
الكوتشينغ المنهجي: تعريفه وفوائده للمنظمات
يساعد الكوتشز المؤسسات في التغلب على الصعوبات، وتحقيق التغيير والنمو المستدام، وقد ترغب بعض تلك المؤسسات في البداية بتحسين أجزاء من أنظمتها المعقدة، دون مراعاة المؤسسة بأكملها. لكن، حتى عند تقديم الكوتشينغ للقادة، ليس من المنطقي تجاهل شبكة علاقاتهم. يقول المؤلف والباحث في مجال القيادة والتنمية الدكتور "بيتر هوكينز" (Peter Hawkins): "لا يجب تقديم الكوتشينغ للفرد بمعزل عن العلاقات المحيطة به، وذلك للاستفادة من إمكانات جميع الأطراف".
يبحث المقال في موضوع الكوتشينغ المنهجي، ودوره في مساعدة المؤسسات في تعزيز التعاون، وتحقيق التحسين المستمر، وتقديم نهج شامل يُعنى بالعلاقة بين الأفراد والفِرق والمنظمة بأكملها.
ما هو الكوتشينغ المنهجي؟
يُعرَّف الكوتشينغ المنهجي على أنَّه نهج موسع من نموذج الكوتشينغ التقليدي لتقديم قيمة مضافة تتجاوز حدود الفرد. كما يُعرِّفه الاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF) كما يلي: "يوضح الكوتشينغ المنهجي أهمية أخذ المنظمة بأكملها في الحسبان، بدلاً من التركيز على العلاقة المباشرة بين الكوتش والمتلقي. كما يُستخدَم لوصف بعض الطرائق المحددة والمختلفة لفهم الأنظمة".
أما النظام فهو مجموعةٌ من الأشخاص المرتبطين ضمن منظومة واحدة مثل الزوجين أو العائلة أو الفريق أو القسم أو المؤسسة بأكملها. يشكِّل هؤلاء الأفراد جزءاً من شبكة معقدة من العلاقات، ويتفاعلون مع الأنظمة الأخرى المحيطة بهم. تؤثر هذه الأنظمة في أفعالنا وأفكارنا وعواطفنا، بقدر ما نؤثر نحن فيها.
يشرح البروفيسور "بيتر هوكينز" في كتابه "الكوتشينغ المنهجي: تقديم قيمة تتجاوز الفرد" (Systemic Coaching: Delivering Value Beyond the Individual)، كيف يركز الكوتشينغ المنهجي على الفريق والمنظمة بأكملها.
على عكس الكوتشينغ التقليدي، الذي يُعنى بالتنمية الفردية، يركز الكوتشينغ المنهجي على فكرة أنَّ الأفراد جزء من شبكة معقدة من العلاقات والتفاعلات، وأنَّ التغيير والنجاح يتطلب الاهتمام بالنظام بأكمله، وليس الأفراد فقط، مما يجعله أكثر تأثيراً من الكوتشينغ التقليدي.
يشجع الكوتشينغ المنهجي على العمل مع كل من الأفراد والفِرق، وتعزيز ثقافة التعاون والتواصل المفتوح والأهداف المشتركة؛ حيث يساعد فهم العلاقات بين العناصر المختلفة ضمن النظام في تحديد الأنماط السائدة، والتغلب على العقبات، والاستفادة من نقاط القوة في إحداث تغيير هادف.
كما يتيح الكوتشينغ المنهجي إمكانية الوصول إلى حوار مشترك، والاتفاق على تحقيق أهداف جماعية هادفة، وزيادة الشعور بالمسؤولية على جميع المستويات عبر تمكين الأفراد من فهم دورهم ضمن النظام، وكيفية تأثير أفعالهم في الآخرين.
