اكتشف الاختلافات الأساسية بين الكوتشينغ والمنتورينغ


يستمد الكوتشينغ تأثيراته من مجموعة واسعة من التخصصات التي تشمل المشورة، والاستشارات الإدارية، والتنمية الشخصية، وعلم النفس؛ ومع ذلك هناك عدد من الاختلافات الأساسية التي تُميِّز الكوتشينغ عن المجالات ذات الصلة؛ لذا نناقش في هذا المقال النقاط الرئيسة التالية لاكتشاف الاختلافات بين الكوتشينغ والمنتورينغ:

  • أصول وتاريخ الكوتشينغ.
  • أنواع الممارسين.
  • التعاريف.
  • المقارنات.

استمرارية الكوتشينغ والمنتورينغ والإدارة

أصبح تعلُّم مهارات الكوتشينغ ووجود كوتش جزءاً لا يتجزأ من الحياة العملية للقادة في عالمنا اليوم، وأحد التحديات الحالية التي نسمعها من الكوتشز والقادة على حد سواء هو متى يجب تقديم الكوتشينغ، والنصح، والتوجيه، سواء في العمل أم في علاقة كوتشينغ، فيجب أن يكون المدير المؤثر اليوم قادراً على التحرك بسلاسة بين الكوتشينغ والمنتورينغ والإدارة التوجيهية.

تاريخ الكوتشينغ

تعود جذور الكوتشينغ بشكل أساسي إلى علم النفس والكوتشينغ والرياضة، ومع ذلك كان علم النفس في البداية -حتى وقت فرويد (Freud) ويونغ (Jung) وفي أثنائه- علاجياً إلى حد كبير، وظل كذلك حتى عندما تطوَّر لاحقاً من خلال العلاجات السلوكية والمعرفية؛ حيث كان العلاج يتعلق بتحديد الخطأ في الموضوع ومحاولة إصلاحه.

في الستينيات، تطور علم النفس الإنساني، وكان من الشخصيات الرئيسة أبراهام ماسلو (Abraham Maslow) المعروف "بالتسلسل الهرمي للاحتياجات"، وفريتز بيرلز (Fritz Perls) مؤسس العلاج الغِشتالتي (Gestalt therapy).

يتمثل الإنجاز الذي حققه هذان العالمان في النظر إلى الأمور التي تسير على ما يرام بدلاً من الأخطاء والمشكلات التي يواجهها الناس، وذلك بالتركيز على أفضل إمكاناتهم بدلاً من مشكلاتهم؛ حيث يضع هرم "ماسلو" للاحتياجات تحقيق الذات في مقدمة رحلة التطور البشري.

هرم ماسلو للاحتياجات الشخصية

  • تحقيق الذات: النمو الشخصي والإنجاز.
  • تقدير الذات: المكانة والمسؤولية واعتراف الآخرين.
  • الاحتياجات الاجتماعية: الحب والشعور بالانتماء والارتباط بالآخرين.
  • الأمن: الحماية والأمن والانضباط.
  • مقومات الحياة: الطعام والماء والمأوى والنوم.

المؤسِّسان تيم غالوي (Tim Gallwey) والسير جون ويتمور (John Whitmore)

حتى السبعينيات، لم يُطبَّق مبدأ الكوتشينغ إلى أن طبَّقه كوتش التنس تيم غالوي، تخرَّج غالوي من جامعة هارفارد (Harvard) في السبعينيات، ثم أصبح قائد فريق التنس في الجامعة؛ فلاحظ غالوي أنَّه عندما غادر أرض الملعب، تحسَّن أداء طلابه تحسُّناً أسرع مما كان عليه في أثناء إشرافه عليهم.

وبصفته من مُحبي الروحانيات وعلم النفس، استكشف هذه المفارقة وطوَّر سلسلة من التقنيات لكسب المنافع؛ فكانت إحدى اكتشافاته الرئيسة التي توصَّل إليها هي تطبيق "التوجه"، والذي يعني تحديد الهدف قبل البدء.

