كيف تطرح أسئلة كوتشينغ فعالة؟


لقد أساءت العديد من المؤسسات تفسير مفهوم الكوتشينغ على أنَّه يعني إغراق الموظفين بالمعلومات وتعلميهم "الإجابات الصحيحة" لا غير؛ لكن يكمن الفن الحقيقي في الكوتشينغ في جعل متدربيك يفكرون في الإجابات ويتوصلون إليها بأنفسهم.

لقد أجريت - عندما كنت أدرس للحصول على الماجستير منذ سنوات - بعض الأبحاث الأولية حول الكوتشينغ في المنظمات، وقد دعاني مدير قسم التعلم والتطوير في مركز اتصال محلي لأقضي يوماً معهم في مراقبة الكوتشينغ الذي يقدمه فريقه للعاملين في المركز، وبدا واضحاً كم كان فخوراً بالكوتشينغ الذي أعدَّه، وأظن أنَّه كان سعيداً بالتباهي به.

لقد حضرت جلسة تدريب اعتيادية في المركز، واجتمعت مع كوتش قدَّمتني إلى موظف مسؤول عن تقديم خدمة ما، والذي بدأ بدوره يشاركنا طريقة تفاعله مع عميله، حيث استمعنا إلى مكالمة (بدت واضحةً بالنسبة إلي) أجراها موظف يعرض خدمات المركز على عميل محتمل، وقد استلت الكوتش في هذه الأثناء دفتر ملاحظات وبدأت بالكتابة؛ وما أن انتهت المكالمة، حتى بدأت مرحلة التغذية الراجعة بالإشارة إلى مواضع الخلل في طريقة تعامل الموظف مع العميل مثل: الابتعاد عن الموضوع، وعدم طرح الخدمات التي تقدمها الشركة كما يجب، وعدم قدرته على ترغيب العميل بهذه الخدمات؛ ولم يبدو لي أنَّ هذا بمثابة كوتشينغ.

أنا لا أدَّعي مطلقاً أنَّ هذا النوع من التدريب ليس مجدياً، ولكن من المؤكد أنَّه لم يكن مفيداً في هذه الحالة، وقد تبيَّن لي أنَّه كلَّما تكلمت الكوتش، ازداد ارتباك الموظف؛ وكلَّما حاولت أن توجه له مزيداً من التعليمات، كانت قدرته على الالتزام بها أقل؛ وإن كان قد تعلم شيئاً من هذاـ فهو ربَّما لن يذكره بعد الجلسة؛ ذلك لأنَّ هذه التغذية الراجعة كانت قاسية نوعاً ما، وساهمت في إضعاف ثقة الموظف بنفسه بشكلٍ أو بآخر.

والآن، قد أجد عشرات الجوانب في علاقة الكوتشينغ التي قد تشرح هذا الموقف، لكنَّي أفضل في هذا المقال أن أختار واحداً فقط، وهو: غياب الأسئلة في الكوتشينغ.

أسئلة الكوتشينغ

إنَّنا نسأل الأسئلة عادةً لنحصل على الأجوبة؛ لكن لا يجب أن يحصل المتدربون دوماً على أجوبة؛ ففي الواقع، قد يكون أكبر دليل على أنَّ سؤال المدرب قد أعطى المتدرب بعض الأفكار الجديدة فعلاً، وساعده على البدء في تعلم شيء أساسي هو: تبسمه ابتسامة ساخرة، أو هز رأسه، أو النظر بعيداً، أو أن يصمت بشكل تام؛ لذا، فإنَّني أعتقد بوجود أسباب أخرى تجعل الكوتش يطرح الأسئلة؛ كما أعتقد أنَّ فاعلية الأسئلة في الكوتشينغ تكمن في قدرتها على الإيحاء بأفكار جديدة؛ فقدرتنا على التفكير هي بكل تأكيد ما يميزنا عن الكائنات الأخرى، حيث نمتلك كبشر قدرة على التمهل للحظة والتفكير بدلاً من الاستجابة مباشرة لكل محفز، ويمكننا أن نقرر كيف نرد في موقف معين؛ وإن كان بوسعنا أن نزيد من جودة التفكير، فسنزيد من احتمالات التوصل إلى نتيجة أو قرار نهائي أفضل، وبالتالي نحسن أداءنا عموماً.