فهم نموذج الكوتشينغ المنهجي
يقوم الكوتشينغ المنهجي على التفكير المنظومي الذي يركز على علاقة الأفراد والفِرَق مع بيئتهم الخارجية. يعتمد الكوتش على هذه الروابط في التعاون مع المؤسسات على تحسين العلاقات، وتحقيق التنمية الجماعية بدلاً من التركيز على قائد أو فريق بعينه. يسهِّل هذا النهج اكتشاف الأسباب الجذرية للمشكلات، وطرح حلول شاملة تراعي المنظمة بأكملها.
يشير مصطلح "النظام" في سياق الكوتشينغ والتطوير التنظيمي إلى مجموعة من المكونات المترابطة التي تعمل معاً لتحقيق هدف مشترك؛ حيث تشمل هذه المكونات الأفراد والفرق والأقسام والبيئة التي تعمل فيها المؤسسة. يؤثر كل مكون من مكونات النظام في العناصر الأخرى ويتأثر بها، مما يسهم في إنشاء شبكة معقدة من التفاعلات.
أهمية التفكير المنظومي
في ما يلي تجربة توضح أهمية التفكير المنظومي:
"منذ سنوات مضت، حصلتُ على فرصة للعمل مع فريق يركز على تحسين العلاقات بين الموظفين وآليات العمل في الشركة، واتفقنا جميعاً على أنَّه النهج المناسب، ولكنَّني أدركتُ المشكلة عندما لاحظت إحجام الفريق عن طلب التغذية الراجعة من أصحاب المصلحة، ورفض مشاركتهم في النقاشات.
تبين في ما بعد أنَّ مديرهم يخشى أن تكون التغذية الراجعة محبطة لأعضاء الفريق. لربما كان موقفه مفهوماً، لكنَّه سلط الضوء على فجوة كبيرة في نهج الشركة. لفهم الموضوع بصورة أفضل، أجرينا سلسلة من المقابلات مع أصحاب المصلحة، والذين قالوا إنَّ الفريق لم يكشف بوضوح عن الخطط والمواعيد النهائية والعوائق التي يواجهها.
أكدت هذه التغذية الراجعة على أهمية التواصل المفتوح، وتلبية توقعات أصحاب المصلحة؛ حيث ترتبط كفاءة فريق العمل بقدرته على تلبية متطلبات الجهات التي تتلقى الخدمات.
والحقيقة هي أنَّ تجاهل آراء أصحاب المصلحة حرمنا من أفكارهم المفيدة، فكانوا الحلقة المفقودة التي كانت لتسهم كثيراً في نجاح الفريق".
يقتضي الكوتشينغ الفعال فهم الأنظمة؛ لأنَّه لا يقتصر على تحسين أداء الأفراد فقط؛ بل يتطلب فهم البيئات التي يعمل فيها الأفراد؛ حيث يؤدي إدراك الروابط بين مختلف مكونات المنظمة إلى مساعدة العملاء على تحديد الأنماط المتكررة في سلوك الأفراد والفِرق، والكشف عن التأثيرات والتفاعلات المتبادلة بين الأفراد أو المجموعات، ووضع استراتيجيات تُعنى بالنظام بأكمله.
النظام هو كيان مترابط لا يمكن لأي جزء من أجزائه العمل بمعزل عن الآخر. يؤثر فشل أحد الأجزاء في بقية مكونات النظام، مما يستدعي تكيُّفها مع الظروف الجديدة.
يقوم نموذج الكوتشينغ المنهجي على نهج شامل يُعنى بالمنظمة بجميع مستوياتها -أفراداً وفِرق- ويؤكد على أهمية فهم العلاقات والتفاعلات بين هذه المكونات، وتأثير العوامل الخارجية في عمل المنظمة.
يركز الكوتشينغ المنهجي للفِرق على تعزيز الأداء الجماعي عبر استكشاف تفاعلات الأعضاء، وعلاقاتهم، وأدوارهم في إطار المنظمة. تتفق فِرَق العمل على مجموعة من الأهداف المشتركة عند فهم متطلبات أصحاب المصلحة، مما يؤدي بدوره إلى تحسين فعالية التعاون، والتغلب على الصعوبات، والمساهمة في نجاح المنظمة.
