بروتوكول طلب الإذن قوة طلب الإذن غير المستغلة 2
لقد تحدَّثنا في الجزء الأول عن بعض الجوانب التي يُحدث فيها بروتوكول طلب الإذن فارقاً، وهي الصراع، وتقدير الآراء، والتغذية الراجعة؛ وسنتناول في هذا الجزء الجوانب الأخرى، وهي الحدود والانسجام، بالإضافة إلى المزيد من الأمور المتعلقة ببروتوكول طلب الإذن.
● الحدود
قد يكون طلب الإذن مفيداً أيضاً في المواقف التي لا تُفرض فيها شروط سلبية، على سبيل المثال، غالباً ما يكون الاجتماع الافتتاحي بين أعضاء الفريق المُشكَّل حديثاً مليئاً بالتفاؤل والطاقة، وبعد ذلك عندما تتكشف الخطط ويتعرف الأعضاء إلى بعضهم بعضاً، تظهر الاختلافات ويمكن أن يحدث سوء فهم.
إذا فهِم الناس أنَّ الفريق المؤثر يحتاج إلى مجموعة من المهارات والأساليب وطرائق التفكير المختلفة، فسوف يزدهر الفريق، أما إذا حاول أي شخص فرض مجموعة معينة من الأساليب على الآخرين، فسوف تتحول طاقة الفريق نحو النزاع الداخلي والتنافس على المناصب، بدلاً من تحقيق النجاح الأهداف.
اعتاد جوك لوي (Jock Lowe)، مدير عمليات الطيران السابق للخطوط الجوية البريطانية (British Airways) وأسطول طائرات الكونكورد (Concorde)، على تذكير الطيارين بأنَّ عدوهم ليس داخل قمرة القيادة حيث تظهر النزاعات أحياناً بين أعضاء الفريق؛ وإنَّما في الخارج حيث قد تتسبب مشكلة ما في سقوط الطائرة من السماء بسبب الشجار بين الطيارين المساعدين، أو الخوف من مواجهة المتنمر، مما يؤدي إلى اضطرار الفريق إلى مواجهة العدو الأكبر - الموت.
أعداء الفرق في المنظمات أقل إثارة للخوف، ومن المرجح أن يكونوا منافسين تجاريين، لكنَّهم قد يؤثرون سلباً في مكافآت نهاية العام، أو حتى يتسببوا في زوال المنظمة، وقد يحدث الشيء نفسه مع حزب سياسي أو منظمة غير ربحية، ولكن إذا كانت المنظمة عبارة عن مستشفى، فقد يخيم خطر الموت مرة أخرى، ليس موتهم، ولكن موت المرضى.
بالعودة إلى فريقنا المُشكَّل حديثاً، قد يُحدث طلب الإذن فرقاً كبيراً في مسار الحوار بين أعضاء الفريق، تخيَّل الآن أنَّك أحد رؤساء الأقسام الذين جمعهم جون (John)، المدير التنفيذي لأحد الأقسام المُشكَّلة حديثاً في الشركة:
جون: صباح الخير، لقد جمعتكم اليوم لتوضيح الاستراتيجيات والأهداف التي يتعين على الفريق تحقيقها خلال الربع القادم؛ لذا إليكم الخطة (يُظهر الاستراتيجيات وحجم المبيعات المستهدف على شريحة عرض)، لنبدأ برئيس قسم المبيعات: يتعين عليك تحقيق مبيعات بقيمة 250000 في الربع الأول.
رئيس قسم المبيعات: أعتقد أنَّ هذا الرقم صعب المنال؛ إذ يستغرق توظيف الموظفين الجدد وتدريبهم معظم هذا الربع.
رئيس قسم التسويق: يجب إعداد حملة دعاية وإعلان والترويج لها أولاً، ولا يمكن تحقيق ذلك قبل بداية الشهر الثالث من الربع المحدد على أقل تقدير.
جون: لا أريد سماع أي كلام سلبي هنا، لقد حققت أهدافاً مثل هذه لسنوات عدة، أنا أعرف ما أفعله.
رئيس قسم الحسابات: في الحقيقة، جون على حق، لقد تعاملت مع مثل هذه الأرقام في مشروعه السابق.
رئيس قسم المبيعات: وما هي أرقام المبيعات التي حققتها في حياتك؟ وكيف لك أن تعرف الاختلافات بين تلك الحملة وهذه الحملة؟
كما ترى، تتجه هذه المحادثة نحو صراع طويل الأمد بين أعضاء الفريق، ويمكنك أن ترى أيضاً التنمر الذي يمارسه الرئيس، مما يؤدي إلى اختيار بعضهم التزام الصمت في أثناء الاجتماعات المستقبلية، وهذا سيؤدي بدوره إلى حرمان المشروع من الاستفادة من أفكارهم وخبراتهم.
