زيادة الوعي بالسيطرة القسرية


هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة ماري نيكول (Mary Nicoll) والتي تُحدِّثنا فيه عن معنى السيطرة القسرية، وكيفية التعامل مع الضحايا المتعافين منها.

قد يقع أي شخص ضحية للسيطرة القسرية، وهي شكل خبيث وخفي من أشكال سوء المعاملة، وقد أصبحت جريمةً يُعاقِب عليها القانون في المملكة المتحدة منذ عام 2015، وهي تشمل جميع أطياف المجتمع، في مختلف الظروف، والمنظمات، والعلاقات الشخصية.

يُعَدُّ تأثير السيطرة القسرية في الضحايا مُدمِّراً، وهي تؤثر سلباً في معظم مجالات حياتهم إن لم يكن كلها، ومن غير المُستغرَب أن تراهم يعانون مشكلاتٍ متعلقةً بالصحة والحياة المهنية والاجتماعية، وخسائر مالية؛ وذلك لأنَّ الضحية يحتاج إلى استعادة صحته، وثقته بقدراته بغض النظر عن إنجازاته الشخصية والمهنية السابقة.

وعلى الرغم من حصول ضحايا السيطرة القسرية على بعض الوقت للتعافي بعد الخروج من هذه العلاقة أو الموقف؛ إلا أنَّهم يحتفظون ببعض المعتقدات والسلوكات التي غُرست في أذهانهم، وقد يؤدي عدم فهم المجتمع واختصاصي الصحة لهذه المشكلة إلى تأخُّر التعافي، ومن ثم تعزيز الحاجة إلى فهم السيطرة القسرية.

يُشار إلى السيطرة القسرية أحياناً على أنَّها علاقة طاعة عمياء وتعمل بطريقة مماثلة لغسل الدماغ، قد يبدو هذا كلاماً مبالغاً فيه إلى حد ما بالنسبة إلى بعض القُرَّاء أو المراقبين الذين ليسوا على دراية بآليات عمل الطاعة العمياء أو غسل الدماغ أو التحكم القسري.

ومع ذلك فإنَّ الأداة الأساسية عزلُ الضحية المحتملة تدريجياً بحيث تتغير معتقداته وسلوكاته تدريجياً لتتوافق مع عقلية المعتدي بحيث يقاوِم عقله أيَّة أفكارٍ أو حقائق من خارج البيئة المغلقة المحيطة به، حينئذٍ يتمتع المعتدي بحرية استخدام أشكال أخرى من التلاعب وسوء المعاملة التي تخلق بيئة من الخوف والاتكال القسري عليه.

تَذكُر وزارة الداخلية البريطانية أنَّ "السلوك القهري أو المتسلط لا يتعلق بحادثة واحدة، فهو نمط من المواقف المُتعمَّدة التي تحدث بمرور الوقت من أجل أن يمارس فرد ما السلطة أو السيطرة أو الإكراه على فرد آخر".

لذلك أنوي في هذا المقال زيادة الوعي بتأثيره في الضحايا وتسليط الضوء على خطر إعادة ترويع الكوتش للضحية المتعافي إذا لم يكن على دراية بآلية عمل علاقة السيطرة القسرية، وبما أنَّني ضحية للسيطرة القسرية، وكوني استمعت لضحايا آخرين للسيطرة القسرية في ظروف متنوعة؛ علمت أنَّ التحديات التي واجهوها من أجل فهمهم كانت مألوفة للغاية.

بينما كنت في المراحل الأولى من التعافي، وقبل وقت طويل من ممارسة الكوتشينغ، قابلت كوتشاً، اكتشفت فيما بعد أنَّه يفتقر إلى المعرفة والخبرة في هذه الأمور، وقد كاد هذا الموقف يتسبَّب لي بمزيد من الترويع لو لم تدفعني سرعة بديهتي إلى إنهاء علاقة الكوتشينغ، وهذا ما يؤكد أهمية إدراك الكوتشز لجاهزية الضحية المتعافي، وتوافقه مع العميل، ومستوى فهمه للتأثيرات اللاحقة في الضحايا.

