الاختلافات بين تقديم الكوتشينغ للشركات وللأفراد
هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة سو باركر (Sue Parker) والتي تُحدِّثنا فيه عن الاختلافات بين الكوتشينغ في المؤسسات وللعملاء الخاصين.
لأنَّني أُقدِّم الكوتشينغ للشركات وللأفراد، كنت أفكر فيما إذا كان هناك أي اختلافات بينهما، حيث يتطلب كلاهما المهارات الأساسية نفسها التي تركز على الحلول والمتمثلة بالإصغاء، وطرح الأسئلة، وتقديم تغذية راجعة بنَّاءة، والتلخيص، والتعاطف، وغيرها، لكن هناك بعض الاختلافات التي تستحق الاستكشاف؛ إذ قد يكون لها تأثير في العمل.
إليك نبذة عني: أعيش في الشرق الأوسط، وعملت في أربع قارات، وأعمل حالياً في شركة متعددة الثقافات تهتم بالكوتشينغ، ولكنَّني لن أتطرق إلى الكوتشينغ المرتبط بالثقافات المختلفة في هذ المقال، على الرغم من أنَّني سأشير إليه عند وجود اختلافات؛ إذ يناقش هذا المقال في المقام الأول الاختلافات بين تقديم الكوتشينغ داخل الشركة وتقديمه للأفراد.
1. التعاقد
نحن عندما نُدرِّب، قد نجد صعوبة في التعاقد وما يتضمَّنه، فعند العمل ككوتش داخلي، يأخذ هذا معنى مختلفاً تماماً، فأنا "موظف" لأكون كوتشاً، وليس كوتشاً مستقلاً يُقدِّم الدعم لشركة ما، وعلى الرغم من أنَّني قد أضع "قواعد المشاركة"، إلا أنَّني يجب أن ألتزم بشروط الشركة فيما يتعلق بالسرية، والإبلاغ عن جلسات الكوتشينغ، ومواءمة الممارسات مع قيم الشركة، حتى لو لم تكن متوافقة تماماً مع قيمي الخاصة.
وهذا يعني أنَّه يجب عليَّ أن أقرر قبل تولِّي هذا الدور ما إذا كان في إمكاني الالتزام بشروط هذا العقد، كما يجب عليَّ أن أعرف إن كان في إمكاني أيضاً التوجُّه بالشكر لرب العمل أو عملائي الداخليين، والامتعاض عندما أرى مشكلة أخلاقية أو تضارباً في القيم، وأتأكَّد من امتلاكي لأي سلطة للتفاوض.
يمكن حل هذه المشكلة من خلال بناء الثقة والاحترام، ولكن يُعدُّ هذا من الأمور الهامة التي يجب عليك أخذها في الحسبان في البداية، فأنا - مع العملاء الخاصين - أضع القواعد، وأتفاوض، وأرفض إذا كنت أعتقد بأنَّني لا أستطيع المساعدة، أو عندما يحتاج الفرد المعني إلى مستشار أو معالج، وما زلت أفعل هذا، لكنَّ الأمر أكثر صعوبة عند العمل داخل المؤسسة.
2. التوقعات
يُحال إليَّ الموظفون من كافة المستويات لأسباب عديدة مثل: الأداء، وعلاقات العمل، والألم العاطفي الواضح (خاصة مؤخراً في أثناء الجائحة)، وحتى المشكلات السلوكية، وغالباً ما يكون هناك عدم وضوح في الخطوط الفاصلة بين الكوتشينغ والمنتورينغ والاستشارة وتقديم النصح.
لا يرغب بعض العملاء الداخليين في تلقِّي الكوتشينغ، وهذا أمر يصعب التعامل معه، وقد يرى عدد قليل منهم أنَّ الكوتشينغ خدمةٌ مجانيةٌ لا تُثير اهتمامهم، ويجب ألا تؤخذ على محمل الجد، ويتوقع مني الكثير ممن ينتمون إلى خلفيات ثقافية مختلفة أن أخبرهم بما يجب عليهم فعله، ولا يستطيع بعضهم التعبير عما يريدونه من الكوتشينغ، أو ببساطة لا يعرفون ما يريدونه أصلاً، واللغة ليست العائق الأساسي؛ بل هي غالباً الرغبة في "الحفاظ على الهيبة".