سواء اختاروا التحرك أم التزام الصمت، فإنَّ أول شيء سيفعله الأعضاء على الأرجح عندما يغادرون الاجتماع هو البدء بالبحث عن وظائف أخرى، وبذلك سيفقد الفريق أكثر أعضائه موهبة وسيبقى أولئك الذين لم يتمكنوا من العثور على عمل بديل، وسيشعر الجميع بالتوتر والإحباط، والآن لنجرِّب السيناريو مرة أخرى بمقاربة مختلفة:
جون: صباح الخير؛ أهلاً بكم جميعاً في أول اجتماع لنا كفريق، أنا متحمس جداً للمشروع، فلدينا فرصة لتحقيق أمور عظيمة، لقد اخترتكم جميعاً كونكم الأفضل في مجال عملكم، وأنا هنا لدعمكم وتمكينكم من تقديم أفضل ما لديكم، هل لي أن أطلب منكم الآن أن تُعرِّفوا عن أنفسكم بإيجاز، وتخبرونا كيف ترون أهدافكم في هذا المشروع، وما الذي تودون الحصول عليه من لقائنا الأول هذا، من يريد البدء؟
أليس هذا أفضل؟ لقد حقق "جون" عدة أمور بعبارة قصيرة:
- لقد أثنى على الفريق؛ حيث يفكر الأشخاص الواثقون بوضوح أكبر، ويُقدِّمون أفضل ما لديهم.
- لقد وعد بدعمهم؛ مما يعني أنَّه جاهزٌ لخدمة الفريق بدلاً من السيطرة عليه.
- لقد دعا أعضاء الفريق لطرح أفكارهم قبل طرح أفكاره، وعندما يتحدثون، سيضمن (بأدب) عدم مقاطعة أي شخص، وأنَّ كل عضو قادر على التحدث طالما رغب في ذلك.
إنَّه يضع نموذج إطار عمل يُحتذى به في المستقبل؛ إذ سيعرف الموظفون أنَّه لن يقاطعهم، ومن ثم سيكونون أقل عرضة لمقاطعة بعضهم بعضاً، وعندما يعلم الموظفون أنَّ ما من أحد سيقاطعهم، ستُتاح لهم الفرصة للتفكير بوضوح أكبر، وتقديم أداء أفضل.
- لقد طلب إذن الفريق قبل طرح السؤال، وهذا يمنح كل شخص إحساساً بالسيطرة، مما يثير اهتمامهم على الفور لا سيَّما بعد أن طلب منهم إبداء آرائهم وطرح أفكارهم، فبدلاً من تقليص سلطته، أظهر التواضع الذي سيزيد من احترامهم له.
- بدلاً من اختيار شخص ما، يطلب متطوعاً، وبذلك يشعر الجميع بالراحة لعلمهم بأنَّه لن يطلب منهم الحديث فجأة قبل أن يكونوا مستعدين، ومرة أخرى، إنَّه يمنحهم السيطرة، ففي الاجتماعات المستقبلية، سيتشجع الأعضاء الصامتين على المشاركة إذا كان بعض الأعضاء يشاركون أكثر من غيرهم.
- لقد بدأ الاجتماع والمشروع بالسؤال عن الأهداف، وتعامل بتقديرٍ مع نهج التدريب الكلاسيكي، الذي يرفع الطاقة والالتزام من خلال استكشاف الحلول قبل المشكلات.
● الانسجام
هناك مستوى أخير يكون فيه طلب الإذن جوهرياً، على الرغم من أنَّك ربما لن تسمع أبداً الكلمات الفعلية المنطوقة بصوت عالٍ، يحدث هذا في العلاقات القائمة على الثقة المتبادلة؛ أي الثقة في أنَّ الطرف الآخر سيكون دائماً صادقاً ولطيفاً، ويعاملهم باحترام، ويضع مصلحتهم على رأس أولوياته دائماً، وعادة ما يكون هذا النوع من العلاقات بين شخصين، ولكنَّه ممكنٌ في بعض الأحيان بين أعضاء فريق يعرفون بعضهم منذ مدة طويلة، أو بين أفراد العائلة.
في مثل هذه العلاقات الوثيقة، لا داعي لنطق كلمات طلب الإذن بصوت عالٍ، فقد تبدو محرجة أو مبتذلة؛ وذلك لأنَّها متأصلة في طبيعة العلاقة؛ حيث يُعبِّرون عنها من خلال لغة الجسد، وهي لغة تبعث على الراحة، وفي كثير من الأحيان، يرد الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى بالطريقة نفسها، وفي مثل هذه العلاقات القائمة على الثقة، قد يتحدث الناس فجأة، وينتقدون دون توجس، ويتجادلون بحدة، كل ذلك دون الإضرار بنسيج علاقاتهم الودية مع بعضهم بعضاً.
