الكوتشينغ أم التأديب أيهما أفضل لتحسين الأداء


يجب أن نغير أسلوبنا في التعامل مع ضعف الأداء في مكان العمل؛ إذ لا ينبغي أن تكون الإجراءات التأديبية هي الخيار الافتراضي، في الوقت الذي يمكننا فيه استخدام الكوتشينغ لتحسين الأداء.

وجد صديق لي وظيفة جديدة في المبيعات بعد انقطاعه عن العمل في هذا المجال لفترة طويلة، وقد شعر بالارتياح والحماس لحصوله على هذه الفرصة كونه وجد أنَّه يتمتع بجميع المهارات والخبرات اللازمة كي ينجح فيها؛ ورغم أنَّ آخر عمل له لم يرتبط بالمبيعات بشكل مباشر، إلَّا أنَّ لديه باعٌ طويل في هذا المجال، وكان يتطلع إلى العودة إليه.

بعد بداية واعدة، أخذت الأمور تسوء شيئاً فشيئاً، حيث تغيَّر المنتج الرئيس للشركة؛ الأمر الذي جعل عمله أكثر صعوبة، فأصبح بعيداً عن البيانات التي جمعها عن العملاء؛ كما غيرت الشركة نطاق عملها، فوجد نفسه مع عدد أقل بكثير من الزبائن الأثرياء المحتملين الذين يحتاج إليهم، وبدأ هذا الأمر يسبب له حالة من القلق والارتباك؛ فرغم كونه بائعاً متمرساً، وله سجل حافل بالإنجازات؛ إلَّا أنَّ نتائجه كانت تتدهور، وأصبح رؤساؤه في العمل متزمتين أكثر فأكثر.

لقد علم أنَّني دربت كبار القادة كلٌّ منهم على حدة، فسأل عمَّا إذا كنت على استعداد لمساعدته.

كنت أود في البداية معرفة ما قد يحدث إن لم تتحسن الأمور، فقال صديقي: "يا إلهي، لقد كان كلامهم واضحاً، وسيكون لزاماً عليَّ أن أحضر مقابلة ندرس فيها السبل التي قد يتحسن بها أدائي، مع وضع جدول زمني وأساليب لتتبع ذلك"، فسألته: "وماذا قلت عن ذلك؟"، فأجابني: "قلت إنَّ هذا يبدو مفيداً حقاً، هل يمكننا أن نفعل ذلك الآن من فضلكم؟".

وفقاً لدائرة الاستشارات والتوفيق والتحكيم البريطانية (Acas)، يشكل الإجراء التأديبي وسيلة رسمية لرب العمل للتعامل مع ما يأتي:

  • السلوك غير المقبول أو غير اللائق (سوء التصرف).
  • الأداء (القدرة).

يمكنني رؤية الغاية من المقابلة التأديبية في حالات سوء التصرف، فربَّما يتعلق الأمر بتأخر متكرر، أو ادعاء المرض لتبرير التراخي في العمل، أو التصرف بوقاحة مع الزملاء أو الزبائن، وإلى آخر ذلك؛ ولكن على النقيض من ذلك، أرى أنَّ تأديب شخص ما لتعديل قدراته أو أدائه -أي تأديبه لعدم قدرته على استخدام معارفه ومهاراته وخبراته وموارده بفاعلية- لن يحقق الكثير.

من وجهة نظر الكوتشينغ، أفضِّل التعامل مع مثل هذه الأنواع من الأمور والعمل على معالجتها وتحسينها قبل الحديث عن الإجراءات التأديبية، وقد نستبدل بهذا مصطلحي "سوء التصرف" و"القدرة" بمصطلحي "الإرادة\الرغبة" و"الكفاءة" اللذان يبعثان على التفاؤل أكثر.

مسألة الإرادة و الكفاءة

دعونا نفصِّل الأمر من خلال طرح 4 أمثلة، لنعرف كيف يمكنك أن تحسن أداء مثل هؤلاء الموظفين:

  • يشبه أحد موظفي خدمة العملاء -لنفترض أنَّ اسمه "جون" (John)- طفلاً صغيراً يعمل بحماس كبير، ولكنَّه غالباً ما يعطي العملاء معلومات خاطئة لأنَّه لا يفهم كيفية حساب الرسوم، وقد سجل العديد من العملاء شكاوى حول ذلك؛ ممَّا جعلهمنزعجاً تماماً؛ لذا نخشى أن يكون ذلك قد تسبب بانخفاض الحافز لديه.
  • يتمتع موظف من خريجي الإدارة -لنفترض أنَّ اسمه "باول" (Paul)- بمعرفة واسعة بالعمليات التجارية، غير أنَّه لا يرغب في تفويض المهام؛وعندما يفعل ذلك مجبراً،يشعر بالقلق في أثناء قيام موظفيه بتلك المهام.
  • تستخدم إحدى الموظفات -لنفترض أنَّها تُدعَى "جورجينا" (Georgina)- الفكاهة غير الملائمة مع العملاء باستمرار، وغالباً ما تكون هذه الفكاهة ساخرة وغير محترمة، وقد كان من المقرر أن تحضر ندوة للتعامل مع العملاء، ولكنَّها لم تأتي في ذاك اليوم.
  • لقد أصبح أحد الموظفين -ليكن اسمه "رينجو" (Ringo)- سلبياً ومتشائماً فجأة،مع أنَّه كان فيما مضى أول من يتبنَّى أي مبادرة جديدة؛ وما يزال كذلك، ولكن لم يعد يتمتع بالحماس نفسه؛ ورغم أنَّه قد أكمل التدريب المطلوب في الشركة، واجتاز مؤخراً دورة دبلوم جامعية؛ ولكنَّه أخبر للتو بأنَّه يشعر أنَّ عمله وأداءه لا يؤثرانفي طريقة عمل القسم كما يجب.

لدى موظف خدمة العملاء "جون" الإرادة والرغبة، لكنَّه لا يمتلك الكفاءة؛ ولديه الدافع وليس المهارات؛ لذا يمكننا استخدام الكوتشينغ لتسخير دوافعه وخلق بيئة من الثقة يكون فيها أكثر استعداداً لطرح الأسئلة والتماس التفسيرات لاكتساب الكفاءة، وقد نحتاج إلى غض الطرف عن أخطائه في البدايات.

أمَّا خريج قسم الإدارة "باول"، فهو على خلاف ذلك تماماً، حيث لا يمتلك الإرادة أو الرغبة، ولكن لديه كفاءة عالية؛ ليس لأنَّه لا يعرف كيف يفوض المهام، بل لأنَّه لا يطبق ذلك على أرض الواقع؛ وهو لا يحتاج إلى مزيد من التدريب أو المهارات، فليس لدينا شك في قدراته، بل ما يحتاج إليه هو الكوتشينغ، وذلك لفهم عزوفه عن التفويض، وهو ما يرتبط عادة بخوفه من فقدان السيطرة.

لا تمتلك جورجينا الإرادة ولا الكفاءة؛ وإن كنت ترى أنَّ الأمر يستحق استثمار مزيد من الوقت في هذه السيدة، فأقترح عليك أن تبدأ بموضوع الإرادة؛ إذ يمكنك أن تحاول إعادة الحماس إليها من خلال الكوتشينغ، ولكنَّك ستحتاج أيضاً إلى مراقبة أدائها عن كثب وتقديم تغذيات راجعة مفصلة، ثمَّ ترك الأمر لتتعامل معه بنفسها بعد ذلك.

أمَّا رينجو، فلديه الرغبة والكفاءة، ولكنَّه قد لا يبقى كذلك ما لم توفر له الفرص لتحمُّل المسؤولية؛ لذا عليك أن تمنحه ثقتك، وتشجعه على رفع درجة وعيه وانخراطه من خلال طلب التغذيات الراجعة والتماس أفكاره واقتراحاته.

يمكن ترتيب المجموعات الأربع على رسم بياني، كما يأتي:

الدوافع

دعونا نعود إلى صديقي، والذي من الإنصاف أن نذكر أنَّه يعمل لصالح شركة نمت بسرعة كبيرة؛ لذا فهي تفتقر إلى الخبرة في مجال الموارد البشرية.

قد يكون هذا جزءاً من المشكلة، ولكنَّ قصته تسلط الضوء أيضاً على مبدأين هامين من مبادئ الكوتشينغ هما:

  1. لا يمكنك أن تجعل شخصاً ما ينجز عملاً لا يستطيع إنجازه بطلب ذلك منه فقط.
  2. قد ينجح التلويح بالعصي -مثل الاجتماعات التأديبية- في تحفيز الحيوانات، ولكنَّه لا يجدي نفعاً بالنسبة إلى البالغين المحترفين فيما يخص العمل.

بعد أن أصغيت إلى مأزقه، تذكرت قصة قديمة عن مدير شركة أصدر إعلاناً مثيراً للسخرية يقول: "ما لم تتحسن الروح المعنوية في الشركة، سأستمر بفصل مزيد من الموظفين".

ضع هذا في عين الاعتبار في المرة القادمة التي تدير فيها شخصاً لديك شك في أدائه، واعلم أنَّ الكوتشينغ هو الحل.