في المقابل، عادة ما يكون لدى العميل الخاص فكرة عما يريده من الكوتشينغ، حتى لو كانت أهدافه غير واضحة، وهذا يعني أنَّه يتعين عليَّ أحياناً التعامل مع عملاء من داخل الشركة، ومع أنَّني لا أرغب في ذلك؛ إلا أنَّني أفعله في النهاية، إذ أرى فيهم تحدياً، ويجب أن أُصغي إليهم باهتمام أكثر، وأن أتحلى بالشجاعة بعد جلسة أولية لإخبار الفرد، أو "الراعي"، بأنَّني لا أستطيع المساعدة، أو عندما يحتاجون إلى الإحالة لخبيرٍ مختص.
لا أريد كذلك أن أكون المسؤول عن حل المشكلات التي يجب أن يكون المديرون التنفيذيون قادرين على حلها أو مُعلِّماً يقدم مهارات تخصصية، ومن ثم يتعيَّن علي في بعض الأحيان تقديم الكوتشينغ للمديرين وكبار المديرين التنفيذيين.
3. الممارسة مقابل العملية
من خلال العمل في بيئة منظمة للغاية؛ حيث تحكم القوانين كل شيء تقريباً لأسباب تتعلق بالسلامة في المقام الأول، أجد أنَّ ممارستي تحتاج إلى ضمان أنَّني أعمل إلى حد كبير بما يتوافق مع تلك القوانين، حتى لو كنت لا ألتزم بها تماماً، ومع ذلك يجب أن ألتزم بعملية الكوتشينغ وأفضل الممارسات.
على سبيل المثال، من الهام جداً تجنُّب وضع افتراضات حول ما يمكن أن ينجح، ومن ثم استخدام التقنيات والنماذج المناسبة للمؤسسة والعملاء الداخليين؛ حيث أجد أنَّ المهندسين، على سبيل المثال، يميلون إلى تبنِّي نموذج جرو (GROW)، ويعارضون قليلاً فكرة التوسع، ولكنَّهم يجدون أي شيء له علاقة بنموذج بيرما (PERMA) غير عملي؛ لذا يجب أن تكون التقنيات والنماذج ملائمة أيضاً لجنسية العميل، على سبيل المثال.
وبدون الرغبة في وضع صورة نمطية، غالباً ما يتفاعل مواطنو الشرق الأوسط مع سرد القصص، والمحفزات البصرية، وقد يرغبون في التجربة؛ ومن المرجح أن يستفسر المغتربون الغربيون عن الخيارات ويشككون فيها؛ وعادةً ما يبذل سكان شرق آسيا قصارى جهدهم لتنفيذ ما يُطلب منهم، وقد يكونون أقل ميلاً للتفكير بمفردهم.
4. أهمية الوقت
عند التفكير في التعاقد والتوقعات، يجب تحديد ما هو ممكن ضمن نطاق زمني محدد بوضوح شديد في جدول زمني، وأنا لا أعِدُ عمداً بما هو أقل من المتوقع، ثم أُقدِّم أفضل من المتوقع، لكنِّي لا أعِد بما هو أكثر من المتوقع أبداً.
غالباً ما يتجاهل العملاء الجدول الزمني، ففي كثير من الأحيان قد يطلب العميل الداخلي عقد اجتماع قبل خمس دقائق، ويحدث هذا عادةً عندما يُطلب منه القيام بشيء لا يريد القيام به، أو كان يجب أن يكمله اليوم ولم يفكر فيه بعد؛ أو قد يكون هناك جدول زمني متفَّق عليه، ولكن لا يلتزم به العميل.
