المدير والكوتش: وجهان لعملة واحدة


جميع المديرين مدربون، لكنَّ بعضهم لا يعرف ذلك، كما لا يجيد جميع المديرين الكوتشينغ؛ لذا كيف يمكننا إذاً جعل المديرين يتبنون دورهم التدريبي بشكل أفضل؟

هذا المقال مأخوذ عن الكاتب والمدرب مات سومرز (Matt Somers)، والذي يحدثنا فيه عن الدليل على تطابق دور المدير والكوتش، وأهمية وعي المديرين بذلك.

ربَّما قررت أن تصبح مديراً وتتولى أمور الكوتشينغ بنفسك، أو قررت بصفتك ممارساً في مجال التعلم والتطوير مساعدة مديرك على تقبل الكوتشينغ كجزء من دوره الوظيفي؛ لذا سأشرح في هذا المقال كيف أنَّ الكوتشينغ جزء هام من عمل المدير، وأنَّ هذا ليس مسألة اختيارية؛ كما سأشرح سبب اعتقادي بأنَّ المدير هو كوتش، سواءً رضي بذلك أم لم يرضَ.

سمات الكوتشينغ:

أحب أن أجري في برامج التدريب على مهارات الكوتشينغ التمرين الآتي:

أطلب من المشاركين التفكير في صفات الكوتش المؤثر، وأجعلهم يكتبون قوائم بالخصائص المختلفة التي يمكنهم التفكير فيها؛ سواءً كانت تتعلق بالمعرفة أم المهارات أم الصفات الشخصية.

يسرد بعض الناس أحياناً قائمة طويلة للغاية، وأطلب منهم بعد الانتهاء التفكير في شخص معين يريدون أن يدربهم، وأن يفكروا في الأمور التي يقدِّرونها في هذا الشخص؛ ثمَّ أجمع أفكارهم المختلفة وأكتبها على سبورة في مقدمة الغرفة.

مثل هذه الصورة:

غالباً ما يذكر المتدربون مهارة الإصغاء كأولوية، ثمَّ يذكرون صفات شخصية أخرى مثل: التعاطف، والثقة بالنفس، والتواصل بود؛ كما ليس من الغريب أن يقترح المشاركون مهارات مثل الذكاء العاطفي للمدرب بدلاً من خبرته والوقت الذي قضاه في هذه الوظيفة، وما إلى ذلك.

ثمَّ أعود بعد ذلك إلى العنوان "صفات الكوتش المؤثر"، وأسأل: "إذا شطبت كلمة كوتش واستبدلتها بأيٍّ من ألقاب وظيفتك، هل سيحذف أي شيء من القائمة أو يُضاف إليها؟".

عادة ما يكون هناك بعض التنهدات والكثير من الحديث عن أشياء لا حصر لها، والتي يجب وضعها في القائمة، مثل: رسائل البريد الإلكتروني، والاجتماعات غير المجدية، وما إلى ذلك؛ ولكن بعد ذلك، يبدو وكأنَّهم اكتشفوا العديد من الأمور، فيقرون ألَّا شيء يجب أن يُحذَف من القائمة، ويتوصلون إلى أنَّ وظيفة المدير والكوتش متشابهتان إلى حد كبير.

كيف نجعل المديرين يتفهمون ذلك؟

لا يتعلق الأمر بإرسال المديرين إلى دورة تدريبية عن مهارات الكوتشينغ؛ فنحن نعلم أنَّ المشاركين في التدريب يمكنهم اكتساب سلوكات جديدة لبعض الوقت بعد انتهائهم من الدورة، ولكن غالباً ما يتلاشى كل ما تعلموه عندما يتعرضون إلى ضغوطات العمل مرة أخرى، ليعودوا إلى عاداتهم وسلوكاتهم القديمة؛ إلَّا إذا كانت تجربة التعلم التي تتضمن المحادثات قبل التدريب وبعده قد غيرت طريقة تفكير الأشخاص.

تتمثل الخطوة الأولى الجيدة في زيادة وعي المديرين بالوضع الحالي؛ ولكن قبل أن نتوقع منهم تبني دور الكوتشينغ، يجب الإشارة إلى أنَّ نهجهم الحالي غير مجدٍ.

ربَّما يكون ذلك بتقديم تغذية راجعة تدل على أنَّ الفريق لا يستجيب بالشكل المطلوب، أو ربَّما تتوافر لديك بعض البيانات من استطلاع حديث حول المشاركة توضح أهمية تغيير طبيعة علاقة الإدارة التنفيذية بالموظفين؛ ورغم أنَّ هذه البيانات التفصيلية لا تتوفر في المؤسسات الصغيرة، فقد يتطلب الأمر مجرد محادثة صادقة بين موظفي الموارد البشرية والمديرين كبديل جيد لتوضيح هذا الأمر.