كما أنَّني أدركت وجود نقص في المواد اللازمة لتقديم الكوتشينغ للعملاء الذين خرجوا من هذه المواقف وتعرضوا لمعتقدات وسلوكات متناقضة مع مهاراتهم وإنجازاتهم السابقة؛ حيث يواجه هؤلاء العملاء تحديات خارج التوقعات الطبيعية لعلاقة الكوتشينغ، لذلك يجب أن يكون الكوتشز فطنين، وأن يدركوا التحديات التي قد يواجهها هؤلاء العملاء، ويجب عليهم أيضاً تحديد مسار عملية الكوتشينغ، ووضع الحدود المناسبة لها.

وبناءً على ما سبق، قد يُظهر العملاء معتقدات وسلوكات من مخلفات علاقة السيطرة القسرية نتيجة للأساليب المستخدَمة للتحكم ببيئة الضحية، وقد يشعرون بالارتباك ويجدون صعوبة في تحديد أهدافهم واحتياجاتهم والتخطيط تخطيطاً طويل الأمد بسبب افتقارهم إلى الحافز، ويرجع ذلك إلى عدم القدرة على التنبؤ بمطالب المعتدي الذي يُفسد أي أهداف وخطط طويلة الأمد أعدَّها الضحية أو تصوَّرها، مع الحد من وصوله إلى الموارد.

قد يبدو أسلوبهم في التواصل محدوداً بالنظر إلى وضعهم المهني والشخصي السابق أو الحالي، وقد تؤدي بعض الكلمات خلال محادثة الكوتشينغ إلى استجابة مفعمة بالعواطف تكون بمثابة تذكير بالمعتدي؛ وذلك لأنَّ هذه الكلمات في لغة "الطاعة العمياء" يُشار إليها باسم "اللغة المشحونة".

حيث تثير كلمات معينة استجابات سلوكية فورية محكومة بنظام المكافأة أو العقاب؛ ولذلك قد يواجه الضحية عند تعرُّضه لأشكال مختلفة من التكييف صعوبة في الحفاظ على التنظيم والتركيز من أجل أن يكون قادراً على تحديد ومتابعة أهدافه، فيبدو كأنَّه بذلك يمارس التسويف، ولكنَّ هذا التكييف قائم على استجابة الخوف.

في نهاية المطاف، قد يتعارض تصوُّرهم الذاتي مع قدراتهم المهنية أو الشخصية الفعلية؛ وذلك لأنَّ معتقداتهم وسلوكاتهم قد تأثرت بعلاقة السيطرة القسرية بغض النظر عن الظروف، وأصبحت رؤيتهم تقتصر على بدائل أخرى، ويرجع ذلك إلى آليات العمل المعقَّدة داخل العلاقة، مما يخلق ارتباكاً في عقل الضحية يُفقده مهارات التفكير النقدي، وبذلك قد تخلق هذه العوامل المختلفة ركوداً في أثناء علاقة الكوتشينغ، وربما تؤدي إلى إحباط الكوتش بسبب تردد العميل وشكوكه الذاتية، وفي هذه المرحلة، إن لم يفهم الكوتش تجربة العميل السابقة، فقد تتحول علاقة الكوتشينغ إلى علاقة تبعية وتسلط ما لم يكن الكوتش يقظاً.

أشعر أنَّ بيتر بلوكيرت (Peter Bluckert) في كتابه الأبعاد النفسية للكوتشينغ التنفيذي (Psychological Dimensions of Executive Coaching)، يُثير قضية هامة يمكن تطبيقها على علاقات الكوتشينغ هذه؛ حيث يؤكد على أهمية إدراك الأساليب التنظيمية ومشكلات الأنظمة، ويقتبس من خبيرة الكوتشينغ أونيل (O'Neill) التي تُثير قضية الوعي بأهمية تركيز الكوتشينغ على النظام البيئي الكبير الذي تعمل فيه بدلاً من العميل وحده، والتحديات الشخصية، والأهداف، والعقبات الداخلية.

أودُّ ربط النظام في هذه الحالة بعلاقة السيطرة القسرية والظروف التي تعرض لها الضحية، مما يساعد على فهم الوضع الحالي للعميل اعتماداً على ماضيه، فقد يكون هناك بقايا من النظام السابق تؤثر حالياً في تقدُّم العميل، ومن ثم يجب أن تركز عملية الكوتشينغ دائماً على المستقبل، ولكن مع النظر إلى الماضي وإلقاء نظرة فاحصة على تجربة العميل؛ لذلك يحتاج الكوتش إلى التأكد من وجود توافق بينه وبين العميل من أجل بناء الثقة والوئام، والتأكد من أنَّ العميل جاهز لعلاقة كوتشينغ ذات توقعات واقعية.

