الدليل الشامل لنموذج "غرو" للكوتشينغ (الجزء الثاني)
لقد تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن خطوتين؛ إذ تضمنت الخطوة الأولى الحديث عن معنى نموذج "غرو" وفوائده وتاريخه، ثم تحدثنا قليلاً عن نظرية "فرويد" ومكوناتها الثلاثة، ثم تطرقنا إلى الحديث عن طريقة استعمال نموذج "غرو"؛ أمَّا في الخطوة الثانية فتحدثنا عن مراحله، وبدأنا الحديث عن المرحلة الأولى التي تتضمن تحديد الأهداف، والأخطاء الشائعة عند تحديدها، وطرحنا 22 سؤالاً هاماً لتحديدها. وسنتابع الحديث في هذا الجزء عن بقية المراحل وغيرها من المعلومات، فتابعوا معنا.
المرحلة الثانية: تقييم الواقع
بعد تحديد الهدف ووضعه، فإنَّ الخطوة التالية وفقاً لنموذج "غرو" (GROW) هي تحديد الواقع؛ إذ ستحتاج إلى العمل مع عميلك لمساعدته على فهم واقعه، والأمور التي نجحت معه، والأمور التي لم تنجح حتى الآن.
في هذه المرحلة من النموذج، سيتوجب عليك تشجيع عملائك على التحدث والتفكير ملياً في عواطفهم ومشاعرهم. وعلى عكس مرحلة تحديد الأهداف، يجب في هذا الجزء من جلساتك أن تسمح لعملائك بالتعمق أكثر والبدء بمناقشة جوهر الوضع الحالي.
ستكتشف قيم العملاء، ومعتقداتهم، والإجراءات التي اتخذوها وساعدَتهم في الماضي. هذه هي جلسة الإنجاز الحقيقية؛ إذ يحصل العميل بصورة مثالية على أفكار قوية وإنجازات رئيسة. ولتجنب جعل الجلسة مخالفة للتوقعات ولا قيمة لها، يجب عليك تشجيع عميلك على التحدث.
ماذا يعني الواقع وفق نموذج "غرو" (GROW)؟
يجب عليك أن تجعل العميل يفهم واقعه. وتكمن الحيلة هنا في محاولة استعمال نهج محايد للواقع والحفاظ عليه؛ لذلك، إذا بدا عميلك متفائلاً أو متشائماً جداً بصورة مفرطة بشأن واقعه، فإنَّ وظيفتك توجيهه إلى استعمال نهج أكثر توازناً.
قد يكون فهم الواقع ومواجهته أمراً صعباً بالنسبة إلى معظم عملائك؛ لهذا السبب اجعلهم يشعرون بالراحة بشأن السماح لعواطفهم بالتدفق. بصفتك كوتشاً، يجب عليك تخصيص مساحة آمنة لعملائك؛ وهذا يجعلهم يشعرون بالترحيب والأمان.
يمكن أن يرتبط الواقع بالهدف المحدد الذي تسعى أنت وعميلك إلى تحقيقه، أو يمكن أن يكون عامَّاً أكثر. إذا كان هدفك عامَّاً، فيجب عليك توجيه عميلك في تحديد أيِّ جانب من واقعهم يؤثر بصورة أكبر ويتوافق مع هدفهم؛ لذلك، اقضِ الوقت اللازم أنت وعميلك لفهم واقعه، ولا تتسرع في هذه العملية.
أمور يجب توخي الحذر منها في أثناء تقييم الواقع
أهم أمر يجب الابتعاد عنه في أثناء تقييم الواقع، هو عدم قضاء الكثير من الوقت في تحديد الخيارات أو الطرائق التي يمكن لعميلك من خلالها تغيير واقعه.
في معظم الأحيان، لن يكون واقع العميل واضحاً إلا في نهاية جلستك؛ وذلك بعد طرح الكثير من الأسئلة التوجيهية والمشاركة في محادثات مكثفة؛ إذ يجب أن تعالج المشاعر الأساسية والمخفية خلال هذه المرحلة. إذا بدأ العميل بالابتعاد عن الموضوع الرئيس والتحدث أكثر عن الخيارات وطرائق التقدم في هذه الجلسة، فادفعه إلى التفكير في السبب الأساسي لواقعه.