فوائد الكوتشينغ المنهجي
يعود الكوتشينغ المنهجي بعديدٍ من الفوائد على المؤسسات التي تسعى إلى التغلب على الصعوبات، وتحقيق التغيير، وتقديم نتائج أفضل؛ إذ يؤدي اعتماد نهج شامل يقوم على الترابط بين الأفراد والفرق والمنظمة إلى التنمية والتطوير.
الكوتش المنهجي هو شريك موثوق ومسؤول عن تحليل أنماط التفكير والسلوكات، والتخلُّص من تلك التي لا تفيد المؤسسات، والتعاون مع قادة الفرق لتعزيز العلاقات؛ فهو لا يستبدل قائد الفريق؛ بل يعمل معه على إنشاء جدول أعمال الكوتشينغ، وذلك بهدف زيادة فعالية الفريق.
يجب على المنظمة الاستثمار في الكوتشينغ المنهجي للأسباب التالية:
1. تحقيق الأداء المستدام
يساعد الكوتش المؤسسات في تحقيق تحسينات مستدامة في الأداء، والاستفادة من نقاط القوة، والتغلب على العقبات، وإرساء ثقافة التميز، وذلك عبر الاهتمام بالمنظمة بأكملها بدلاً من التعامل مع الأفراد فقط.
2. وضع جدول أعمال فعال
يرشد الكوتش الفريق للتركيز على القضايا الهامة التي يعتقدون أنَّهم بحاجة إلى معالجتها لتعزيز فعاليتهم، مما يضمن زيادة تأثير المؤسسة.
3. الرؤية والهدف المشترك
يساعد الكوتش الفريق على وضع رؤية وهدف واضح يتوافق مع توقعات أصحاب المصلحة.
4. تحسين القيادة
ساعد الكوتش قائد الفريق في إدراك تأثير أسلوبه القيادي على النتائج التي يقدمها الفريق.
5. تعزيز التعاون عبر التركيز على العلاقات
يوضح الكوتش مدى تأثير علاقات الفريق في نجاحه أو فشله.
6. زيادة المرونة
يقدم الكوتش الأدوات التي تساعد في اكتساب العقلية اللازمة للتغلب على التحديات، وتحقيق التغيير، واستثمار الفرص؛ حيث يؤدي اعتماد التفكير المنظومي إلى زيادة المرونة والتكيف مع التغيرات.
آلية عمل الكوتشينغ المنهجي
في ما يلي 3 مراحل لتطبيق الكوتشينغ المنهجي في المؤسسات:
1. مرحلة التقييم: فهم الفريق والمنظمة
يبدأ التطبيق العملي للكوتشينغ المنهجي بتقييم شامل لوضع المنظمة، بما في ذلك مكامن قوتها، والتحديات التي تواجهها، والنتائج المرجوة، ثم تُجمَع آراء أصحاب المصلحة مثل القادة والموظفين والشركاء الخارجيين، بهدف فهم المنظمة أو الفريق الذي يتعامل معه الكوتش.
2. مرحلة التعاقد: تحديد أهداف الكوتشينغ
يتعاون الكوتش مع الفريق على تحليل نتائج التقييم، ووضع جدول أعمال الكوتشينغ، والذي يتضمن تحديد أهداف واضحة وقابلة للقياس، والاتفاق على شكل الجلسات (مثل إقامة ورش العمل، أو عقد جلسات خارج المؤسسة)، وتحديد طريقة تقييم التقدم المُحرَز.