كتب غالوي سلسلة من الكتب بعنوان "اللعبة الداخلية" (The Inner Game)؛ حيث طبَّق هذه النظريات ونظرياته الأخرى على الأداء في الحياة والعمل وكذلك الرياضة.

في الثمانينيات، تبنَّى البارون الإنجليزي الراحل السير "جون ويتمور" (Sir John Whitmore) أعمال غالوي؛ حيث نقل التقنيات إلى أوروبا وأسس مدارس للتزلج والتنس وقام بتطويرها. وفي مرحلة ما، طُلب من فريق "ويتمور" تقديم كوتشينغ على التنس "موجَّه ذاتياً" من قبل مؤسسة كبيرة أرادت من مديريها دمج نهج اللعبة الداخلية (Inner Game) في أساليب قيادتهم، وأطلق "ويتمور" على هذا "كوتشينغ الأداء"، وذلك لتمييزه عن الكوتشينغ التقليدي الذي يُمارَس في الرياضة، وكتب كتاباً عنه بعنوان "كوتشينغ الأداء"، والذي تُرجم منذ ذلك الحين إلى 19 لغة.

في هذه المرحلة، على ما يبدو، نشأ مصطلح "الكوتشينغ" الذي ساهمت فيه مجالات علم النفس، والأعمال التجارية، وتطوير الذات كثيراً، وتستند جميع أنواع الكوتشينغ التنفيذي، والتجاري، والمهني، والشخصي وغيرها من أنواع الكوتشينغ إلى المبادئ الموضحة أعلاه.

الكوتشينغ هو عملية مثل المحاسبة، وتبقى العملية كما هي بغض النظر عن نوع الكوتشينغ المُقدَّم. تطورت الممارسات الأخرى من جذور مماثلة إلى جانب الكوتشينغ، مثل علم النفس الإيجابي، والبرمجة اللغوية العصبية، وعلم نفس الأعمال، والتنمية الشخصية.

دعونا الآن نُلقي نظرة على الممارسين المختلفين وعلى ما يفعلونه:

الكوتشينغ

يُحسِّن الكوتشز أداء وسلامة الفرد أو المجموعة من خلال تحديد الأهداف واستكشاف القيم والمعتقدات وإعداد خطط عمل، ولكن لا يتحقق ذلك عن طريق النصح أو إصدار الأوامر، وإنَّما إلى حد كبير عن طريق طرح الأسئلة لتسهيل التوعية والتعلم الموجَّه ذاتياً، ولا يتطلب الكوتش أي معرفة أو مهارات أو خبرة في مجال عمل المتدربين.

في الواقع، قد يكون الجهل هنا ميزة تُشجِّع الكوتش على طرح أسئلة حيادية وغير توجيهية:

الكوتشينغ: طرح الأسئلة بدلاً من إصدار الأوامر والتعليمات -زيادة الوعي- الجهل بمجال عمل المتدربين.

هناك العديد من فئات الكوتشينغ، مثل الكوتشينغ الذي يتعلق بالحياة العامة، والتنفيذي، والجماعي، والمهني، بالإضافة إلى كوتشينغ الفرق، لكنَّ العملية هي نفسها إلى حد كبير، فكلما كان الرياضي أكثر نجاحاً، ازداد احتمال عمله مع كوتش رياضي؛ فكوتشينغ الأداء لا يتعلق بالضرورة بإصلاح المشكلات؛ بل بمساعدة الأفراد والفِرق الناجحة على تحقيق المزيد من النجاحات.

تخضع المهن حالياً للتنظيم الذاتي، لكنَّ معظم الكوتشز خضعوا لشكل من أشكال التدريب والتفويض، فقد أسس كوتشز من جميع أنحاء العالم العديد من هيئات الكوتشينغ، مثل: رابطة الكوتشينغ (The Association for Coaching)، والاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF)، والمجلس الأوروبي للمنتورينغ والكوتشينغ (EMCC)، وغيرها من الهيئات.

