ما الذي يجعل التدريب استثنائيا؟
يُقال إنَّ "المعلم العادي يقول، والمعلم الجيد يشرح، والمعلم المتفوق يوضح، والمعلم العظيم يُلهم"، ونتساءل جميعاً كيف يمكن أن نكون مدربين جيدين، وقد نتساءل أيضاً عن طريقة إلهام المتعلمين لتقديم أفضل أداء، وعندما يتعلق الأمر بتقديم برنامج تدريبي فعَّال، فإنَّ مهارات المدرب الجيد يمكن أن تُحدِث فرقاً كبيراً، ويعتقد الكثير من الناس أنَّ التدريب أمر سهل مثل معرفة الموضوع والقدرة على التواصل بصورة جيدة، بينما أنت بحاجة ماسة إلى هاتين الصفتين، إلا أنَّهما لا تكفيان لتكون مدرباً فعَّالاً؛ إذاً ما هي مهارات المدرب التي تحتاجها لتصبح مدرباً جيداً؟
المهارات الأساسية للمدرب الجيد:
هل تتساءل كيف يمكن أن تصبح مدرباً جيداً وما إذا كان لديك ما يلزم لتكون كذلك؟ لحسن الحظ، المدربون الملهمون أصبحوا كذلك من خلال التدريب وليس بالفطرة؛ إذاً ما الذي يجعل المدرب جيداً؟
يعمل المدربون الفعَّالون باستمرار ويطورون المهارات التي تعمل على تحسين فهمهم لاحتياجات المتعلم والحاجات التنظيمية، كما أنَّهم يدركون أنَّه كلما طبقوا هذه المهارات، كانوا مجهزين بصورة أفضل لتقديم التدريب بدقة وساعدوا على الاندماج، وأنشؤوا جواً تعليمياً نشطاً، ودمجوا توجهات التعلم الحالية، وغير ذلك.
المهارات اللازمة لتصبح مدرباً جيداً:
1. الإصغاء الفعال والصبر:
بعض مهارات المدرب الجيد لا يمكن التنازل عنها أبداً؛ إذ تأتي القدرة على الإصغاء وطرح الأسئلة المناسبة وفهم احتياجات المتعلم على رأس هذه القائمة، وما من أهمية تُذكَر لتحليل الاحتياجات ما لم تتمكن من الإصغاء بعناية إلى الجمهور المستهدف ومعرفة ما يحتاجون إليه.
على سبيل المثال، قد تذكر مجموعة من موظفي المبيعات أنَّهم بحاجة إلى تدريب على المنتج حتى يتمكنوا من إتمام المزيد من الصفقات شهرياً، لكن قد يقرر المدرب الجيد أنَّ موظفي المبيعات لديهم معرفة كافية بالمنتج، ولكنَّهم يحتاجون إلى تدريب على التفاوض لكسب العملاء بسرعة أكبر.
2. الاستراتيجية في التدريب:
يعرف المدرب الاستراتيجي أنَّ التدريب لا يكون فعَّالاً إلا إذا كان ضمن الميزانية ويقدم عائداً مرغوباً على الاستثمار (ROI)؛ إذ يبدو الأمر واضحاً لكن لسوء الحظ، من السهل نسيان هذه العوامل بمجرد أن تبدأ مهام التدريب المعقدة بالتراكم.
إحدى أهم مهارات المدرب الجيد هي قدرته على التركيز على الهدف والتعامل مع القيود دون المساس بنوعية التدريب، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك من خلال إقامة شراكات مع مختلف الموظفين داخل المنظمة، مثل مديري الأقسام والعمليات والموارد البشرية.
ولن يبدأ أيُّ مدرب استراتيجي مشروعاً ما دون فهم التكاليف وعائد الاستثمار المطلوب والمعايير أولاً؛ إذ تعمل هذه المعرفة على تعزيز دوره لتقديم التدريب الأكثر فاعليةً، بدعم كامل من أصحاب المصلحة الرئيسين.
3. التشجيع على الاندماج:
إنَّ تحويل التدريب إلى التزام متبادل يفيد الطرفين هو الأساس الذي يجعل المدرب جيداً، وكون المدرب مرحاً هو أمر رائع، ولكنَّ جعل المتعلمين يستوعبون المهارات الجديدة ويحتفظون بها هو أمر يتجاوز الترفيه والتسلية.
لكي تتمكن من تطوير المهارات، يحتاج المتعلمون إلى فرص لمشاركة أفكارهم والإجابة عن الأسئلة، وتطبيق ما تعلموه، فإنَّ أسلوب التدريب التقليدي الهرمي ليس فعَّالاً لتحقيق أهداف التعلم، حتى لو كان المدرب مذهلاً؛ إذ يشجع أفضل المدربين المتعلمين على طرح الأسئلة والمشاركة في النشاطات، وأن يكونوا نشطين في تعلمهم بدلاً من التعلم السلبي.
4. التنظيم:
قد يكون بعض المدربين مصدراً للإلهام في أحد الأيام، وقد يصبحون مملين في يوم آخر، ويحدث هذا الأمر عادةً بسبب نقص التنظيم الفعَّال، فيجب أن تكون دائماً رائعاً؛ ولهذا السبب خذ وقتك في التخطيط لموادك التدريبية وتقديمها بعناية.
قد تساعدك الدروس والمواد المنظمة جيداً على الاستمرار في التركيز على الموضوع المطروح بدلاً من الانتقال من موضوع إلى آخر، ويمنع هذا الأمر الجلسات المُيسرة من أن تستغرق وقتاً أطول ومن فقدان انتباه الموظفين، فلا يجب التقليل من شأن دور المدرب بوصفه مديراً للمشروع، ويُعَدُّ إبقاء أصحاب المصلحة على اطلاع دائم بالتقدم المحرز في مشروع التدريب أمراً هاماً لمواصلة تقديم التدريب الاستراتيجي والفعَّال.
