دور الكوتشينغ في تحسين أداء الموظفين وتحقيق النجاح التنظيمي
في عالم الأعمال الصاخب، يتغير كل شيء بلمح البصر لا سيما الإقبال على الكوتشينغ في مكان العمل الذي تحول من ظاهرة تتسم بالترف إلى ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق النجاح التنظيمي.
تخيَّل منظمة تنبض بالحياة مثل خلية النحل، أفرادها موهوبون لكنَّهم لا يستثمرون كامل إمكاناتهم. يبدو الأمر كأنَّك تمتلك كل قطع حل الأحجية، لكنَّك لا تراها كلها.
الآن، ما دور الكوتش في كل هذا. هذا الشخص ليس بطلاً خارقاً ولا يمتلك عصا سحرية، وإنَّما لديه مجموعة أدوات تضم استراتيجيات أثبتت جدواها، ومهارات تواصل رائعة، وفهم حقيقي لمتطلبات العملاء.
في هذه المقالة، نستعرض بعض الأرقام والإحصاءات حول تأثير الكوتشينغ في مكان العمل، من تعزيز الإنتاجية وإدماج الموظفين إلى تحقيق الأهداف وتهيئة قادة المستقبل.
أهمية الكوتشينغ في مكان العمل:
في عالم الأعمال سريع الخطى والمتغير باستمرار، لا مكان للخمول. حيث تحتاج المنظمات التي ترغب في البقاء في الطليعة إلى ثقافة تهتم بالنمو والموظفين المتميزين.
يعني الكوتشينغ معرفة كل موظف الواجبات المطلوبة منه، ومواءمة طموحاته الشخصية مع رؤية الشركة، واكتساب المهارات التي يحتاج إليها لتقديم أفضل أداء.
لا يقتصر الكوتشينغ على تعزيز المهارات وحسب، بل يساعد الموظفين على التفكير في أنفسهم، وفهم عواطفهم، وتقوية عزيمتهم. إنَّه عملية تشجع الموظفين على البحث بعمق، مما يؤدي في النهاية إلى إدماج الموظفين وإرساء ثقافة روح المبادرة في مكان العمل.
الكوتشينغ أداة قوية تساعد الموظفين على مواجهة التغيير والتوتر وإطلاق العنان لقدراتهم. وهذا هام تحديداً في أماكن العمل التي تدعم التنوع والشمول بتقديم نهج مخصص للتنمية يُمكِّن كل موظف من النمو والازدهار بالطريقة التي تناسبه.
لنتحدث الآن بلغة الأرقام. أجرى الاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF) دراسة وجدت أنَّ 86% من الشركات لم تسترد استثماراتها فحسب، بل حققت أيضاً عوائد إضافية، وأفادت 19% من الشركات بتحصيل عائد يزيد على 50%.
تُظهر هذه الإحصاءات فوائد الكوتشينغ الجمة، بدءاً من زيادة الإنتاجية وتعزيز روح الفريق إلى تطوير القادة وتشجيع الابتكار.
وجدت دراسة أخرى أجرتها إحدى شركات 500 فورتشون (Fortune 500) النتائج الآتية:
- أفاد 77% من المشاركين أنَّ الكوتشينغ كان له تأثير كبير في مقياس عمل رئيسي واحد في الأقل.
- ارتفاع في الإنتاجية الإجمالية، ورضا الموظفين، والاندماج، والجودة، مما يشير إلى تأثير الكوتشينغ على نطاق واسع.
- حقق الكوتشينغ التنفيذي عائداً مذهلاً على الاستثمار بنسبة 788%، مما يثبت قيمته الاستثنائية في عالم الشركات.
الكوتشينغ هو التغيير الذي تحتاج إليه أماكن عملنا.
تأثير الكوتشينغ في الإنتاجية:
عندما نتحدث عن الإنتاجية في مكان العمل، فهي أكثر من مجرد سباق مع الزمن. بالتأكيد، يتعلق الأمر بإنجاز المهام وتحقيق الأهداف، ولكن يتعلق الأمر أيضاً بتقديم عمل عالي الجودة وتوفير مكان عمل يشجع الموظفين على تقديم أفضل ما لديهم على الإطلاق.
يساعد الكوتشينغ الموظفين على فهم مهامهم على وجه أفضل، ورفع مستوى مهاراتهم، وتحفيزهم. كما ويساعد في تحديد العوائق التي تعترض سير العمل، وتبسيط العمليات، وتحفيز الموظفين على تولي المسؤولية الكاملة عن مناصبهم. وبالنتيجة، تقل نسبة التغيب عن العمل، ومعدل دوران العمالة، ويعمل الجميع في بيئة تشجعهم على تقديم أفضل ما لديهم لزيادة الإنتاجية.
أجرى الاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF) دراسة ضمت عدة منظمات من مختلف قطاعات العمل، وقد أفادت 86% من هذه المنظمات أنَّها استعادت قيمة استثماراتها في الكوتشينغ نتيجة زيادة الإنتاجية في المقام الأول.