عندما لا يُمثل السؤال طلباً للإذن
نسمع أحياناً كلمات طلب الإذن ولكن لا نشعر بأنَّها تُعبِّر حقاً عن طلب الإذن منا، ومن الأمثلة النموذجية عن ذلك، السياسي الذي يرفض الإجابة عن الأسئلة الصعبة في أثناء المقابلة؛ حيث يستمر المحاور في مقاطعة إجاباته التي لا تَمُتُّ للسؤال بصلة إلى أن يقول الضيف "هل يمكنني أن أنهي جملتي؟"، تأخذ هذه العبارة شكل سؤال، ولكنَّها في الواقع ليست طلباً للإذن؛ وإنَّما محاولة للسيطرة على الحوار.
المزيد عن طلب الإذن
هناك حدود في المحادثات، والتي تتراوح بين منح السيطرة والاستيلاء عليها.
تكمن هذه الحدود في عالم طلب الإذن غير المرئي؛ إذ غالباً ما يتجاوز الناس هذه الحدود من خلال عدم طلب الإذن، لكن نادراً ما يدركون ذلك، فطلب الإذن هو وسيلة للتعرف إلى الحدود الشخصية واحترامها.
في بعض البلدان، على عكس معظم دول العالم الغربي، تعني إيماءة الرأس الرفض، بينما يعني هز الرأس القبول لذا عندما يزور الغربيون هذه البلدان، فإنَّهم سرعان ما يكتسبون تلك العادة، ويُعدِّلون سلوكهم وفقاً لها، في حين أنَّنا نعلم أنَّ البلدان لديها ثقافات مختلفة، إلا أنَّ الناس لا يعترفون في كثير من الأحيان بأنَّ لديهم ثقافات شخصية اكتسبوها من عائلاتهم، أو مدارسهم، أو تجاربهم في العمل، أو من أي مصادر أخرى مؤثرة.
لذلك قد يكون هناك عائلتان تعيشان بجوار بعضهما، وقد تبدوان ظاهرياً متشابهتين من حيث المظهر والعمل والتعليم والمكانة المهنية والأطفال، ومع ذلك قد تكون ثقافة كل منهما مختلفة كلياً عن الأخرى: فقد تكون إحداهما منطوية على ذاتها، والثانية منفتحة، أو لطيفة، والثالثة مشبوهة، أو متفائلة، والرابعة متشائمة، أو انتقادية وعدوانية، والأخرى داعمة وهادئة.
قد يدرك أي شخص حدَّد سماته الشخصية، واستكشف سمات الآخرين، مدى الاختلاف بين طريقة تفكيره وطريقة تفكير الآخرين، ومدى خطورة التعاطف والتفاهم عندما يحاول شخصان يمتلكان نوعين مختلفين من الشخصيات العمل معاً، فقد يشعر الأشخاص الذين يحبون العيش ضمن إطار عمل تحكمه القواعد والأنظمة بالتهديد من قِبل الحالمين والمبتكرين الذين لا يحبذون الالتزام بالقواعد، والعكس صحيح.
وكذلك الأمر يشعر أولئك الذين يحبون كتابة كل شيء بالارتباك عندما يُعبَّر عن الأفكار شفوياً فقط، ومع ذلك من أجل تحقيق النجاح، كلما كان هناك المزيد من التنوع في الفريق، كان ذلك أفضل؛ لذلك يجب على أعضاء الفريق التفاعل والتعلُّم من بعضهم بعضاً.
لا يمكن اتخاذ أي قرار بشأن كيفية التفكير والشعور تجاه هذه السمات والمواقف المختلفة، فالأمر ليس اختيارياً، مثل اختيار الحزب السياسي الذي تريد التصويت له، وهذه المواقف التي نتبناها متجذرة بعمق في عقلنا الباطن، ويمكن تسميتها "ثقافتنا الشخصية"، وهنا تأتي أهمية طلب الإذن لسد هذه الفجوة.
هذا الشد والجذب حول الإذن والسيطرة موجود في جميع العلاقات إلى حد ما، وقد ظهر منذ أنَّ وثَّق الجنس البشري أفكاره؛ حيث يدل المثل: "السياجات الجيدة تصنع جيراناً طيبين"، على أهمية وضع حدود قوية بين الناس من أجل ازدهار علاقاتهم، وهو موجود في كل لغة معروفة، بما في ذلك اللاتينية، إليك هذا المثل بلغات عدة:
بريطانيا: السياجات الجيدة تصنع جيراناً طيبين.
النرويج: يجب أن يكون هناك سياج بين الجيران الطيبين.
ألمانيا: من الجيد أن يكون هناك سياج بين حدائق الجيران.
اليابان: ابنِ سياجاً حتى بين الأصدقاء الحميمين.
الهند: عامل جيرانك بالمحبة، ولكن لا تهدم الجدار الفاصل بينكما.
روسيا: عامل جيرانك بالمحبة، ولكن ابنِ سياجاً بينكما.
البلدان اللاتينية: من الجيد بناء سياج يفصل بينك وبين جيرانك.