اللعبة الداخلية لـ تيم غالوي
هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة كارول ويلسون (Carol Wilson) والتي تُحدِّثنا فيه عن نشأة اللعبة الداخلية وكيفية تطبيقها في مكان العمل.
في عام 1971، كان "تيم غالوي" (Tim Gallwey)، مؤسِّس مفهوم اللعبة الداخلية (the Inner Game)، يعمل كوتشاً للتنس، فبعد أن تولَّى قيادة فريق التنس في جامعة هارفارد (Harvard)، كان في إجازة قبل أن يجد وظيفة جادَّة، وفي أحد الأيام لاحظ أنَّه عندما غادر أرض الملعب لفترة وجيزة، تحسَّن أداء أحد الطلاب دون مساعدته بعد أن كان متعثراً بمشكلة تقنية؛ فأدرك أنَّ الناس يمكن أن يتعلَّموا تعلُّماً أفضل عندما يعملون بمفردهم مما لو تلقوا تعليمات رياضية تقليدية من قِبل كوتش.
بدأ "غالوي" في إعداد طريقة جديدة للكوتشينغ ركَّزت على تعزيز وعي الطالب بما يحدث بالكرة والمضرب وجسم الطالب نفسه، وطوَّر سلسلة من الأسئلة والتعليمات لتحقيق ذلك.
الذات الأولى والذات الثانية
افترض "غالوي" أنَّه في كل لاعب - وفي كل واحد منا في الواقع - هناك ذات أولى وذات ثانية؛ حيث تُعلِّق الذات الأولى باستمرار على كل ما تفعله الذات الثانية، وغالباً ما تكون هذه التعليقات نقدية، ولا تُذكِّر الذات الأولى الذات الثانية بأعباء الفشل السابق فحسب؛ بل تُسبِّب التوتر والخوف اللذين يميلان إلى إحباطنا عندما نواجه التحديات، في الواقع تخلق الذات الأولى أسوأ التحديات، فهي تلقي كل اللوم على الذات الثانية؛ فمن خلال حوار داخلي مثل: "لقد أفسدت علينا الأمر"، سيكون مصيرك الفشل بالتأكيد.
الأداء = الإمكانات - العقبات
ابتكر غالوي هذه المعادلة ليصف التأثير المشوِّش للذات الأولى.
الأداء = الإمكانات - العقبات.
يُشبه هذا الأمر أساليب الكوتشينغ في تحديد المعتقدات المُقيِّدة، وتساؤلات المؤلفة نانسي كلاين (Nancy Kline) حول الافتراضات المُقيِّدة.
وجد "غالوي" طريقة للتغلب على العقبات التي تضعها الذات الأولى من خلال إصدار تعليمات مثل "التركيز على مسارات الكرة" بدلاً من "محاولة ضربها بمنتصف المضرب"؛ حيث اكتشف أنَّ توجيه انتباه الطالب نحو أمر غير هام للنجاح في اللعبة كان فاعلاً في إسكات صوت الذات الثانية المزعج، ومن ثم تحسَّنت أساليب تلاميذه في اللعب تحسُّناً ملحوظاً.
الذات الأولى والذات الثانية على أرض الواقع
لقد شاهدت هذا المبدأ على أرض الواقع في أثناء عرض مع "غالوي" في أحد النوادي، لقد أخبرتنا امرأة أنَّها لم تكن لديها خبرة في التنس على الإطلاق، حيث طلب منها "غالوي" أن تقول "ترتد" عندما ترتد الكرة على الأرض و"تضرب" عندما تلامس مضرب أي من المنافسين، فاستمرت في إعادة الكرة لدقائق عديدة ولم تُفوِّت أي كرة حتى طُلب منها التوقف؛ نظراً لأنَّ تركيزها كان منصباً على ملاحظة ارتداد الكرة أو اصطدامها بمضربها، توقفت الذات الأولى عن الثرثرة، مما أفسح المجال أمام غرائزها وحدسها وعقلها اللاواعي للتحكم في اللعبة.
كان هذا تمريناً بصرياً، وقد وجد "غالوي" أيضاً أنَّ الاستماع إلى الصوت الذي تصدره الكرة، والشعور بقبضة المرء على المضرب لهما أثر كبير في إسكات الذات الأولى وتحسين التركيز، ويتعلق هذا الأمر بالتفضيلات المرئية والسمعية والحسية الحركية التي حدَّدها علماء النفس في نموذج فاك ( VAK) لأساليب التعلُّم في وقت مبكر من عشرينيات القرن الماضي.
الخصم داخل ذهن المرء
لقد مررنا جميعاً بلحظات كنا فيها ناجحين، على سبيل المثال، اللحظة التي لعبنا فيها ببراعة، أو كتبنا قصصاً جميلة، أو ربحنا صفقة، أو عزفنا على آلة موسيقية؛ حيث يتوقف صوت الذات الثانية الناقد في هذه اللحظات.
تساعد التقنيات التي طوَّرها "غالوي" الناس على بلوغ تلك الحالة، فقد أدرك "غالوي" أنَّ العقبات الحقيقية التي تَحُول دون اللعب جيداً تكمن في ذهن اللاعب نفسه، وليس في مهارة الخصم، وقد اشتهر بقوله: "الخصم الذي في ذهن المرء أصعب من الخصم الذي يقف على الطرف الآخر من الشبكة".