حققت بعض المنظمات عوائد تجاوزت استثماراتها الأصلية، مما يعزز حقيقة أنَّ الكوتشينغ ليس مصاريف وحسب، بل استثمار يؤتي ثماره في تنمية القوى العاملة.
تؤكد هذه النتائج أنَّ الكوتشينغ ليس مفيداً للأفراد فحسب، بل يحقق فائدة كبيرة للمؤسسات أيضاً.
تأثير الكوتشينغ في إدماج الموظفين:
لا يقتصر إدماج الموظفين على شعورهم بالرضا عن عملهم وحسب، بل بشعورهم بارتباط قوي مع المنظمة، وتفانيهم في العمل ليس من أجل الراتب وإنَّما حرصاً منهم على نجاح المنظمة. غالباً ما يتفوق هؤلاء الموظفون على أقرانهم في الإنتاجية والولاء والخدمة لأنَّهم يدركون دورهم ضمن السياق الأوسع لأهداف المنظمة.
إذاً، كيف ننمي هذا الاندماج؟
يعرف الكوتش الماهر كيفية الإصغاء إلى مخاوف الموظفين، وتوجيههم لتحديد أهداف قابلة للتحقيق، وتزويدهم بالأدوات اللازمة لتحقيقها. وبذلك، يعزز الكوتشينغ إحساس الموظفين بأهمية تحقيق الهدف على المستوى الشخصي والتنظيمي، ما يعزز في النهاية من اندماجهم في العمل.
وجد بحث أجرته مؤسسة غالوب (Gallup) حول العلاقة بين الكوتشينغ وإدماج الموظفين أنَّ الموظفين الذين أجروا مناقشات هادفة مع مديرهم حول أهدافهم ونقاط قوتهم كان اندماجهم في العمل أكبر بـ 3.5 مرة.
غالباً ما تحدث هذه المناقشات في جلسات الكوتشينغ، حيث يجري حوار مركَّز حول الأداء والتطوير. وتؤكد دراسة غالوب على نقطة هامة، وهي أنَّ الكوتشينغ ليس ميزة اختيارية، بل حاجة أساسية في مكان العمل لتعزيز اندماج الموظفين.
عن طريق تشجيع المحادثات المفتوحة والتركيز على التنمية الفردية، يمكن للمؤسسات تعزيز مستويات الاندماج إلى حد بعيد، ما ينتج عنه زيادة في الإنتاجية، وانخفاض في معدل دوران العمالة، وتوفير بيئة يعمل فيها الجميع بانسجام تام.
تأثير الكوتشينغ في تحقيق الأهداف:
من دون أهداف واضحة، قد يجد الموظفون أنفسهم ضائعين ولا يعرفون الغرض الأساسي من المنصب الذي يشغلونه، مما يؤدي إلى انخفاض في الإنتاجية والرضا. وهنا يبرز دور الكوتشينغ.
يوفر الكوتشينغ بيئة منظمة وداعمة حيث يمكن للموظفين تحديد أهداف واقعية ومواءمتها مع الأهداف الإستراتيجية للشركة.
يساعدك الكوتشينغ الموظفين على تحديد نقاط قوتهم الفردية، والمجالات التي تحتاج إلى التركيز عليها، والعوائق المحتملة. وبهذه الطريقة، يمكنهم وضع خطط عمل بأنفسهم.
يقدم الكوتشز للموظفين مجموعة الأدوات التي يحتاجون إليها لتحقيق أهدافهم، بما في ذلك المساءلة، والتغذية الراجعة، والتحفيز. ويساعدونهم على تقسيم أهدافهم الكبيرة إلى مهام صغيرة يمكن التحكم فيها، مما يجعل عملية تحقيق الهدف أسلس وأمتع.
وجد الاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF) أنَّ 70% من الموظفين الذين خضعوا للكوتشينغ أفادوا بتحسن في أداء العمل ومهارات التواصل وتحقيق الأهداف.
مع الدعم المناسب والتنظيم والمساءلة، يمثل الكوتشينغ المكون الأساسي لتحقيق الأهداف عن طريق تحسين أداء الموظفين، وفي النهاية، تحقيق النجاح الشامل للمؤسسة.
تأثير الكوتشينغ في تنمية المهارات القيادية:
القيادة هي السر وراء إدارة التغيير الناجحة والقوة الدافعة لنجاح المنظمة. فإذا كنت تريد البقاء في الطليعة في عالم الأعمال سريع الخطى اليوم، فإنَّ تنمية مهارات القيادة أمر لا بد منه، والكوتشينغ يسرع هذه العملية.
قد يقدم الكوتش وجهة نظر محايدة وبعض الاهتمام الشخصي لتنمية تلك المهارات. ويمكنه مساعدة القادة على اكتشاف نقاط ضعفهم، وتعزيز قدراتهم على اتخاذ القرار، ورفع مستوى وعيهم الذاتي.
ثمة مساحة آمنة بين الكوتش والقائد، حيث يمكن للقائد تجربة استراتيجيات جديدة، وقياس تأثيره في الآخرين، والتعلم من تجاربه بمساعدة الكوتش.