ومن ناحية أخرى، إذا لم يكن العميل جاهزاً أو غير مستعد للتخطيط المستقبلي المطلوب في إطار علاقة الكوتشينغ، فسيحتاج الكوتش إلى توجيه العميل للحصول على الدعم العلاجي المناسب.

على سبيل المثال، في الظروف التي تكون فيها التغييرات في الإدراك الذاتي أو السلوكات نحو تحقيق أهداف العميل غير ناضجة، يدلُّ ذلك على أنَّ العميل غير متجاوب مع حلول المشكلات المتعلقة بالصدمات، وإذا استمر الكوتش، فإنَّه يخاطر بإعادة ترويع العميل، مما قد يؤدي إلى انتكاسات في تقدُّم العميل، إضافةً إلى أنَّ العميل قد يتكل على موافقة الكوتش محاكياً بذلك علاقة السيطرة القسرية التي مرَّ بها؛ حيث لا يوجد حدود في مثل هذه المواقف المؤذية.

لذلك يجب أن يدرك الكوتش أهمية الحفاظ على الحدود التي تدعم وتساعد العميل على استعادة ثقته بنفسه وبالآخرين، ومن هنا تأتي أهمية فهم الكوتش لآليات عمل هذا الشكل من سوء المعاملة وتأثيراته في الضحية.

بغض النظر عن الظروف الشخصية أو المهنية، يتأثر ضحايا هؤلاء المعتدين بدرجات متفاوتة، ويعانون من تأثيرات لاحقة مماثلة، لقد حاولت توضيح بعض الأساليب والتأثيرات اللاحقة في الضحايا نتيجة لهذا الانتهاك الخبيث، وأهمية فهم مهنة الكوتشينغ لهذا المجال بالذات.

على الرغم من أنَّ العديد من الأشخاص ربما لم يتعرضوا أو يعانوا من هذه العلاقة المسيئة بأنفسهم، إلا أنَّهم ربما شهدوا أو سمعوا عن الضحايا داخل منظماتهم أو محيطهم الاجتماعي، وعلاوة على ذلك، حاولت إثبات خطر إعادة ترويع الضحية أو العميل المتعافي إذا لم يكن الكوتش على دراية بتجربة العميل السابقة، فمن خلال فهم ظروفه السابقة وكيف أثرت فيه، يتعاطف الكوتش معه ويدعمه لتحقيق أهدافه ويمنحه الأمل في إمكانية تحقيق الخطط المستقبلية، فقد تساعد علاقة الكوتشينغ الفاعلة العميل على استعادة إحساسه بالثقة، وتُظهر له بأنَّه يستحق التقدير، وصوته مسموع، فيستعيد إنسانيته من خلال الاحترام والتعاطف الذي يتلقاه في علاقة الكوتشينغ.

ملخص لبعض الأمور التي يجب أن تكون على درايةٍ بها:

  • يتطلب تقديم الكوتشينغ للمتعافين من موقف تحكُّم قسري وقتاً؛ حيث توجد خطوات للأمام وللخلف في أثناء عملية الكوتشينغ.
  • قد تصدم بعض الكلمات العملاء كونها تذكرهم بخطاب المعتدي وبما تعنيه؛ لذلك يجب على الكوتش إعادة صياغتها واستخدام لغة مختلفة.
  • قد يبدو الضحايا المتعافون في بعض الأحيان كأنَّهم يماطلون، وغير متحمسين، وغير متأكدين من أهدافهم، ويواجهون صعوبة في التخطيط المستقبلي.
  • إحالة العميل غير المتجاوب أو الذي ما يزال يعاني من الصدمة إلى الدعم العلاجي.
  • الحفاظ على الحدود عندما يكون هناك خطر تحوُّل علاقة الكوتشينغ إلى علاقة قائمة على التبعية والتسلط.

الوعي الذي قد يُظهره الضحايا على المستوى المهني أو الشخصي.