الكوتشينغ الفعال هو مسألة وجهة نظر


هذا المقال مأخوذ عن الكاتب مات سومرز (Matt Somers)، والذي يحدثنا فيه عن تأثير وجهات النظر في العمل ودور الكوتشينغ في التقريب بينها.

لا يحب أحدٌ أن يؤدي دور الشرير في مسرحية الحياة، لكن لا يمكننا جميعاً أن نكون أبطالاً؛ فللوصول إلى الحلول الحقيقية، يجب أن نقبل بالحلول الوسط التي تُرضي الجميع.

نحن نميل في قصص حيواتنا إلى تصوير أنفسنا بوصفنا أبطالاً؛ وإلى تصوير الآخرين بوصفهم أشراراً، لكنَّ الأشرار في قصصنا أبطالٌ في القصص التي يسردونها عن حيواتهم.

وبدلاً من إهدار الطاقة في محاولة إقناع الآخرين بمكاناتنا الرفيعة، من الأفضل أن نستمع إلى وجهة نظر الطرف الآخر.

ماكس برايس (Max Price) هو مدير مبيعات عُيِّنَ حديثاً، لكنَّ الأمور لا تسير على ما يرام في الشركة؛ إذ تسير جميع مقاييس المبيعات المتنوعة في الاتجاه الخاطئ، ويبدو أنَّها تتجه نحو الانخفاض مقارنةً بالعام الماضي؛ كما تعمل ميني دسكاونت (Minnie Discount) مع فريق "ماكس"، وهي مديرة تنفيذية ذات قدرة عالية ولديها سجل حافل بالنجاح تُحسد عليه.

المشكلة، من وجهة نظر ماكس هي "ميني"، فما بالها؟ اعتادت ميني أن تكون أول من يدخل المكتب وآخر من يغادره، وكان تركيزها حاداً خلال ساعات العمل؛ إذ كانت قادرة على تحقيق نسبة المبيعات المطلوبة منها دون عناء تقريباً، وبعد ذلك تساعد في تقديم الكوتشينغ لأعضاء الفريق الآخرين بغية تطوير قدراتهم.

يظن ماكس أنَّ ميني لا تحترمه، ويعتقد أنَّها تُضعف هيبته أمام أعضاء الفريق، وهو يدرك أنَّه حصل على الترقية التي أرادها - وهي الترقية ذاتها التي كانت تظنُّ ميني أنَّها هي من يستحقها - ولكنَّه يشعر أنَّه سيؤدي دوره على وجه أفضل إذا توقفت ميني عن إحباط كل ما يحاول تحقيقه؛ في الواقع، إنَّه يتمنى أن يطلب المساعدة منها؛ فهي تتمتع بخبرة كبيرة ويمكنها مساعدته على التقدم؛ ولكنَّها كانت واضحة في عدم رغبتها بذلك.

لقد حاول ماكس مناقشة هذا الأمر معها، لكن يبدو أنَّها لا تريد معالجة المشكلات الدفينة؛ الأمر الذي أزعجه حقاً، وربما لاحظ الجميع مدى انزعاجه من ذلك.

المشكلة، من وجهة نظر ميني هي ماكس، فما الذي دفعهم إلى ترقيته أصلاً؟ إذ ليس لديه سجل في المبيعات يؤهله لنيل هذه الترقية، لقد كانت تحب أن تكون اللاعب الرئيس في الفريق، لكن إذا كان كل ما تبذله من جهد يمر دون أن يلحَظه أحد، فما الفائدة؟ وإذا كانت تُضحِّي بقضاء الوقت مع العائلة في سبيل عملها الدؤوب في الشركة، أَفلا يستحق هذا نوعاً من التقدير؟

تحترم ميني ماكس لما فعله في مكان آخر؛ لكنَّها لا تُبدي ذلك أمام الفريق، وهو قد حصل على الترقية التي كانت ميني تنشدها؛ لكنَّه يعرف أنَّه قادر على أداء الدور بصورة أفضل في حال اعترف بصعوبة التعلم التي يواجهها الآن.

