلبات الإدارة والقيادة للوقاية من الأخطاء التي قد تحصل في الحياة العملية.
تطبيقات المحاكاة في برامج الكوتشينغ:
- يتم استخدام المحاكاة في تنمية مهارات الحوار بشكل أساسي عن طريق استخدام تقنية تقمص الأدوار التي يتعاون فيها موظفان على إجراء محادثة حقيقية عن موقف قد يحدث في الحياة العملية؛ إذ يشكل الموظفان في هذه الحالة بيئة المحاكاة، وهذه الطريقة سهلة التطبيق وتعتمد فاعليتها على تعاون المشاركين بالتمرين وحرصهم على تأمين بيئة تعلُّم مناسبة لزملائهم.
- تقدِّم المحاكاة تطبيقات عملية لتنمية مهارات الكوتشينغ والتغذية الراجعة.
- تقدِّم المحاكاة مجموعة متنوعة من التمرينات التي تبدو في معظمها أشبه بالألعاب؛ إذ تبيِّن الأبحاث أنَّ المحاكاة القائمة على الفِرَق والمنافسة تقدِّم مجموعة متنوعة من الميزات وعلى رأسها النقاشات والتفاعلات الاجتماعية، وهي تزيد من فاعلية تجربة التعلم والقدرة على الاحتفاظ بالمعلومات على الأمد الطويل، وتتفوق على أنواع المحاكاة الأخرى.
- يمكن تطبيق المحاكاة باستخدام الأجهزة التكنولوجية حتى تصبح واقعية أكثر بالنسبة إلى المتعلم، كما يمكن إعداد محاكاة قائمة على المنافسة بين الفِرَق بغية زيادة متعة التجربة ومستوى تفاعل المشاركين فيها، كما يتم الاستفادة من الأدوات التكنولوجية في إجراء محاكاة يتفاعل فيها القائد مع موظَّف خيالي في البيئة الافتراضية، باستخدام مقاطع الفيديو أو من خلال وجود خيارات تساعد على توجيه مجرى المحادثة، بدل التفكير النظري بالمواقف وتحليلها وإيجاد الأجوبة المناسبة أو استخدام تقنية تقمص الأدوار بين الزملاء.
ردود وإجابات الشخصيات الخيالية في العالم الافتراضي أفضل منها في حالة تطبيق تقنية تقمص الأدوار بين الزملاء على أرض الواقع؛ لأنَّ المتعلم قد يعجز عن تقمص الشخصية المطلوبة، أو قد يبالغ في إبداء اللطف أو تقديم الدعم خلال الحديث بدل أن يصعِّد الحوار ويحاكي الطبيعة الصعبة للمحادثات في الحياة العملية؛ إذ يتيح استخدام التكنولوجيا لتتبُّع أو تسجيل الردود فرصاً للتنافس أو الدعم على مستوى الفريق.
استخدام "الذكاء الاصطناعي" (AI) في تجارب المحاكاة:
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في محاكاة أحد أجزاء المحادثة، وكأنَّه يمثل إنساناً حقيقياً يستجيب لردود المدير مباشرةً ويحفز عواطفه؛ إذ تزيد هذه الطريقة من حيوية الحوار الافتراضي وواقعيته، وهي أكثر فاعلية من استخدام الردود والإجابات الثابتة أو المجهَّزة مسبقاً ومقدَّمة في صيغة مقاطع فيديو.
يتيح استخدام الذكاء الاصطناعي من ناحية أخرى للقادة إمكانية التدريب على صيغ مختلفة من المحادثات أو تطبيق مجموعة متنوعة من أساليب الكوتشينغ أو نماذج التغذية الراجعة؛ إذ يعتمد المدير على الإجابات التي يتلقاها في كل محادثة في تحسين أسلوبه وزيادة قدرته على التعامل مع الردود المختلفة التي قد يتعرض لها في الحياة العملية.
تبحث مزيد من الدراسات في آلية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تعزيز فاعلية تجارب المحاكاة والتعلم في الوقت الحالي، ويمكن برمجة الذكاء الاصطناعي على أنظمة تغذية راجعة، ونماذج كوتشينغ، وأنماط شخصية، وعبارات محددة حتى يكون المحتوى مرتبطاً بمفاهيم برنامج الكوتشينغ.
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في محاكاة أحد أجزاء المحادثة بحيث يقوم شخص آخر بالتفاعل معها، مع إتاحة الوقت اللازم للتفكير وتكوين الإجابة المناسبة، وهو ما يمنح المتعلم فرصة لإجراء حوار مباشر يسمح له بالتفكير قبل أن يجيب؛ إذ تساهم هذه التقنية في زيادة فاعلية وجودة التمرين.
يزداد اهتمام قطاع "التعلم والتطوير" (L&D) بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المسؤولة عن تقديم مزيد من الخيارات المستخدمة في إعداد تجارب محاكاة واقعية وفعالة؛ إذ تقع على عاتق خبراء التعلم والتطوير مسؤولية توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في برامج الكوتشينغ، فقد يؤدي كل من الكوتش والميسِّر دوراً بارزاً في إدارة وتقديم تجارب المحاكاة.
في الختام:
المحاكاة أكثر من مجرد لعبة أو طريقة لاستخدام التكنولوجيا بغرض إبهار المشاركين؛ إذ يقتضي دور الكوتش في هذه الحالة تهيئة الظروف المناسبة للمحاكاة والإجابة عن الاستفسارات لتعزيز اندماج الموظفين وثقتهم بأنفسهم خلال التجربة، ويقوم الكوتش بإدارة النقاش وتقديم تجارب محاكاة تستند إلى مواقف عملية وأشخاص حقيقيين، ويستخدم النتائج في تحسين تجربة المتعلم وإثراء المحادثات والنقاشات التي تتم في سياق المحاكاة.
يمكن رفع سوية تدريبات الكوتشينغ والتغذية الراجعة، وتحسين أداء القادة، وضمان نجاح المؤسسة عن طريق الاستفادة من ميزات المحاكاة والذكاء الاصطناعي إلى جانب تطبيق نتائج الأبحاث العلمية، ومصادر التعلم الموثوقة والموجهة لتعليم البالغين؛ إذ تساعد هذه التطبيقات على إعداد وتهيئة القادة وتزويدهم بالمهارات اللازمة للإجابة عن كافة استفسارات الموظفين وعلى رأسها السؤال الوارد في بداية المقال.