لم علينا الكف عن الاعتماد على نموذج جرو (GROW) في الكوتشينغ؟
تركز العديد من الدورات التدريبية الإدارية على نموذج جرو (GROW) كطريقة لتعليم المديرين كيفية الكوتشينغ، ولكنَّه نادراً ما ينجح؛ لذا فقد حان الوقت لتزويد المديرين بالمهارات المناسبة للتمكن من القيام بالكوتشينغ بفاعلية.
نموذج جرو (GROW) عبارة عن مساق خاص بالكوتشينغ والتدريب؛ وهو يتألف من أربع خطوات ترمز لها أحرف كلمة (GROW) - النمو بالإنكليزية، حيث تسأل في كل خطوة سؤالاً معيناً كما يأتي:
- كيف تحدد الهدف (Goal)؟
- كيف تقيِّم الواقع (Reality)؟
- ما الخيارات المتاحة (Options)؟
- كيف ستحقق الالتزام للمضي قدماً (Will)؟
وهو مخصص لتعليم وتوجيه الآخرين لتحسين أدائهم ووضع خطة لتحقيق أهدافهم المهنية، أو هذا ما يشاع أنَّه قد صُمِّم من أجله.
لا يقتنع الكثير من الناس بنموذج جرو (GROW) اقتناعاً تاماً، لكنَّ فكرة أنَّه سيكون كافياً بأي شكل من الأشكال لإعداد المدير لتدريب الموظفين بفاعلية هي فكرة سخيفة، وقد تكون في الواقع ضارة للغاية وتؤدي إلى نتائج عكسية.
لقد بدأت التفكير في كل هذا لأول مرة منذ سنوات عديدة، وذلك عندما أخبرني أحدهم أنَّه قام بما يُسمَّى تدريب جرو (GROW)؛ إذ لم أفهم ماهية ذلك آنذاك، ولا أفهم ما هو الآن.
كان كل ما يقلقني هو اعتقادي بأنَّه "نموذج كوتشينغ غير مكتمل أو ناضج"؛ وللأسف، اكتشفت أنَّ هذا صحيح.
قبل أن أكمل حديثي، عليَّ أن أعترف بأنَّني فعلت ذلك أيضاً؛ فقد أجريت برامج تدريبية وندوات بالاستعانة بهذا النموذج المنقوص، وطرحت على الناس بعض الأسئلة؛ لكنَّني لن أفعل ذلك بعد الآن؛ فأنا أجري حالياً برامج أطول يمكننا فيها مناقشة الأسئلة، والتدرب على استخدامها، والحكم على ردود الفعل والاستجابات، وتجربة وضع أسئلة متابعة، وما إلى ذلك؛ وبالتأكيد، لا توجد مقارنة بين هذا وذاك.
لماذا يعدُّ نموذج جرو (GROW) مشكلة؟
لنتحدث بوضوح، ليس من الصعب إعطاء أي شخص قائمة بالأسئلة التي يجب طرحها وفق تسلسل جرو (GROW)، ولكنَّ هذا لن يكون كوتشينغ؛ فتسلسل جرو (GROW) ليس نموذجاً للتدريب في الأساس، بل هو طريقة مناسبة للتنقل في محادثة تدريبية تضمن دراسة أربع مجالات رئيسة، هي: الأهداف، والواقع، والاختيار، والالتزام.
قد يؤدي الاعتماد المفرط على نموذج جرو (GROW) إلى صعوبة التنقل بمرونة من خلال المحادثة التدريبية، فقد يسأل الكوتش مثلاً سؤالاً مصمماً لإنشاء خيار، فيدفع المتدرب إلى أن يعيد النظر في أهدافه أو يلاحظ شيئاً جديداً حول وضعه الحالي.
لا يمكن خوض التدريب من خلال السير في مسار واحد، ويجب على الكوتش أن يكون مستعداً للتنقل المستمر ضمن هيكلية مثل جرو (GROW) عدة مرات إذا لزم الأمر، لذا يتبين في هذا السياق أنَّه حتى مصطلح "تسلسل جرو (GROW)" غير مفيد هنا، ولكنَّه أفضل من تسميته كنموذج للكوتشينغ على كل حال.
كما قد يتسبب الاعتماد الكلي على نموذج جرو (GROW) في حيرة بعض المنتورز وتعثرهم عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الإجابة، فعلى سبيل المثال: قد يقترح النموذج طرح سؤال عن الواقع مثل: "كيف تشعر في هذا الموقف؟"، ولكن لا يتضح ما يجب أن تسأله بعد ذلك في حال أجاب المتدرب بأنَّه خائف أو مريض أو حتى غير مهتم.