يمكنك دائماً تأجيل التحدث عن الخيارات وطرائق التقدم لمناقشتها بتعمق فيما بعد. قد يحدث أيضاً أن تتغير الخيارات وطرائق المضي قُدماً مع تطور جلسة الواقع، ولا مشكلة في ذلك.
تذكَّر: أنت لا تلتزم بأيِّ إجراءات في هذه الجلسة. يمكنك أيضاً إجراء جلسة عصف ذهني بشأن الخيارات في أثناء هذه المرحلة من نموذج "غرو" (GROW)، لكن سيكون من الحكمة التخطيط لها بعمق في المراحل القادمة. ومع ذلك، إذا وجدت عميلك ينتقل باستمرار إلى مرحلة البحث عن الخيارات وحلولها، فيمكنك مناقشة الانتقال إلى المرحلة التالية من النموذج.
قد تضطر إلى إجراء تعديلات كثيرة مع مرحلة الواقع لتحقيق النتيجة نفسها. احرص وحسب على التركيز في الهدف للحصول على جلسة هادفة لمناقشة الواقع.
تقييم الواقع باستعمال 21 سؤالاً توجيهياً
فيما يأتي قائمة بالأسئلة التي ستساعد عميلك على الانفتاح والتحدث عن واقعه بمزيد من الوضوح والتركيز، ويمكنك تغييرها حسب احتياجاتك.
- كيف يبدو اليوم العادي بالنسبة إليك؟ فكر من منظور مشكلتك أو هدفك. كيف تشعر حيال ذلك؟
- في أيِّ مرحلة أنت فيما يتعلق بهدفك؟
- هل فعلت أيَّ شيء لتحقيق هدفك حتى الآن؟
- إذا كانت الإجابة "نعم"؛ فهل لديك أيُّ معلومات ترغب في مشاركتها أو كتابتها؟ يمكن أن تكون تجارب سلبية.
- ما هو شعورك حيال وضعك الحالي، ولماذا تشعر بهذه الطريقة حيال ذلك؟
- هل تشعر أنَّك مسيطر على وضعك؟ ولماذا تشعر بذلك، ولماذا لا؟
- ما الذي ترفض الاعتراف به بشأن وضعك؟
- هل كنت تتجنب التفكير أو الحديث عن أمرٍ ما؟
- هل لديك شعور غريزي يوجهك في اتجاه معيَّن؟
- هل تفتقر إلى الاحترام من قِبل شخص ما؟ وهل هذا الشخص أنت، أم أنَّه شخص آخر في حياتك؟
- في أيِّ جزء من حياتك تشعر بعدم الاحترام؟ وكيف تشعر حيال ذلك؟
- هل توجد حالة مزاجية ثابتة تُظهرها؟ وما هي؟
- هل توجد أيُّ عادات ترغب في تغييرها لأنَّها تشكل عائقاً في طريقك؟
- ما الذي يحدُّ من معتقداتك حول مستقبلك؟
- من سيكسب أو يخسر إذا حققت هدفك؟ ومن سيكسب أو يخسر إن لم تحققه؟ وكيف تشعر حيال ذلك؟
- ما هي الأمور المفضلة لديك خلال وضعك الحالي؟ وما هي الأمور التي تفتخر بها؟ ولماذا؟
- ما هو العائق الذي يمنعك من العمل لتحقيق هدفك؟
- هل يوجد شخص ما يعترض طريقك؟ وهل هذا الشخص أنت؟ إذا كانت الإجابة "نعم"، فما الذي يسبب لك عائقاً؟
- ماذا سيحدث إذا لم تفعل أيَّ أمر لتغيير وضعك أو التحرك نحو هدفك؟
- هل تريد التفكير في أيِّ أمر آخر؟
- من أنت حالياً؟ وماذا يجب أن تكون لتحقيق هدفك بالكامل؟
لا بُدَّ أن تؤكد هذه الأسئلة لعميلك أنَّها تحفزه على التفكير، ويجب أن تجعله مستعداً لمواجهة واقعه.
دعنا ننتقل إلى الحديث عن المرحلة التالية من هذه العملية.
