كيف تطبق مبادئ كوتشينغ الصراعات الداخلية؟
هذا المقال مأخوذ عن الكاتب مات سومرز (Matt Somers)، والذي يُحدثنا فيه عن كيفية إعاقة "الصراعات الداخلية" تقدُّم الناس، ويشاركنا مبادئ الكوتشينغ التي يمكن استخدامها للتغلب عليها.
غالباً ما يكون سبب عدم قدراتنا على الأداء بأقصى إمكاناتنا هو العقبات الداخلية المرتبطة بطرائق تفكيرنا، وليس العقبات الخارجية.
كتب تيم غالوي (Tim Gallwey) في كتابه "الصراعات الداخلية في لعبة التنس" (Inner Game of Tennis): "لقد اكتشفت أنَّ الخصم الموجود في رأس المرء أقوى من الخصم الموجود على الجانب الآخر من الشبكة"، وبذلك وضع الأسس لكثير من ممارسات الكوتشينغ الحديثة.
ومع أنَّ أفكار جالوي تستخدم بسرعة في عالم الشركات (خاصة عندما استخدمها الراحل السير جون ويتمور "John Whitmore" كأساس لعمله في مجال كوتشينغ الأداء)، إلا أنَّهم كانوا مرتبكين بسبب ارتباطاتها في البداية بالرياضة، وفي بعض الأحيان وجدوها غير مؤثرة بعض الشيء؛ عند مقارنتها بمؤثرات أخرى، أكثر أكاديمية، في مجال الكوتشينغ.
هدفي في هذا المقال هو إظهار أنَّ مبادئ كوتشينغ اللعبة الداخلية يمكن أن تُحدث فرقاً حقيقياً في مواقف العمل من خلال تحديد ما حدث عندما استخدمتها لتحسين الأداء في إحدى مؤسسات عميلي.
في البداية
كان عميلنا عبارة عن وكالة لتحسين الأعمال، والتي كانت ممولة حكومياً ومُكلَّفة جزئياً بتقديم المنح للشركات الناشئة والجديدة؛ لمساعدتها في تنمية المبيعات واستخدام تكنولوجيا المعلومات وتطوير الموظفين وما إلى ذلك؛ وقد كان لدى مستشاري الأعمال أهداف فردية حول عدد العملاء الذين سيدربونهم ومستوى الإقبال على الخدمة التي يقدمونها، ولكن لم تكن الأمور تسير على ما يرام، وفي الوقت الذي استشاروني فيه لأول مرة، كان من المحتمل عدم تحقيق أهداف هذا الربع.
كشفت المناقشات المبكرة مع بعض هؤلاء المستشارين أنَّه ليس لديهم مشكلة في تأمين المواعيد مع العملاء المحتملين، ولكن كان القليل جداً من تلك المواعيد ينتهي بالاشتراك في الخدمة، لقد زودتهم بالتدريب، ولكن كان يُنظر إليه على أنَّه تدريب مبيعات مكرر لا يتناسب مع الظروف، مع أنَّ المستشارين شعروا أنَّهم تعلموا بعض الأدوات والتقنيات والأساليب الجديدة.
كان من الواضح أنَّ المزيد من التدريب لم يكن هو المطلوب وقد يجعل الأمور في الواقع أسوأ، وكانت خطوتي الأولى هي معرفة إن كان بإمكان مبادئ اللعبة الداخلية توضيح ما يحدث.
الأداء = الإمكانات - التدخُّل
هذه هي صيغة "جالوي" البسيطة لتعريف اللعبة الداخلية، وقد حدَّدت بدقة ما كان يحدث لمستشاري تطوير الأعمال؛ إذ تبين أنَّ هناك تضارباً بين إمكاناتهم لتحقيق النتائج والنتائج الفعلية التي كانوا يُعلنون عنها.
كان لدى جميع المستشارين القدرة على تحقيق ما هو مطلوب، ولم يكن هناك شك في هذا؛ فقد وظِّفوا جميعاً عن طريق مركز تقييم مُحكَم التنظيم، وكان لديهم معرفة وخبرات مناسبة، وتلقوا التدريب اللازم.