المشكلة الثالثة هي أنَّ مفهوم نموذج جرو (GROW) قد يجعلنا نعتقد أنَّ طرح الأسئلة هو كل ما يدور الكوتشينغ حوله، ولكنَّ هذا غير صحيح؛ إذ من الهام أن نصغى جيداً إلى الإجابة، ويعني هذا الإصغاء الفعال وليس مجرد اختلاس النظر في ورقة الأسئلة لمعرفة السؤال الذي يجب طرحه بعد ذلك.
إنَّه لمن المفيد أيضاً مراقبة المتدرب في أثناء قول الإجابة؛ وذلك لرؤية ما إذا كانت لغة جسده تتطابق مع ما يقوله، وما إلى ذلك.
غالباً ما تكون التوقفات المؤقتة والصمت علامة على أنَّ المتدرب على وشك تحقيق تقدم حقيقي في تفكيره، ولكنَّك قد تفوِّت هذا في خضم الاندفاع إلى طرح السؤال التالي.
أليس هذا أفضل من لا شيء؟
لا أعتقد ذلك؛ فإذا كان الكوتشينغ المعتمِد على تسلسل جرو (GROW) يؤدي إلى نتيجة سطحية جداً، فمن غير المرجح أن يستمر أو تصمد نتائجه.
قد تتلاشى القليل من خطوات العمل المصاغة بشكل جميل والتي حُدِّدت خلال مرحلة التنفيذ مع أول مواجهة في الحياة الواقعية بعد العودة إلى العمل، وقد يتعامل الكوتشينغ الجيد مع ذلك بشكل أفضل من خلال تحديد الحالات الطارئة، ووضع بعض السيناريوهات للمواقف التي من المحتمل أن تحدث.
دعني أنوِّه مرة أخرى أنَّ إجراء اختبار سريع اعتماداً على نموذج جرو (GROW) قد لا يكون دقيقاً بدرجة كافية؛ ومن ثمَّ، قد يجد المتدرب هذه التجربة غير مفيدة، ممَّا يقوض الجهود المبذولة للالتزام بالكوتشينغ واستخدامه كجزء راسخ من الثقافة التنظيمية.
قد يكون مجرد طرح الأسئلة دون تقدير قوتها أو تأثيرها على المتدرب أمراً خطيراً للغاية، فقد رأيت العديد من قوائم الأسئلة التي توصي بطرح سؤال: "ما الذي تخاف منه؟"؛ ولكن من خلال تجربتي، أعتقد أنَّ هذا السؤال قد يظهر العديد من المشكلات التي تُعالَج بشكل أفضل من خلال الاستشارات التخصصية، بدلاً من التدريب الذي يجب أن يركز على الخطوات العملية.
كما أخبرني السير جون ويتمور (John Whitmore) ذات مرة: "دون فهم المبادئ الأساسية للوعي والمسؤولية، سيكون نموذج جرو (GROW) أو أيَّاً من مشتقاته غير مجدٍ فعلياً"؛ لذا يجب علينا تحويل التركيز من اتباع نموذج جرو (GROW) إلى العمل بمبادئ الكوتشينغ المناسبة.
الكوتشينغ فن (A.R.T)
دعونا نطرح نموذجاً فعالاً الآن، وليكن نموذج (A.R.T) الذي يتمحور حول ثلاث نقاط هي: الوعي (awareness)، والمسؤولية (responsibility)، والثقة (trust).
حيث يجب أن يؤدي السؤال الجيد في الكوتشينغ إلى زيادة الوعي (awareness)، مثل: "ماذا يجري؟"، أو "ماذا تلاحظ؟"؛ إذ إنَّ المقصود هو أن يدفع السؤال المتدرب إلى ذكر تجربته الخاصة في الإجابة، ويصبح بذلك أكثر وعياً بما يحدث، فيحدث التغيير والتحسين تلقائياً.
كما يساعد السؤال الجيد في شعور المتدرب بالمسؤولية (responsibility)، مثل: "ما الذي حاولت فعله من قبل؟"، و"ماذا يمكنك أن تجرب في المستقبل؟"، و"ماذا ستفعل إذا لم يفلح ذلك؟"؛ إذ يجب أن نستخدم أسئلتنا لتعزيز فكرة أنَّ المتدرب هو المسيطر وصاحب القرار.
ستساعد الأسئلة الجيدة أيضاً في تعزيز علاقة الثقة (trust) التي تعدُّ هامة للغاية في التدريب الناجح، مثل: "ماذا يخبرك حدسك؟"، و"كيف تعاملت مع مواقف مماثلة في الماضي؟"، و"كيف ستتعامل مع أي اعتراضات؟".
هذه كلُّها أسئلة تشير إلى احترامنا لمهارات المتدرب وقدراته، وأنَّنا نؤمن به ونثق بأنَّه قادر على التعلم من تجربته الخاصة، وعلى اتخاذ قرارات مستنيرة.