5. القدرة على التصميم الجيد للتعليم:
تُعَدُّ القدرة على تصميم دورات مُنظَّمة جيداً وبناء محتوى مناسب للهدف إحدى المهارات التي كثيراً ما نتجاهلها لدى المدرب الجيد، فغالباً ما نخطئ عندما نظن أنَّ حضور المدرب شخصياً في جلسات التدريب وطريقة تقديمه هي العامل المحدد لفاعليته.
يُكرَّس جزء كبير من العمل للتخطيط لبرامج التدريب التي تلبي جميع أهداف المؤسسة وتُجري تجارب تعليميةً سلسةً، ولكنَّ هذا العمل يمكن أن يُحدِث فرقاً كبيراً في نتائج المتعلمين وتحسين السلوك على الأمد الطويل.
سيتمتع المدرب المتميز بالذكاء لتصميم الدورات التدريبية التي تناسب طريقة التقديم، على سبيل المثال، التدريب المباشر أو التدريب المختلط أو التدريب عبر الإنترنت، وإنشاء مجموعة متنوعة من المواد التي تُحفِّز جميع المتعلمين وتساعدهم على الاندماج.
6. مواكبة توجهات التعلم:
يوجد جانب آخر من المعرفة بالتصميم التعليمي التي ترفع مستوى المدرب من مستوى لا بأس به إلى مستوى جيد، وهو الوعي بأحدث توجهات التدريب؛ إذ يواكب المدربون الفعَّالون الأبحاث الحالية في تعليم الكبار والتقديم الرقمي ويبحثون عن الفرص لدمج التوجهات المثبتة في تدريبهم، ولا يعني هذا أنَّ معرفة الفرق بين التعلم المصغر والتلعيب هو كل شيء ونهاية كل شيء لتكون مدرباً جيداً، بينما يحتاج المدربون الاستثنائيون إلى معرفة التوجهات التي تكتسب شعبية، فمن الهام أن يتمتعوا بالقدرة على اختيار التوجهات المناسبة في تدريبهم.
على سبيل المثال، إذا لاحظت أنَّ الندوات عبر الإنترنت هي التوجه السائد لتنسيق محتوى يعزز التعاون بين المتدربين الذين يعملون عن بعد، فهل من الذكاء دمج الندوات عبر الإنترنت في دورة تدريبية مباشرة مدتها أسبوع واحد؟ إنَّ دمج التوجهات لمجرد أنَّها أمر شائع وعصري هو فعل قد يترافق مع الكثير من العواقب، ويعوق بسهولة فاعلية التدريب.
7. القدرة على التحليل والتحسين بصورة متكررة:
يُعَدُّ تحسين الذات من أكثر المهارات المؤثرة لدى المدرب الجيد؛ وذلك لأنَّ المدربون الجيدون لا يركِّزون فقط على تطوير المتعلمين؛ وإنَّما على تطوير أنفسهم، فيمكنك تحسين أدائك من خلال الاستفادة من الاستطلاعات وغيرها من أشكال التغذية الراجعة، ولا تخجل من التغذية الراجعة البنَّاءة، لكن اغتنمها بصفتها فرصة لإعادة اختبار أساليبك والقيام بعمل أفضل في المرة القادمة.
لا يحسِّن المدربون الجيدون أنفسهم فحسب؛ وإنَّما يقيِّمون موادهم التدريبية بصورة منتظمة أيضاً؛ إذ يتخلصون تدريجياً من المواد القديمة أو غير الملائمة لمصلحة المحتوى الذي يساعد على الاندماج والتوافق مع تغذية المتعلم الراجعة المتعلقة بالدورة التدريبية.
8. القدرة على التعلم باستمرار:
إذا كنت تتساءل كيف تصبح مدرباً جيداً، فيجب أن تعلم أنَّه لا توجد طرائق مختصرة، فلا تتوقع أنَّه يمكنك تلقِّي دورة واحدة وتتمكن بعدها من الوصول إلى أهدافك، كما يتساءل أفضل المدربين باستمرار: "ما الذي يجعلني مدرباً جيداً؟"؛ وذلك لأنَّه لن يوجد شخص أفضل لتقديم التدريب من الشخص الذي يتعلم باستمرار، فهذا هو السبب في أنَّ التعلم المستمر هو أحد الخصائص الهامة للمدرب الجيد.
المدربون الذين يتابعون تعلُّمهم بانتظام هم على تواصل مباشر مع الصعوبات التي يواجهها المتعلمون يومياً، وهذا ما يجعلهم أكثر فاعليةً في اختيار أنواع المحتوى والموضوعات والميزات الملائمة مثل التعلم المتنقل عند التخطيط لدورة تدريبية، كما يمثل المتعلمون باستمرار مصدراً للإلهام؛ إذ إنَّ شغفهم وعطشهم للتعلم هو أمر مُعدٍ ويمكن أن يُحدِث فرقاً كبيراً عندما يكون الموضوع الذي يحتاجون إلى تدريسه مملاً أو غامضاً.
الخلاصة:
يمكن لكل مهارات المدرب الجيد أن تُحدِثَ فارقاً كبيراً في نجاح البرنامج ومساعدة المتعلمين على الاندماج، فلا بد للمدربين الذين يستثمرون وقتهم في تطوير هذه المهارات ويطبقونها أن يروا تقييمات دوراتهم ونتائج المتعلمين تتحسن، ويمكن للبرنامج المناسب أن يزيد من تأثير المدربين، من خلال الميزات المبتكرة التي تفتح أمامهم عالماً من خيارات التصميم والمحتوى والتقديم.