3. مرحلة التنفيذ: الكشف عن الأنماط السائدة وتسهيل عملية التغيير
يعمل الكوتش في هذه المرحلة مع الموظفين والفرق لتحديد الأنماط والتفاعلات السائدة، وتطوير استراتيجيات التغيير، ويُشجع على إجراء المحادثات المفتوحة والصادقة، وتبادل وجهات النظر، ويسهم في تعزيز الثقة بين الموظفين والفرق، ومساعدتهم في فهم مناصبهم ومسؤولياتهم ضمن إطار المنظمة، وذلك عبر طرح الأسئلة المناسبة، والتشجيع على التفكر.
أهمية التكيف والتعلم المستمر
يؤكد الكوتشينغ المنهجي على أهمية التكيف والتعلم المستمر. يساعد الكوتش المؤسسات في إنشاء حلقات التغذية الراجعة وآليات لمشاركة المعلومات. يتيح الكوتشينغ المنهجي للمؤسسات التعلم من تجاربها، وتطوير عملياتها وممارساتها عن طريق التجريب والتكرار والتفكير.
التغيير المستدام
يعمل الكوتش مع القادة لضمان وحدة أهداف الموظفين والفرق والمنظمة، ويساعدهم في استخدام التفكير المنظومي لتوقع التحديات، واستثمار الفرص، واتخاذ القرارات التي تفيد النظام بأكمله؛ حيث يشجع الكوتش المؤسسة على تولي المسؤولية من خلال إرساء ثقافة القيادة المشتركة والمساءلة، فيصبح التفكير المنظومي جزءاً من طريقة عملها بعد انتهاء مهمة الكوتش.
التدخلات المحتملة في إطار الكوتشينغ المنهجي
تقديم الكوتشينغ للقادة والمديرين التنفيذيين: التركيز على الموظفين الهامين
يركز الكوتش على كبار القادة والمديرين التنفيذيين، الذين يسهمون في نجاح فرقهم. لكن، لا يقتصر عمل الكوتش على القادة بعينهم فحسب؛ بل يُعنى بالأطراف الهامة، أو التي يجب التأثير فيها؛ ويساعد أيضاً القائد في تغيير نهجه وزيادة مستوى نجاحه.
تنمية المهارات القيادية: إرساء ثقافة الكوتشينغ
يركز الكوتشينغ المنهجي على تطوير القادة؛ حيث يعقد الكوتش جلسات جماعية ويُجري المحادثات بهدف تطوير المهارات وطريقة التفكير اللازمة للتغلب على التحديات، وإحداث تغيير فعال في المؤسسة، مما يؤدي إلى إرساء ثقافة الكوتشينغ بحيث يكون القادة مخولين لدعم فرقهم، وبالتالي تعزيز التنمية في جميع أنحاء المنظمة.
تطوير الفرق: الاهتمام بالعلاقات لتعزيز التعاون
يُعنى الكوتشينغ المنهجي أيضاً بتطوير الفِرق؛ حيث يعمل الكوتش معهم لتعزيز التعاون، وتحسين التواصل، ودفع الجهود نحو تحقيق الأهداف المشتركة، ويعقد الجلسات وورش العمل، ويُجري اجتماعات مع الفريق خارج المؤسسة، ليستفيد الأعضاء من نقاط قوتهم الجماعية، ويعالجوا الخلافات بصورة بنَّاءة، ويتفقوا على الأهداف. يؤدي الكوتشينغ المنهجي إلى تحسين أداء الفرق، والمساهمة في نجاح المنظمة عبر تعزيز الثقة والاهتمام بالسلامة النفسية.
في الختام
يسهم الكوتشينغ المنهجي في التغلب على التحديات التي تواجهها المؤسسات، وتحقيق التغيير والنجاح المستدام. يتمتع الكوتشز بخبرة واسعة، ويستخدمون استراتيجيات فعالة تخوِّلهم لمساعدة المؤسسات في الازدهار والوصول إلى أهدافها سواء أكانت تواجه أزمة، أو تمر بتغيرات كبيرة، أو تسعى لإرساء ثقافة تعاونية.