نموذج وضع الهدف الدقيق للكوتشز الجزء الأول


إنَّ أحد المبادئ الأساسية للكوتشينغ أن تفهم بوضوحٍ الهدف الذي يريد متلقِّي الكوتشينغ إحرازه قبل البدء برحلة الكوتشينغ، ومن هنا جاءت الحاجة إلى تحديد الهدف، ولهذا السبب يبدأ نموذج جروو (GROW) بحرف "G" وهو الحرف الأول من كلمة "الهدف" (Goal) في اللغة الإنكليزية.

تحدِّد أجندات الآخرين والضغوطات التي تُمارَس علينا لتقمُّص شخصياتٍ غير شخصياتنا العديد من أهدافنا دون أن نشعر بذلك ربَّما، يصف نموذج الهدف الدقيق (EXACT) هدف كوتشينغ فعَّال يساعد الأشخاص على تحديد الأهداف التي تتوافق مع قيمهم الخاصة وأسلوب أدائهم:

واضح (Explicit): تركيز الاهتمام على هدفٍ واحد تصفه بضع كلمات.

مثير (Exciting): إيجابي ومُلهم.

قابل للتقييم (Assessable): يمكن قياسه.

يُثير التحدي (Challenging): مثالي ويتطلب بذل جهد كبير.

مؤطَّر زمنياً (Time Framed): من 3 إلى 6 أشهر.

يوفر تحديد هدف يتَّبع المعايير المذكورة أعلاه الطاقة والتركيز، ويحافظ على تحفيز الأشخاص لتحقيق ما اعتقدوا أنَّه غير ممكن.

يُقال إنَّ الفترة الزمنية اللازمة للتخلص من عادة قديمة ستة أسابيع، إضافةً إلى ستة أسابيع أخرى لاكتساب عادة جديدة؛ حيث توفر سلسلة جلسات الكوتشينغ التي تتراوح مُدَة كلٍّ منها من 3 إلى 6 أشهر وقتاً كافياً لتحقيق هدف حقيقي دون فقدان الحافز، ومن الأفضل عقد الجلسات خلال هذه الفترة كل أسبوع أو أسبوعين، اعتماداً على جاهزية المتدرب.

نظام التنشيط الشبكي

يؤدي تحديد المتدرب للهدف بدقة ووضوح إلى تشغيل نظام التنشيط الشبكي (RAS)؛ حيث تتمثل إحدى وظائف هذا الجزء من الدماغ في تحسين "نسبة الإشارة إلى الضجيج" في الإشارات التي تتلقاها حواسنا من خلال معالجة الإشارات الحسية الهامة.

يُحسِّن هذا الوظيفة الإدراكية في ظل الظروف المُشوِّشة؛ حيث قد تُضعف المنبهات غير الهامة الأداء، فهو يتيح للفريسة الهاربة على سبيل المثال اكتشاف الحيوانات المفترسة في بيئات تعج بالمنبهات غير الهامة، ويفسِّر لماذا عندما نشتري ماركة معينة من السيارات، نرى فجأة تلك العلامة التجارية في كل مكان.

مثال آخر هو أن تكون في مطار مزدحم؛ حيث تُذاع باستمرار الإعلانات التي لا نستمع لأي منها، ولكن في حال ذُكر اسمنا، ننتبه على الفور؛ إذا كان لدينا هدف ذو مغزى، فقد يسلط نظام التشغيل الشبكي (RAS) الضوء على إشاراتٍ مفيدة ربما كانت ستمر دون أن نلاحظها.

مقارنة بين نموذجي الهدف الدقيق (EXACT) والذكي (SMART)

إنَّ نموذج العمل التقليدي لتحديد الأهداف هو "Smart"، والكلمات باللون البرتقالي ليست جزءاً من نموذج "Exact"، بينما الكلمات باللون الأصفر غير موجودة في نموذج "Smart":

نموذج الهدف الدقيق (Exact)

  • واضح (Explicit).
  • مثير (Exciting).
  • قابل للتقييم (Assessable).
  • يُثير التحدي (Challenging).
  • مؤطَّر زمنياً (Time Framed).

نموذج الهدف الذكي (Smart)

  • مُحدَّد (Specific).
  • قابل للقياس (Measurable).
  • متفق عليه/ قابل للتحقيق (Agreed/Achievable).
  • واقعي/ ذو صلة (Realistic/Relevant).
  • مؤطر زمنياً (Time Framed).

على الرغم من أنَّ الهدف الذكي "Smart" قد يكون إيجابياً، إلا أنَّه قد يؤدي إلى نتيجةٍ سلبية، مثل الهدف المتمثل في "الخروج من الدرجة الأخيرة"، مما يدفعنا إلى التركيز على ما نريد الابتعاد عنه، بدلاً من التقدُّم إلى ما نريد تحقيقه، وتحمل مثل هذه الأهداف أعباء الفشل الماضي والقلق المستقبلي كلها؛ لذلك يكون الأمر في النهاية عملاً رتيباً أكثر من كونه فرصة، ولكن قد يكون الهدف الدقيق "Exact" المكافئ هو "الوصول إلى الدرجة الأولى".