المرحلة الثالثة: تقييم الخيارات
إنَّ الخطوة التالية في نموذج "غرو" هي الخيارات، ولا تخلو هذه الخيارات من العقبات أبداً؛ إذ إنَّ كل خيار يتخذه عميلك في حياته سترافقه بعض العقبات، وكونك كوتشاً ستحتاج إلى معرفة العقبات التي يمكنك مساعدته على التغلب عليها.
ما هي الخيارات؟ وكيف يمكنك مساعدة العملاء على التعرف إليها من دون تحيُّز؟
بعد جلسة واحدة مليئة بالطاقة والعاطفة تتحدث عن الواقع، قد يبدو الجزء الخاص بالخيارات من نموذج "غرو" غير منطقي إلى حدٍّ ما.
في مرحلة الواقع كنت تحتاج إلى إبقاء العميل مركزاً، أمَّا الآن فيجب أن تكون جلسة الخيارات أكثر من مجرد إجراء نشاط عصف ذهني.
دوِّن كل الاقتراحات والخيارات التي يقدمها العميل للوصول إلى هدفه، مهما كانت كبرى أو عشوائية؛ فقد تؤدي الفكرة الكبرى إلى خيارات أكثر جدوى. كما يمكنك طرح خيارات طُرِحَت في جلسة الواقع وتوسيعها خلال هذه الجلسة.
في بعض الأحيان، قد تتفق أنت والعميل على أنَّ الخيار الأول المُقدَّم هو الخيار الأمثل لتحقيق الهدف. في هذه الحالة، يمكنك الانتقال مباشرةً إلى الجزء الأخير من نموذج "غرو".
الأمر الوحيد الذي يجب أن تكون حريصاً بشأنه هو عدم رفض أيِّ فكرة، وعدم قبول الأفكار التي لا تناسبك. ويجب أن تكون ماهراً بما فيه الكفاية لتتوقع عدم اتباع العميل لخياراتك، فضلاً عن التأكد من أنَّ العميل يسير في المسار الصحيح.
تماماً مثل الأجزاء الأخرى من نموذج "غرو" للكوتشينغ، أنت تحتاج إلى تحقيق التوازن المثالي في أثناء العمل في هذا القسم من النموذج.
نصائح مفيدة
على الرغم من عدم وجود الكثير من الأخطاء في أثناء مرحلة الخيارات لنموذج "غرو"، إلا أنَّه توجد بعض النصائح لمساعدة عميلك على تحقيق أفضل النتائج.
- خذ جميع اقتراحات الخيارات مهما كان عددها، وضعها ضمن خريطة ذهنية.
- قسِّم كل قسم من الخريطة الذهنية إلى أقسام أخرى حتى تجد خياراً قابلاً للتنفيذ.
- احرص على استمرار تركيزك أنت وعميلك على الهدف مع معرفة واقع العميل.
- ناقش كل خيار ممكن وفكِّر في قائمة إيجابياته وسلبياته.
- فكِّر في الخيارات المحتملة مقابل الخيارات المرجحة.
21 سؤالاً توجيهياً لتحديد العقبات والخيارات
فيما يأتي قائمة بأسئلة تساعدك على بدء تحديد الخيارات. لا يتعين عليك الالتزام بهذه القائمة، ولكن يجب أن تجعل هذه الأسئلة عميلك يبدأ بتحديد وجهته.
- ما هو الخيار الذي نجح معك وما هو الخيار الذي لم ينجح معك حتى الآن؟
- قسِّم ورقة إلى أعمدة عدة.
- سمِّ الأعمدة بالأمور التي تعتقد أنَّه يجب عليك التوقف عن القيام بها، والأمور التي يجب عليك الاستمرار في القيام بها، والأمور التي يجب عليك تقليلها، والأمور التي يجب عليك القيام بها أكثر، والأمور التي تفعلها وتجعلك سعيداً، وتمسَّك بالهدف في أثناء التفكير في هذه الأمور.
- إذا كانت كل وسائل الراحة في العالم متاحةً لك، فما الذي ستفعله بطريقة مختلفة للوصول إلى هدفك؟
- لنبدأ بتجربة فكرية؛ تخيَّل أنَّك حققت هدفك بعد مرور عام من الآن؛ ما هي الخطوات التي اتخذتَها لتحقيق هذا الهدف؟
- فكِّر في الخوف الذي يمنعك من تحقيق هذا الهدف وتصوَّره، ثم احبسه في صندوق في أقصى ركن من أركان دماغك.