طرح الأسئلة لا إملاء الأجوبة

ينتج عن الكوتشينغ -خاصة أسلوب طرح الأسئلة- جودة تفكير أعلى من جودة التفكير الاعتيادية؛ ذلك لأنَّه يشجع على زيادة الوعي بأهمية عدم إصدار أحكام مسبقة؛ فعندما تدرك العوامل المتغيرة ومشاعرك تجاهها في أي موقف، ستتفهم الأمور بشكل أفضل، وترى مزيداً من الخيارات الممكنة للتغيير.

قد تجد هذا المفهوم في العديد من الفلسفات الشرقية، وهو مبدأ أساسي من مبادئ تأمل اليقظة الذهنية؛ إذ ببساطة، قبل أن تحاول تغيير أي شيء، عليك أن تكون مدركا تماماً لوضعه الحالي. 

النقطة الأساسية التي يجب توضيحها هنا هي أنَّ الكوتشز لا يطرحون الأسئلة ليحصلوا على المعلومات، فالأمر ليس تشخيصاً؛ إنَّما الهدف منه هو حث المتدرب على التفكير والتأمل قبل تقديم إجابته، حيث يحفز طرح الأسئلة التفكير، ويجعلنا ندرك أنَّ الأشخاص الذين ندربهم لديهم أفكار ومساهمات، والأهم من ذلك أنَّه يثبت لنا أهمية الترحيب بأفكارهم وتقدير مساهماتهم؛ في حين لا يؤدي الإملاء أو التوجيه أيَّاً من هذه الأغراض؛ فهما يعملان على خنق الإبداع والابتكار، ويشجعان على ثقافة الاعتماد على القائد، بحيث يراه المتدرب الشخص الذي يعرف كل الإجابات.

يعني طرح الأسئلة أنَّ المتدربين يمتلكون مستوى استيعاب عالٍ جداً حول العمل الذي يقومون به والمهام التي ينجزونها؛ لذا يمكنك طرح الأسئلة قبل المَهمَّة لتشجيع المتدرب على التفكير في كيفية التعامل مع الأمور والعقبات التي قد يواجهها، أو طرحها بعد المَهمَّة لمعرفة الأمور التي سارت بشكل جيد أو سيئ، وما تعلمه المتدرب، وما الذي يمكن أداؤه بشكل مختلف في المرة القادمة.

سيتطلب هذا الأمر بطبيعة الحال استثمار الكوتش للوقت، ولن يكون ذلك متاحاً دائماً؛ ولكن كأي استثمار سليم، سيكون هناك عائد كبير منه ولو بعد حين؛ فمع اكتساب الأشخاص الذين تدربهم مزيداً من القدرة والثقة بالنفس كونهم يفكرون جيداً، سيصبحون أقل اعتماداً عليك لحل المشكلات وإعطاء التوجيهات.

عندما ما يتضمن عمل المتدرب التكرار، فقد يوفر أسلوب الكوتشينغ الذي يعتمد على استخدام الأسئلة الباعثة على التفكير ساعات من الخوض في الموضوع نفسه وتكرار التعليمات ذاتها؛ كما يؤدي طرح الأسئلة إلى رفع مستوى التعلم، وهو أمر غير متاح في الأسلوب المسيطر المعتمد على التوجيه والإملاء.

دورة التعلم الخاصة بديفيد كولب (David Kolb)

يشير هذا النموذج المفيد إلى أنَّ التعلم يحدث من خلال التخطيط لتجربة ما، وخوضها، وأخذ انطباع عنها، واستخلاص النتائج منها.

ستضمن بعض أسئلة الكوتشينغ الحكيمة أن نفكر ونستخلص النتائج دون اتخاذ مزيد من الترتيبات الرسمية للقيام بذلك، ويؤدي كل هذا إلى زيادة انخراط الموظف وتحفيزه، ويشجع على درجة عالية من الجودة في إنجاز المهام التي يمكن قياسها وتحديدها من خلال الأموال التي تُنفَق أو الوقت الذي يُوفَّر.

بالعودة إلى مركز الاتصال، لعلِّي قد أطرح على الموظف أسئلة مثل:

  • إلى أي درجة كنت قادراً على الالتزام بالمحتوى المتفق عليه؟
  • ما الذي أدى بك إلى الخروج عن الموضوع؟
  • ما الأجزاء السهلة والصعبة في هذه المكالمة؟
  • ما الذي لاحظته حول سلوك العميل وأسلوبه في التواصل؟
  • أين كانت الفرص الرئيسة لمناقشة خدماتنا الأخرى؟