"يتعين عليك التعامل مع التغيير المستمر أنت وفريقك"

لقد كنَّا نتوقع في وقت ما أنَّ ما تعلَّمناه في المدرسة أو الجامعة سيدعم حياتنا العملية طويلاً، إذ يمكننا دخول الحياة المهنية وصقل هذه المعرفة وتطويرها، ويمكننا مع ترقينا في درجات السلم الوظيفي إلى مناصب إشرافية أو إدارية مشاركة معرفتنا وتقاسم حكمتنا مع أولئك الذين سيحلون محلنا في نهاية المطاف.

لقد كانت المعرفة قوة تحظى بالاحترام، وكان المديرون يقولون بفخر "لن أطلب من أي شخص فعل أي شيء لا أستطيع القيام به بنفسي"؛ ولكنَّ هذا الموقف لم يعد من الممكن أن يستمر؛ وبات يُعتقَد أنَّ المعرفة التي نمتلكها عندما ننهي مرحلة التعليم تصبح عديمة الفائدة في غضون ثلاث سنوات، حيث لا يمكن للمديرين مواكبة جميع الوظائف والنتائج التي تؤديها فرقهم؛ نظراً إلى توسع المجالات وتزايدها.

ما دمت مديراً لفريق، فلا مفر من كونك كوتشاً لهم؛ ويمكنك فعل ذلك بشكل جيد أو سيئ، ولكن ما لا يمكنك فعله هو تجنب الأمر.

"تلاشي التسلسلات الهرمية الوظيفية"

لقد شهد العقدان الماضيان تنافساً متزايداً وتطورات هائلة في التكنولوجيا، ممَّا تسبب في تخفيض العمالة في العديد من المنظمات، وكان هذا يعني خسارة أعداد كبيرة ممَّن يُسمَّون بمديري الإدارة الوسطى (middle-managers)؛ ممَّا دفع الشركات إلى إيجاد طرائق لتحقيق مزيد من النتائج بموارد أقل.

وكنتيجة للركود الذي حدث في بعض المنظمات، أصبحت هناك حاجة الآن إلى الدقة والتركيز في جميع المجالات؛ كما استُبدِلت خطوط الإبلاغ التسلسلية المباشرة "Vertical reporting lines" بهيكل تنظيمي مصفوفي "matrix-type structures"، أي ترفع التقارير لكلٍّ من المدير التنفيذي ومدير الإنتاج مباشرة بدلاً من التسلسل الهرمي التقليدي؛ ممَّا يعني رفع التقارير إلى مديرين أو ثلاثة بناءً على العمل الذي يقوم به الأشخاص في المؤسسة.

قد يتزايد الاعتماد على هذا النظام في المستقبل؛ لذا ومن هذا المنطلق، لا يمكن للمديرين أن يأملوا في قيادة فرقهم وتطويرها من خلال إصدار الأوامر واعتبار أنفسهم المصدر الأوحد للمعرفة، بل يتعين عليهم إيجاد طرائق لمساعدة أعضاء فرقهم على الوصول إلى الإبداع؛ كما أنَّهم بحاجة إلى طرائق لجعل الناس يشعرون بالتمكين والقدرة والدافع إلى تحقيق الإنجازات.

"إنَّ موظفينا هم ميزتنا التنافسية الحقيقية الوحيدة"

إذا حصلنا على نظام تكنولوجيا معلومات جديد، يمكن لمنافسينا الحصول عليه في الأسبوع التالي؛ ورغم أنَّنا قد نتمكن من تأمين قدر كبير من رأس المال أو التمويل، فلن يكون هناك ما يمنع منافسينا من القيام بالشيء نفسه؛ فأي منظمة مهما كانت متطورة ما هي في النهاية إلَّا مجموعة من الأشخاص؛ وبالتالي، إذا أردنا تحسين أداء العمل، فعلينا التطلع إلى تحسين أداء الموظفين؛ ذلك لأنَّهم من يمتلكون جميع إمكانات التحسين.

لا شيء أكثر إحباطاً من سماع شكاوى المديرين وهم يقولون: "يجب الحصول على أفضل النتائج من الموظفين"، ثمَّ يشاهدونهم وهم يفعلون العكس تماماً؛ لذا تأتي من هنا أهمية الكوتشينغ للمديرين، فهو أداتهم السحرية كي يحرروا طاقات فرقهم ويحسِّنوا أداءها بصورة مذهلة.