الآن، بعد أن حبست خوفك، ماذا ستفعل لتحقيق هدفك؟
- ماذا لو أعطاك شخص ما كل المعلومات التي تحتاج إليها لتحقيق هدفك؟ وما هي خطوتك الأولى؟
- فكِّر في هدفك وتخيَّله بدقة عالية، هل يحفزك هذا الأمر؟ فكِّر الآن في هذه الحماسة، وفكِّر في الخطوة الأولى كيف يجب أن تكون.
- إذا كنت تشعر بحال أفضل الآن، فما هي الخطوة التي يمكنك اتخاذها لتشعر بتحسن أكبر؟
- لنفترض أنَّك لن تفشل أبداً مهما كان خيارك؛ ماذا ستفعل بعد ذلك؟
- ماذا يمكنك أن تفعل إن لم تكن منزعجاً من آراء الناس؟
- ماذا ستفعل إذا كنت تملك كل الوقت في العالم لتحقيق هدفك، كما لو أنَّ الزمن قد توقف؟
- انظر إلى نفسك من خلال أعين شخص يمثل قدوة بالنسبة إليك؛ ما هي الخطوات التي يقترحها لتتبع خيارك؟ وما هي الخطوات التي اتخذها في حياته وتلهمك؟
- تخيَّل أنَّ هدفك هو أمر يريد شخص تحبه تحقيقه؛ ما هي الخطوات التي تقترحها عليه لاتخاذها؟
- لنفترض أنَّك تخبر أقرب صديق لك عن هدفك؛ ما هي الخطوات التي يقترح عليك اتخاذها؟
- فكِّر في أكثر شخص ثقة تعرفه؛ ما الذي يجعله بحسب رأيك شخصاً واثقاً من نفسه؟ وإذا أمكنك استعارة ثقته ليوم واحد، فماذا ستفعل؟
- استمر بالثقة نفسها وتخيَّل أنَّك خبير في الهدف الذي تريد تحقيقه؛ ما هي النصيحة التي ستعطيها لنفسك المبتدئة؟
- فكِّر في أذكى شخص تعرفه؛ ما الذي يجعله ذكياً جداً؟ وما هي النصيحة التي سيقدمها لك؟
- هل يمثل المال مشكلةً؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هو حجم المشكلة؟ وهل يمكننا إيجاد طريقة حتى لا يمثل مشكلةً؟
- ما هو الخيار الذي يمكن أن تفكر فيه إذا لم تكن العواقب تمثل مشكلةً؟
- إذا كانت لديك ورقة معلومات لا يمكنك الوصول إليها إلا إذا اتخذت الخطوة الأولى؛ فما هي الخطوة التي ستتخذها للوصول إلى هذه الورقة؟
- ماذا يمكن أن تفعل غير ذلك؟ وبعد ذلك؟
استمر في تكرار الخيارات والاحتفاء بها عند ظهورها وشجع العميل على مواصلة إجراء العصف الذهني. من المؤكد أنَّ الإجابة عن هذه الأسئلة سيقودك أنت وعميلك إلى التوصل إلى خيارات مجدية لتحقيق أهدافه.
هذه المرحلة من نموذج "غرو" هامة جداً؛ لذلك لا تتعجل بها. امنح عميلك الوقت الكافي للتوصل إلى خيار أو خيارات عدة جيدة وواضحة بعد التفكير في العقبات ذات الصلة مع كل خيار من الخيارات.
الخلاصة
لقد تحدثنا في هذا الجزء من المقال عن المرحلتين الثانية والثالثة لنموذج "غرو"؛ إذ تحدثنا في المرحلة الثانية عن تقييم الواقع ومعناه ضمن النموذج، وما هي الأمور التي يجب توخي الحذر منها في أثناء التقييم، ثم طرحنا 21 سؤالاً توجيهياً. أمَّا في المرحلة الثالثة، فتناولنا الحديث عن تقييم الخيارات مع تقديم بعض النصائح المفيدة، بالإضافة إلى طرح 21 سؤالاً توجيهياً لتحديد العقبات والخيارات.
في الجزء الثالث والأخير من هذا المقال سنتابع الحديث عن المرحلة الرابعة والأخيرة من نموذج "غرو"، ثم سنتحدث عن باقي الخطوات، فتابعوا معنا.