التدريب أمر إيجابي، ولا يعتمد على إصدار الأحكام، إنَّما يُركِّز على الحل، ويُمثِّل تحدياً.

مبادئ الكوتشينغ

التعلم الموجَّه ذاتياً: المسؤولية -الإيمان بالذات- عدم لوم الآخرين- التركيز على الحلول- التحدي- الإجراءات- الثقة- التوعية.

على الرغم من أنَّ مسؤولية التحكم في العملية تقع على عاتق الكوتش، إلا أنَّ مسؤولية تحديد المحتوى تقع دائماً على عاتق العميل، مما يجعل تجربة الكوتشينغ تجربة تمكينية ومثمرة وممتعة، وتُمثِّل منطقة التقاطع في وسط الرسم البياني أدناه الأوقات التي يقدم فيها الكوتشز اقتراحات أو يشاركون أفكارهم الخاصة بعد طلب الإذن، ولكن مع وضع حد واضح بين أجندة العميل وأجندتهم.

 يمكن ممارسة الكوتشينغ فردياً أو جماعياً ضمن مجموعات تضم عدداً مختلفاً من المتدربين، وكذلك مع الفرق لتحقيق قوة موحدة وداعمة.

إنَّ جذور التواصل في أسلوب الكوتشينغ قديمة ومتأصلة في جميع الأشخاص: فبعضهم كوتشز بالفطرة كونهم نشؤوا في جو كوتشينغ؛ أما الآخرين، فيمكنهم تعلم المهارات وتغيير أسلوبهم في التواصل، لذلك ازدادت شعبية الكوتشينغ في الشركات والمؤسسات العامة؛ إذ ترتبط القيادة الجيدة ارتباطاً وثيقاً بالكوتشينغ الجيد.

قد تظهر بين الفينة والأخرى المشكلات العاطفية في أثناء الكوتشينغ وقد يُحيل الكوتش المتدرب إلى مستشار أو معالج، ومع ذلك، في بعض الأحيان، تستطيع عملية الكوتشينغ حل المشكلات والصدمات المتجذرة التي تعيق المتدرب، من خلال نهج التركيز على الحل، دون الحاجة إلى استكشاف أعمق.

إضافةً إلى ذلك، أثَّر الكوتشينغ إيجابياً في الشفاء الجسدي من خلال دمجه أحياناً مع المجالات ذات الصلة، مثل البرمجة اللغوية العصبية أو التحليل التفاعلي أو المبادئ الأخرى.

المنتورينغ

تؤدي الاستخدامات المختلفة لمصطلح المنتور إلى قدر كبير من الارتباك، ففي بعض المؤسسات تُستخدم الكلمة لوصف الكوتشينغ كما هو محدد في هذا المقال، حيث يُعرَّف المنتورز بأنَّهم أشخاص ينقلون خبراتهم وتعلُّمهم ونصائحهم إلى أولئك الأقل خبرة في مجال معين.

معرفة واسعة- تقديم المشورة والتوجيه- مشاركة الخبرات- منتورينغ.

يعود سبب نشوء هذا المصطلح في اليونان القديمة إلى قصيدة هوميروس الكلاسيكية "الأوديسة"، حيث يُعيِّن أوديسيوس وصياً اسمه منتور، وذلك لرعاية ابنه كمعلِّم ومرشد وصديق.

تتلاشى الآن الحدود بين الكوتشينغ والمنتورينغ بعد أن اكتشف المنتورز أنَّ المنتورينغ بأسلوب الكوتشينغ أكثر فاعلية من مجرد تقديم النصح، فقد أصبح من المقبول بشكل متزايد للكوتشز تقديم النصح ومشاركة خبراتهم، وإن كان ذلك من خلال مراعاة إرشادات معينة تحافظ على مبادئ الكوتشينغ.