لكن الكوتشينغ لا يتوقف عند هذا الحد، فهو يساعد القادة على تنمية ذكائهم العاطفي، وصقل مهارات التواصل لديهم، وتهيئتهم لإدارة التغيير، وكلها مهارات أساسية للقيادة في عالم الأعمال المعقد اليوم.
وجدت دراسة أجراها الاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF) أنَّ 65% من الموظفين الذين خضعوا للكوتشينغ شهدوا تحسناً في أداء العمل، في حين أبلغ 80% عن زيادة في الثقة بالنفس.
وهذا يثبت قدرة الكوتشينغ على تزويد القادة بالمهارات التي يحتاجون إليها للتألق في مناصبهم، وتعزيز ثقافة التعلم المستمر، وتوجيه مؤسساتهم نحو النجاح.
تأثير الكوتشينغ في مهارات التواصل:
يمثل التواصل الفعال شريان الحياة للأعمال التجارية الناجحة، وهو أداة قوية يمكن أن تزيد من الكفاءة، وتعزز الروح المعنوية، وتولد ثقافة الاحترام. ولا يتعلق التواصل بتبادل المعلومات وحسب، بل بفهم العاطفة والقصد من وراء المعلومات، أي الإصغاء وليس مجرد الاستماع؛ والوضوح والتعاطف والشفافية.
هذه الأشياء ضرورية في مكان العمل، ولكن ليس كل شخص يجيدها، وجميعنا نحتاج إلى المساعدة لإتقانها.
يركز الكوتشينغ على تنمية قدرة الفرد على التعبير عن أفكاره بوضوح، وحسن الإصغاء، وإتقان تقديم التغذية الراجعة وتلقيها، وخوض المحادثات الصعبة بمهارة. فهو يزود الموظفين بالأدوات اللازمة للتواصل بثقة بصرف النظر عن الجمهور أو الموقف.
وعلى صعيد التواصل غير اللفظي، بإمكان الكوتشز مساعدة الموظفين على إتقان فن لغة الجسد، وتعليمهم كيفية التعبير عن تقبُّل الآخرين دون التلفظ بكلمة واحدة، وهو ما يُترجم إلى علاقات أقوى، وتعاون أسلس، ومكان عمل يتقن فن التواصل.
أثبتت دراسة تجريبية أجرتها أميركان سايكولوجيكل أسوسيشن (American Psychological Association) أنَّ الكوتشينغ التنفيذي هو وسيلة فعالة لتحسين الحوار والتواصل، وأنَّ كوتشينغ التواصل الفعال يسهِّل على الفرق المنظمة تحقيق إنتاجية أكبر بنسبة تصل إلى 25%.
لا يتعلق الأمر بانتقاء مفردات جميلة أو بصياغة جمل صحيحة نحوياً، بل بتغيير الطريقة التي نتواصل بها في مكان العمل وبإيلاء الاهتمام لكل محادثة.
تأثير الكوتشينغ في الذكاء العاطفي:
يشير الذكاء العاطفي إلى القدرة على فهم عواطفك واستخدامها وإدارتها بصورة إيجابية لتخفيف التوتر، والتواصل بكفاءة، والتعاطف مع الآخرين، والتغلب على التحديات، ونزع فتيل الصراع.
إنَّه المكون الأساسي الذي يحوِّل القادة الجيدين إلى قادة عظماء، ويعزز بيئة عمل صحية، ويقوي الروابط بين أعضاء الفريق.
ولكن ليس كل شخص يمتلك مهارة الذكاء العاطفي بالفطرة. وهنا يبرز دور الكوتشينغ. بوسع الكوتشز تسهيل تنمية الذكاء العاطفي، وتشجيع الوعي الذاتي، وتعزيز التعاطف، وتحسين المهارات الاجتماعية، وتوجيه ضبط العواطف ذاتياً.
يوفر الكوتشينغ بيئة آمنة حيث يمكن للأفراد استكشاف استجاباتهم العاطفية، وتحدي افتراضاتهم السابقة، وتجربة طرائق جديدة للتفاعل مع الآخرين. كما يعلِّم الكوتشينغ الأفراد التعرُّف على عواطفهم وعواطف الأخرين وتفسيرها، والاستجابة لها بطريقة مناسبة، واستخدام معرفتهم هذه لتوجيه أفكارهم وأفعالهم.
لا يساعدنا الكوتشينغ على إدارة عملنا فحسب، بل على إدارة عواطفنا وعلاقاتنا داخل مكان العمل وخارجه.
في الختام:
يؤدي الكوتشينغ إلى زيادة الإنتاجية، وتحفيز الاندماج، وتحقيق الأهداف، وتنمية مهارات التواصل والمهارات القيادية. ومع استمرار تقدمنا في عالم الأعمال دائم التغيير، لن يستمر الكوتشينغ فحسب؛ بل سيتربع على عرش الصدارة، ويحوِّل أماكن العمل إلى مراكز للتفاعل والنشاط والابتكار.