شرح غالوي نظرياته في كتابه "لعبة التنس الداخلية" "Inner Game of Tennis" الأكثر مبيعاً، واستمر في كتابة أربعة كتب أخرى تُطبِّق مفهوم اللعبة الداخلية على الجولف والتزلج والموسيقى وبالأخص الكتاب الذي يُطبِّقها على العمل والذي كتبه بعد أن بدأ مديرو الأعمال في التعرف إلى هذه التقنيات والسؤال عن كيفية تطبيقها في مكان العمل؛ حيث اكتشف نظرياته "السير جون ويتمور" (Sir John Whitmore) الذي حوَّل المبادئ إلى كوتشينغ موجَّه لتحسين الأداء، وطبَّقها أولاً على الرياضة ثم على العمل لاحقاً.
اللعبة الداخلية في العمل
طبَّق "غالوي" اللعبة الداخلية لأول مرة في شركة اتصالات " AT&T" الأميركية؛ حيث طُلِب منه تحسين مستويات اللباقة في خدمة العملاء، وافق على قبول التحدي بشرط ألا يتعين عليه ذكر كلمة "لباقة"؛ حيث أصبح صوت العميل بمثابة كرة التنس (كما في المثال السابق)، وطُلب من المشغلين تحديد نبرة صوت العميل سواء كانت عالية أم ناعمة أم غاضبة أم متوترة، وكذلك التعرف إلى نبرات أصواتهم هم أنفسهم.
بدؤوا قياس هذه الخصائص على مقياس من 1 إلى 10؛ فنجحت العملية على عدد من المستويات، ليس من ناحية تحسين العلاقات بين المشغلين والعملاء فحسب؛ بل من ناحية جعل مكان العمل أكثر إمتاعاً؛ وذلك لأنَّ ما كانوا يفعلونه بدا وكأنَّه لعبة.
مثلث العمل
أحد النماذج التوضيحية التي وضعها "غالوي" هو مثلث العمل:
مثلث العمل: الأداء - التعلُّم - المتعة.
عند العمل تحت الضغط لفترات طويلة، غالباً ما نحلم بالتخلي عن كل شيء وقضاء بقية حياتنا على الشاطئ، ومع ذلك، عندما نذهب في إجازة ونحظى بفرصة للقيام بذلك بالضبط، نجد أنفسنا في غضون أيام قليلة نرغب في استئجار سيارة أو قراءة كتاب أو الذهاب في نزهة على الأقدام؛ اكتشف "غالوي" أنَّنا بحاجة إلى خلق توازن بين العناصر الثلاثة في كل ما نقوم به حتى نشعر بالقناعة والرضا ونُقدِّم أفضل ما لدينا.
المتغيِّرات الحَرِجة
يتمثَّل جزء أساسي من عملية اللعبة الداخلية في تحديد ما أطلق عليه غالوي "المتغيرات الحرجة" وهي العناصر الهامة في أي موقف، على عكس العناصر غير الهامة، ولكنَّ المتغيرات الحرجة ليست واضحة دائماً، وقد ينتج عن تحديدها بعض الرؤى الثمينة بالإضافة إلى توفير إرشادات حول كيفية المضي قدماً.
الوعي بعدم إصدار الأحكام
ينص المبدأ الأساسي الآخر للعبة الداخلية على الوعي بعدم إصدار الأحكام، وهو ببساطة طرح الأسئلة التي تثير الوعي بما يحدث في أي موقف، جسدياً وذهنياً وعاطفياً، يُذكِّرنا هذا الأمر بفلسفة اليقظة الذهنية القديمة، والتي تكتسب أيضاً مصداقية كبيرة في مكان العمل اليوم.
على سبيل المثال، إذا وجدت أنَّ رقبتك تؤلمك بسبب قيادتك للسيارة لساعات طويلة، وركَّزت على ما يحتاج إلى تعديل، سواء كان ذلك وضعيتك أم مستوى الضغط، فسوف يخفُّ الألم، قد يكون التطبيق العاطفي لهذا عندما تشعر بالغضب أو الاستياء من سلوك شخص آخر، فمجرد إدراك تأثير ذلك فيك سيُتاح لك التعامل مع هذا الشعور دون أن يطغى عليك.
لقد وجدت هذا مفيداً خاصةً للعملاء الذين يعملون في مواقف لا يمكنهم فيها فعل الكثير بشأن سلوك شخص آخر، كوجود رئيس متنمِّر على سبيل المثال.
التركيز على العميل
على الرغم من أنَّ عمل "غالوي" ساهم على المستوى الأساسي في مجال الكوتشينغ، إلا أنَّه قلق من أن يصبح أداء الكوتش محور اهتمامه الأساسي بدلاً من التركيز على أداء العميل، كما أنَّه شدَّد على ضرورة تراجع الكوتش وإفساح المجال للمُتدرِّبين للتعلُّم بأنفسهم، سواء كانوا مديرين أم لاعبين رياضيين أم أطفالاً؛ فالمفتاح هو التعلُّم الذاتي الذي يتحقق من خلال التركيز على مَن يتلقى الكوتشينغ وليس على الكوتش نفسه؛ حيث يقول "غالوي":
" في مجال الرياضة، كان عليَّ تعلُّم كيفية تعليم الناس القليل حتى يتعلَّموا الكثير بأنفسهم، وينطبق هذا على الكوتش الذي يُقدَّم الكوتشينغ في مجال الأعمال".