لماذا يرتبط الكوتشينغ بالذكاء العاطفي؟
تختلف أشكال الذكاء العاطفي، إلى جانب اختلاف تعريفاته وسماته؛ ولكن باختصار، الذكاء العاطفي هو مزيج من الوعي والتنظيم الذاتي الذي يؤثر في الدوافع والمهارات الاجتماعية والتعاطف.
وعندما يتعلق الأمر بالكوتشينغ، فالذكاء العاطفي ضروري للغاية؛ إذ حينما يتمتع كِلا الطرفين بدرجة عالية من الوعي الذاتي والتنظيم الذاتي، سيتواصلان بسلاسة؛ وهذا يتيح تسهيل عملية الكوتشينغ.
على الجانب الآخر، يمكن أن يعرقل ضعف الذكاء العاطفي أولئك الذين يتلقون الكوتشينغ إذا كانوا يفتقرون إلى الوعي الذاتي، أو يقاومون تطبيق ما يتلقونه؛ لذا، الهدف من هذه المقالة هو توفير إطار عمل لكيفية تطوير الذكاء العاطفي واستعماله لتحسين عملية الكوتشينغ.
الذكاء العاطفي والوعي الذاتي
من الضروري أن نفهم أمراً أساسياً عندما نقدم الكوتشينغ إلى الناس؛ إذ إنَّ هناك متلقِّياً (أي الشخص الذي تقدم إليه الكوتشينغ) ومُقدِّماً (أي الكوتش)، ويؤدي كِلا الطرفين أدواراً هامة في علاقة الكوتشينغ، ويمكن أن تخدم تنمية الذكاء العاطفي لهما بصورة جيدة؛ أولاً: سيلقى الكوتش الذي يتمتع بدرجة عالية من الذكاء العاطفي استحساناً كبيراً، وثانياً: يزيد احتمال تطور الذكاء العاطفي لدى الشخص الذي يتلقى الكوتشينغ، إلى جانب تحسُّن أدائه وسلوكاته.
يبدأ الذكاء العاطفي بالوعي الذاتي؛ إذ إنَّ قلة قليلة من الناس يدخلون إلى مكاتب مديريهم، ويخبرونهم أنَّهم يقاومون التغيير أو يُفسدون عمل الفريق، وربما يدركون ذلك في أعماقهم، لكنَّهم لا يعونه بعد؛ لذا فإنَّ أول مهمة عليك إتمامها في الكوتشينغ هي مساعدتهم على بناء الوعي حتى يتمكنوا في النهاية من اتخاذ الإجراءات المناسبة.
يقدم المديرون تغذيتهم الراجعة أحياناً، ولا تلقى هذه التغذية الراجعة غالباً آذاناً صاغية لسبب أساسي واحد، وهو أنَّ الشخص الذي يتلقى الكوتشينغ لا يدرك الأخطاء التي يقع فيها بَعد.
الذكاء العاطفي والتنظيم الذاتي
يُعَدُّ التنظيم الذاتي المحور الثاني من الذكاء العاطفي، والذي عادة ما يكون بمنزلة الحاجز الذي يوقفنا؛ فهو القدرة على التحكم في الدوافع والحالات المزاجية المضطربة وإدارتها، وتجنب إلقاء الأحكام، والتفكير قبل التصرف، وإذا طالب المديرون والكوتشز بتغيير شخص ما من دون تعزيز وعيه الذاتي ابتداءً، أضِف إلى ذلك ميله إلى انعدام التنظيم (كأن يكون دفاعياً أو مزعجاً)، فسوف يذهب أيُّ نوع من التطوير الذي تقدمه إليه سُدى.
لا يوجد ترتيب معيَّن للخطوات التي ينبغي أن يتبعها العملاء أو الموظفون لتطوير الذكاء العاطفي، لكن يُنصَح بدايةً بتعزيز الوعي الذاتي في أثناء تقديم الكوتشينغ على التنظيم الذاتي، فيما يأتي بعض النصائح السريعة للبدء:
1. استعمل الكوتشينغ القائم على الملاحظة
اطلب من الشخص الذي يتلقى الكوتشينغ مراقبة شخصٍ آخر يمتلك المهارة المطلوبة أو السلوك المطلوب، ثم اطلب منه تدوين ملاحظاته؛ إذ يعزز هذا الوعي خارج إطار جلسات الكوتشينغ.
2. أجرِ المناقشات
سهِّل عملية تحدث الموظفين مع بعضهم بعضاً، واطرح أسئلة مثل: "أين برأيك لديَّ فرصة أكبر للمشاركة بصفتي فرداً من أفراد الفريق؟" و"ما هما الأمران اللذان قد تقترح أن أتخذهما لأعزز تعاوني في الفريق؟"، يكمن المفتاح في كتابة الأسئلة، مع وضع قواعد للإجابة عنها، كي لا يصبح النقاش سلبياً.
3. اقرأ وتفكَّر
من أقوى الأمور التي يجب القيام بها، هو العثور على مواد تدريب تحفيزية، ودفع الناس إلى قراءتها، والإجابة عن أسئلة متعمقة، مثل: "ما الذي تعلَّمتَه عن نفسك، وأنت ملتزم بتحسينه؟".
إذا كان لديك شخص يحمل موقفاً سلبياً مثلاً، فسترغب بالتأكيد في إصلاح الأمر؛ وذلك لأنَّه يعرقل العديد من الأهداف الأخرى في نهاية المطاف، ولكن لا يمكننا بسهولة إخبار هذا الشخص بالتخلص من موقفه السلبي؛ بل يكمن الحل في إعادة صياغة المواقف عبر طرح أسئلة يتحقق من خلالها المرء من ذاته، مثل: "ماذا ستفعل كي (املأ الفراغ) بنجاح؟".
دعنا نُلقِ نظرة على بعض الأمثلة الأخرى؛ إذ كِلا الطرفين يفتقران إلى الذكاء العاطفي؛ لنفترض أنَّ لدينا مديراً حازماً، ولا يتحلى بما يكفي من التعاطف، ويدير العمل من خلال تقديم التوجيهات من دون إجراء الكثير من المحادثات، وفي المقابل، إنَّ الموظف الذي يعمل معه المدير هو شخص مقاوم، ولكنَّه لا يدرك ذلك.
إذ إنَّهما مثل سفينتين تبحران في جنح الظلام؛ فمن جهة، لدينا مدير لا يركز سوى على القضايا، ومن جهة أخرى، لدينا موظف يفتقر إلى الوعي الذاتي؛ إذاً، كيف سيدركون ما يحتاجون إلى القيام به شخصياً لتحقيق نتائج أفضل؟
يكمن الحل في البدء بفهم شخصيتنا وما نحن عليه، فإذا كنت كوتشاً أو قائداً، فلا تطرح أسئلة عن نفسك فحسب؛ بل عن الأشخاص الذين تقدم لهم الكوتشينغ أيضاً، وألهِم التفكير عند الأشخاص الذين تعمل معهم من خلال طرح الأسئلة وتوفير بيئة تدعو إلى الشفافية؛ إذ سيخلق ذلك مساحة تؤدي إلى تعزيز الذكاء العاطفي، وتقديم كوتشينغ أفضل في مكان العمل.