أعلم أنَّه قد تحدث أمور غير متوقعة في عالم الشركات، ولكن يتطلب التدريب الانضباط، ورغبة من جانب العميل في تعلُّم أساليب تولِّي زمام الأمور لإيجاد حلول بنفسه، بما في ذلك إدارة الوقت؛ وبعبارة أخرى، ليس النتائج الفورية المشار إليها سابقاً.
5. السمعة
الكوتشينغ سيئ التصميم الذي لا ينتج عنه أي نتائج في سياق الشركة سينتشر كالنار في الهشيم، فإن بدأتْ الثرثرة، فقد تفقد سمعتك ككوتش إلى الأبد، بالإضافة إلى الإضرار بالكوتشينغ كمهنة وحتى المؤسسة التي تعمل لديها.
لذا يجب عليك أن تفكر مليَّاً كذلك قبل المخاطرة بسمعتك من خلال تقديم الكوتشينغ في منظمة أو لموظفين لا يحترمون قيمك أو عندما تجد صعوبةً في اتِّباع الممارسات الأخلاقية، وقد يكون هذا أيضاً مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالتوقع وامتلاك تعريف واضح جداً لما هو ممكن وما هو غير ممكن في نطاق زمني معين.
غالباً ما يكون إقناع العملاء بأنَّهم بحاجة إلى تحمُّل مسؤولية تطوير أنفسهم أحد أكبر التحديات في أثناء سعيهم إلى الحصول على "نتائج فورية"، ولكن يمكنك تشجيعهم عندما تُقدِّم لهم كوتشينغ يجعلهم يشعرون بمزيد من النشاط والثقة بالنفس والسيطرة واحترام الذات، فهذه نتيجة جيدة، ولكن لسوء الحظ، يرغب الآخرون في تطوير أدائهم بين عشية وضحاها.
6. إعادة التنشيط
تتبنَّى جميع أنواع الكوتشينغ عملية إعادة التَّنشيط، ولكن عندما يزيد عدد العملاء المحتملين لديك على 4000 عميل، فقد تشعر بالإرهاق من التعامل مع هذا العدد الهائل، والتحديات التي يُثيرونها.
جزء من عملي هو تخصيص وقت لنفسي؛ حيث يمكنني الجلوس دون فعل أي شيء، والتحديق في السماء والطيور، أو حتى مشاهدة برامجي المفضلة للترويح عن نفسي وتصفية ذهني واستعادة طاقتي وحيويتي؛ بعبارة أخرى، لضمان سلامتي وعافيتي.
في الختام
يُعدُّ الكوتشينغ داخل الشركة تحدياً كبيراً؛ إذ عليك التعامل بسرعة مع عدد كبير من العملاء، إضافةً إلى أنَّك تفتقر إلى السلطة والحدود اللذَين تتمتع بهما عندما تعمل ككوتش مستقل، فإن كنت تستطيع تحمُّل ذلك، فهذا رائع، خاصةً لبناء القدرة واكتساب الثقة لتقديم الكوتشينغ لعملاء مستقلين فيما بعد.
ومع ذلك من الهام أيضاً أن تلعب دور المشرف للحفاظ على تركيزك وتجنُّب الوقوع في الخطأ الذي قد يُعرِّض عملك وقيمك للخطر، لا سيَّما إن لم يكن هناك شخص يمكنه أداء هذا الدور الإشرافي في الشركة.
أخيراً، إن كنت ترغب في التخصص ككوتش، بدلاً من النظر إليه على أنَّه عملية تطوير شاملة؛ فعليك التفكير ملياً قبل اتِّخاذ قرارك في أن تصبح كوتشاً داخل الشركة (ما لم تُعيَّن كمتخصصٍ على وجه التحديد)، فقد تجد نفسك مطالَباً بتقديم كوتشينغ تنفيذي، أو تجاري، أو مهني، أو حياة، أو رفاهية، أو حتى علاقات.