لا تكمن المشكلة في زيادة الإمكانات ولكن في تقليل التدخل؛ ففي ورشة عمل، طلبنا من المستشارين النظر في مصدرين للتدخل -خارجي وداخلي- وإدراج أمثلة لكل منهما؛ فتوصلوا إلى عدة نقاط من بينها:
تدخل داخلي |
تدخل خارجي |
|
لقد أدركنا أنَّ العوامل الخارجية ستحتاج إلى الاهتمام على الأمد الطويل، وعلمنا أنَّ الإدارة العليا كانت على دراية مسبقة ببعض هذه المشكلات، كان يمكنني تحقيق "مكاسب سريعة" لو أنَّني صرفت عقول المستشارين بعيداً عن مصادر التدخل الداخلي وإقناعهم بالتركيز على شيء أكثر فائدة بدلاً من ذلك.
المتغيرات الحاسمة
المتغير هو أي شيء يتغير في أثناء أو بين الأنشطة، وهو الذي يمكن أن يؤثر في النتيجة، قد يختلف الطقس على مدار اليوم الذي يقوم فيه المستشار بأربع زيارات للعملاء؛ ولكن من غير المحتمل أن يُحدث هذا فرقاً كبيراً في معدل نجاحه، وقد يختلف مستوى الاهتمام الذي يظهره العميل بالدرجة نفسها بين المواعيد، وهذا ما قد يكون له تأثير كبير على فرص النجاح.
باستخدام نهج اللعبة الداخلية للكوتشينغ، يجب أن يعمل الكوتش والمتدرب معاً للعثور على المتغيرات الحاسمة في موقف معين ثم اختيار أحدها للتركيز عليه، كانت النتائج التي توصل إليها جالوي في ملعب التنس وفي مكان العمل هي أنَّه إذا كان الناس قادرين ببساطة على الملاحظة والتركيز على المتغيرات الحاسمة -الأشياء التي تُحدث فرقاً- فإنَّ الأداء سيتحسن من تلقاء نفسه؛ لأنَّ العقل الذي يُركِّز على الأمور الصحيحة مشغول للغاية بطريقة لا يُلقي فيها بالاً للشك الذاتي والمعتقدات السلبية التي تتنافس على جذب انتباهه.
الآن أصبحت مهمتي واضحة، كان عليَّ أن أعمل مع المجموعة لإيجاد متغير واحد هام في عملهم للتركيز عليه أولاً، ثم أثق في قدرتهم على أن يكونوا مستشارين رائعين لتطوير الأعمال وأتركهم يتابعون ذلك، وكنت أعلم أيضاً أنَّني بحاجة إلى كف مديريهم عنهم؛ ذلك لأنَّهم كانوا يُمثِّلون مصدراً للتدخل وليس وسيلة للتركيز.
كان المديرون خائفين من عدم تحقيق الأهداف ومن العواقب المترتبة على ذلك، وكان خوفهم يدفعهم إلى إدارة المستشارين بشكل دقيق ومطالبتهم ببذل مزيدٍ من الجهد؛ لكن ولسوء الحظ، نادراً ما تؤدي مضاعفة الجهود إلى نتيجة مستدامة، ولكنَّها تخلق المزيد من القلق والإحباط والإرهاق، وبعبارة أخرى، المزيد من التدخل الداخلي.
الحاجة إلى الوعي والمسؤولية والثقة
لقد اضطررت إلى تعليم المديرين بعض مهارات الكوتشينغ الأساسية والإصرار على السماح لمستشاريهم بتجربة ثلاثة أمور:
● الوعي:
إذا كان بإمكان المستشارين أن يكونوا أكثر حضوراً في مقابلات العملاء، من خلال الاهتمام أكثر بطريقة تجاوب العميل فقط، فسيجدون بطبيعة الحال أشياء مفيدة للتركيز عليها.