في الواقع، إنَّها تتمنى حقاً أن يطلب منها المساعدة، وتعلم أنَّ لديها الخبرة الكافية لمساعدته على المضي قدماً، لكنَّه يُظهر بوضوح عدم رغبته بذلك. لقد حاولت مناقشة هذا الأمر معه، لكن يبدو أنَّه لا يريد معالجة المشكلات الدفينة، الأمر الذي أزعجها حقاً، وربما لاحظ الجميع مدى انزعاجها من ذلك.

إنَّها مسألة وجهة نظر

يبدو الأمر كما لو أنَّ ماكس وميني يجلسان على طرفي نقيض، ويوجد بينهما رقم، إذ يرى ماكس سبعة، بينما ترى ميني ثمانية، ولا أحد منهما على صواب، ولا أحد منهما مخطئ؛ هما ببساطة لديهما وجهات نظر مختلفة.

عندما نعلق في هذه الدوامة، فإنَّنا نميل إلى الحكم على سلوك الشخص الآخر على أنَّه خاطئ أو لا يمكن تفسيره أو يصعب فهمه، ولكن بالنسبة له يكون ذلك منطقياً تماماً، لا أحد يفعل أي شيء بدون سبب؛ فسلوكاتهم منطقية بالنسبة لهم، وتلبي حاجة نفسية قد لا نتمكن من رؤيتها في البداية.

كيف تتجاوز هذا؟

مثل معظم الكوتشز، دربت نفسي على مر السنين على محاولة تجنب تصنيف الأمور على أنَّها صحيحة أو خاطئة، جيدة أو سيئة، أفضل أو أسوأ، لأنَّ هذه أحكام تتعلق بالقيمة، وقد يكون من الصعب للغاية جعل الناس يتفقون عليها؛ فمن الأفضل أن تقبل أنَّ وجهات النظر مختلفة ببساطة، وتحاول توجيه تركيز المعنيين نحو هدف مشترك؛ لذا، في حالة ماكس وميني، أودَّ حقاً تحويل المحادثة إلى ما يمكن لكل منهما فعله لوقف الانخفاض في نتائج المبيعات.

لذلك قد تكون هناك حاجة لإجراء مناقشة صريحة لمحاولة الوصول إلى المشاعر أو العاطفة الكامنة وراء موقفيهما، لماذا، في مثالنا، يشعر ماكس بتقويض مكانته وتشعر ميني بالعجز واليأس؟ لا شك أنَّهما اكتشفا هذا عندما قصَّ كل منهما حكاية بطولته الخاصة لأصدقائه وعائلته؛ لكن ما يحتاجان إليه حقاً هو إجراء محادثة بينهما.

إن فعلا ذلك، فمن الحكمة أن يتذكرا نصيحة المؤلف ستيفن كوفي (Stephen Covey): "افهم أولاً ثم حاول جعل الطرف الآخر يفهمك".

بعبارة أخرى، بدلاً من إهدار الطاقة في محاولة إقناع الآخرين بمكاناتنا الرفيعة، سنكون أفضل حالاً إذا استمعنا إلى وجهة نظر الطرف الآخر حتى نتمكن بعد ذلك من صياغة أفكارنا واقتراحاتنا بأساليب تساعدنا على فهم وجهة نظره الخاصة وتجعلها تبدو جذابة، بالطبع، إذا فعل الطرف الآخر الأمر نفسه، ستتاح فرص إيجاد أرضية مشتركة وطريقة متفق عليها للمضي قدماً.

هل ينجح هذا دائماً؟

لا، للأسف لا ينجح ذلك دائماً؛ إذ سيكون هناك دائماً أشخاص لا يمكنك الاتفاق معهم، وربما يقودونك إلى الجنون، ولكن تذكر أنَّك كذلك بالنسبة لهم، هذا لا يعني أنَّنا يجب ألا نحاول.

أتذكر أنَّني كنت في دورة تدريبية وأحاول إنجاز تمرين ثنائي، وقد طلب منا المدرب قضاء 30 ثانية في النظر إلى شركائنا "كما لو أنَّهم المشكلة!"، بعد ذلك، كان علينا أن ننظر إلى شركائنا "كما لو كانت لديهم مشكلة!" لقد كان تحولاً طفيفاً في وجهة النظر، لكنَّ تأثيره كان عظيماً، جرِّبه وانظر ما إذا كان بإمكانك كسب قلوب بعض من تظنهم أشراراً.