بدأت ممارسة "المنتورينغ العكسي" تكتسب شعبية أكبر، مما يعني أنَّ الموظفين الأقل خبرة يعملون كمنتورز لمن هم أعلى رتبة أو أكثر خبرة، وفي التسلسل الخطي اليوم، قد يُقدِّم جيل الشباب الذين يمتلكون المعرفة ويُجيدون التعامل مع التكنولوجيا قيمة كبيرة لكبار السن.

الطب النفسي وعلم النفس والعلاج النفسي

الطبيب النفسي هو طبيب مؤهل مع مزيد من التدريب في الطب النفسي ولكن ليس بالضرورة في علم النفس، وهو المُمارس الوحيد - الذي يتناوله هذا المقال - الذي يمكنه وصف الأدوية لعلاج الأمراض العقلية.

يحصل عالم النفس على تدريب عام، عادةً ما يكون درجة علمية في علم النفس، بالإضافة إلى مزيد من التدريب في مجال تخصصي. أما المعالج النفسي فيتعامل مع صعوبات عاطفية عميقة الجذور ويتلقى تدريباً صارماً وإشرافاً مستمراً.

عادةً ما تتضمن جميع الفئات الثلاث المذكورة أعلاه شكلاً من أشكال الحكم أو التشخيص أو تقديم الوصفات الطبية أو المشورة من جانب الممارس، ورغم أنَّ هذه المفاهيم ليست جزءاً من فلسفة الكوتشينغ، قد تُقدَّم بعض الاقتراحات في بعض الأحيان.

في الآونة الأخيرة، أصبحت مهارات الكوتشينغ الأساسية جزءاً من أي نوع من أنواع التدريب العلاجي.

تقديم المشورة

غالباً ما يُقدِّم المستشارون خدمة بسيطة تتمثل في "شخص يمكن الحديث معه"؛ لا سيَّما في حالات الحزن أو الصدمة أو القلق، وهناك مستويات مختلفة من التدريب، تبدأ بدورة قصيرة تؤدي إلى الحصول على شهادة، وقد تكون الجلسات لمرة واحدة، أو تمتد على مدار شهور أو سنوات.

هناك أوقات يحتاج فيها الناس للتصالح مع المصائب، على سبيل المثال، موت أحد الأقارب أو تجربة صادمة، وذلك من خلال التحدث عنها، فهذه هي الحالات التي تكون فيها الاستشارة أكثر ملاءمة من أي تدخُّل آخر، ولكن تُستخدم أحياناً الأساليب التي تركز على الحل في تقديم المشورة مع أنَّ وظيفتها ليست بالضرورة دفع العميل نحو النجاح.

الاستشارات

إنَّ مصطلح "مستشار" مصطلح واسع يُستخدم عادةً لوصف أي شخص يعمل في مؤسسة على المستوى التنفيذي من وقت لآخر، ولكنَّه ليس موظفاً فيها، لذلك يمكن أن تشمل هذه الفئة كوتشز خارجيين كون المستشار هو الشخص الذي يجلب الخبرة الخارجية إلى المنظمة في أي مجال، سواء كان ذلك في إعداد أنظمة الحاسب، أم تقديم الدعم النفسي للمديرين التنفيذيين، أو مساعدتهم على تحسين أدائهم.

في الختام

إنَّ أبسط طريقة للتعبير عن الاختلاف بين الكوتشينغ والمنتورينغ هي: "لدى الكوتش بعض الأسئلة الرائعة لإجاباتك، ولدى المنتور بعض الإجابات الرائعة عن أسئلتك".

سوف تساعدك المقارنة مع قيادة السيارة على تحديد الاختلافات بين جميع المجالات المذكورة آنفاً:

  • يستكشف المعالج ما الذي يمنعك من قيادة سيارتك.
  • يستمع الناصح إلى مخاوفك بشأن السيارة.
  • ينصحك المنتور من خلال خبرته في قيادة السيارات.
  • ينصحك المستشار بشأن كيفية قيادة السيارة.
  • يُشجِّعك الكوتش ويدعمك في قيادة السيارة.