● المسؤولية:
يحتاج المستشارون إلى معرفة أنَّهم إن كانوا يريدون تغيير أي جانب من جوانب أداءاتهم، فعليهم اختيار ذلك بأنفسهم لأنَّهم هم المسؤولون عن النتيجة؛ أما إذا كان المديرون هم من يُملون ما يجب تغييره، فهذا يعني أنَّ المستشارين يتبعون التعليمات ببساطة ولن يكون هناك دافع أو تمكين.
● الثقة:
يحتاج المستشارون إلى الثقة بهم؛ فقد كانوا بحاجة إلى تطمينات بأنَّ مديريهم يُقدِّرون إمكاناتهم ويثقون بقدراتهم على إيجاد طريقة لحل المشكلة.
ممارسة اللعبة الداخلية
بعد بعض المناقشات، قررنا تقسيم مجموعة المستشارين إلى قسمين؛ إذ طُلب من المجموعة الأولى (التي أردنا استخدامها للتحكم) الاستمرار كالمعتاد، أي سيكون لديهم أهدافهم المعتادة وسيُطلب منهم القيام بما كانوا يفعلونه دائماً.
وأخبرنا المجموعة (التجريبية) الثانية أنَّه لمدة أسبوع واحد لن يُطالَبوا بالحصول على أي عملاء على الإطلاق، بدلاً من ذلك، أردنا منهم أن يكتشفوا قدر استطاعتهم كيف يُظهر العملاء اهتمامهم؛ لأنَّ المستشارين حدَّدوا أنَّ كيفية إبداء العملاء للاهتمام هو أهم متغير حاسم.
بعد أن تحرر المستشارون من تدخل القلق بشأن الأهداف والمحاولة الجادة، أصبحوا يفهمون عملائهم والطرائق التي أظهروا بها اهتمامهم، وعندما تعلموا المزيد حول هذا الأمر، تمكنوا من معرفة الوقت الذي كانوا يُسهبون فيه في شرح نقطة ما، أو الوقت الذي كانوا فيه تقنيين أكثر من اللازم.
لقد تمكنوا بهذا الوعي من تغيير المسار بسرعة وأصبحوا أكثر تركيزاً على العميل من خلال طرح المزيد من الأسئلة والاستماع باهتمام أكبر؛ فحدث تغيير حقيقي ودائم نتيجة استبدال التدخل ببساطة بنقطة تركيز مناسبة.
في النهاية
خلال الأسبوع كان هناك إقبال ملحوظ على الخدمات التي قدمها المستشارون، إلى درجة أنَّه في الأسبوع التالي طُلب من مجموعة التحكم المشاركة في التجربة أيضاً، لقد تحقَّق الهدف ربع السنوي بسهولة وتحسنت ملاحظات العملاء بشكل كبير أيضاً.
بالطبع، كانت الأهداف موجودة دائماً، ولكن ما تغير هو إدراك أنَّ الأشخاص فقط هم من يمكنهم تحقيق الأهداف وأنَّهم بحاجة إلى السماح لهم بممارسة أساليبهم الخاصة الفعَّالة للقيام بذلك.
الكوتشينغ بهذه الطريقة
لم يكتب "جالوي" بعد دليلاً للكوتشينغ، ولكن يمكن العثور على أفكاره في معظم النماذج وأساليب الكوتشينغ؛ إذ يتطلب تدريب الناس على إتقان ألعابهم الداخلية التخلي عن الحاجة إلى التحكم والابتعاد عن أسلوب الاتصال التعليمي التوجيهي المفرط.
بدلاً من ذلك، نحتاج إلى تطوير القدرة على طرح أسئلة كوتشينغ مثيرة تخلق مناخاً من الوعي والمسؤولية والثقة؛ إذ في مثل هذه المناخات، تصبح المتغيرات الحاسمة في أي موقف واضحة ويمكننا بعد ذلك التركيز عليها وإجراء تغييرات طبيعية وتحسينات عديدة.