تنجح الأهداف الذكية "Smart" في تحديد أهداف الشركة؛ حيث يُحدِّد المديرون الأهداف ليحققها الآخرون، ما يدفعهم إلى وضع أهداف صعبة المنال تُثبط عزيمة الفِرق التي يتعين عليها تحقيقها؛ لذلك يجب ضبط الأهداف في أثناء عملية الإعداد، ويجب أن تكون "واقعية" أو "قابلة للتحقيق"، ولهذا السبب وُضع نموذج الأهداف الذكية "Smart"؛ إذ يُعدُّ النموذج المناسب لاستخدامه في مثل هذه المواقف.

ومع ذلك عندما نضع أهدافاً لأنفسنا، فإنَّنا نميل إلى وضع حدود بناءً على الإخفاقات السابقة، والخوف من التحدي، وضعف الثقة بالنفس؛ لذا يجب إثارة التحدي في نفوس الأفراد، وحثهم على وضع أهداف أعلى لأنفسهم عند اتباع نهج الكوتشينغ الدقيق (Exact).

كيف تضع هدفاً؟

 يجب قضاء بعض الوقت في استكشاف ما يريده متلقِّي الكوتشينغ وما سيكون عليه الحال عند تحقيق هدفه؛ لذلك يُنصَح بقضاء الجلسة الأولى بأكملها على الأقل في مناقشة هذا الأمر؛ إذ ليس من المُستغرَب أن يُنهي الأشخاص الجلسة بهدف مختلف تماماً عن الهدف الذي بدؤوا به، بالإضافة إلى اكتسابهم قدر كبير من الوعي والأفكار الجديدة، وهذا ما يجعل هذه العملية الاستكشافية على قدر كبير من الأهمية؛ حيث تُسهم في ترسيخ الهدف من خلال إنشاء مسارات عصبية جديدة، وهي عملية تبرز في الكوتشينغ الرياضي عندما يشجع المدربون اللاعبين الكبار على تصوُّر أنفسهم يسددون تسديدة الفوز من أجل تسهيل القيام بذلك في المباراة الحقيقية.

ابدأ بسؤال متلقِّي الكوتشينغ عما يريد تحقيقه، فقد يكون الجواب هدفاً أو مشكلة أو فكرة غامضة، واطرح سؤالاً أو أكثر من أسئلة الواقع، مثل "هل يمكنك إخباري ببعض المعلومات الأساسية؟"، ثم اقضِ بعض الوقت في استكشاف "الواقع المستقبلي"، ومساعدة المتدرب على تخيُّل ما سيكون عليه الأمر بعد تحقيق الهدف؛ سوف تتبلور حينئذٍ فكرة واضحة عن الهدف، وهنا عليك تدوين الكلمات الهامة، والتحقق ذهنياً من الهدف مقابل كل مكون من مكونات الهدف الدقيق "Exact"، وطرح أسئلة على المتدرب تُمكِّنه من تلبية المعايير التالية:

  • واضح (Explicit): إذا كان الهدف يحتوي على نقاط تركيز عدة، فاسأل أي واحدة ستضمن تحقيق جميع العناصر الأخرى، أو ببساطة أي منها يريد المتدرب التركيز عليها لتحقيق هذا الهدف، فالهدف الفعَّال هو عبارة عن بضع كلمات، وله نقطة تركيز واحدة يمكننا تخزينها في الذاكرة دون الحاجة إلى البحث عنها لاحقاً.
  • مثير (Xciting): مُصاغ صياغةً إيجابيةً ومثيرةً للإلهام، عندما يتحدث المتدرب عن رغبته في القليل من شيء ما، فاسأله إذاً: ما الشيء الذي يريد المزيد منه؟
  • قابل للتقييم (Assessable): اطرح أسئلة مثل "كيف ستعرف أنَّك حققت الهدف؟" أو "كيف يمكنك قياس ذلك؟" إذا كان من المستحيل تحديد مقياس ما، ضع بديلاً حاسماً، مثل النسبة المئوية، على سبيل المثال، "أريد زيادة تحفيزي في العمل بنسبة 80٪"، أو مقارنة بالماضي، على سبيل المثال "أريد استعادة نشاطي كما كان في عام 2005".

الأهداف المُحدَّدة في جلسات الكوتشينغ سرية، وقد تتغير خلال سلسلة من الجلسات؛ لذلك ليس من الضروري تحديد مقياس كمي بالكامل كما هو الحال عند تحديد هدف ذكي "Smart" يسعى الفريق إلى تحقيقه.

ولكن كلما كان الإجراء ملموساً، كان الهدف أكثر تحفيزاً؛ لذا فإنَّ الأمر يستحق المثابرة لجعل الهدف قابلاً للقياس قدر الإمكان، وإذا لم يكن من الممكن الحصول على مقياس حقيقي، فيمكنك الاعتماد على النسبة المئوية، مثل "أودُّ زيادة كفاءتي بنسبة 100%"، أو مقارنة، مثل "أودُّ أن أكون مستعداً كما كنت في عام 1996، أو "أن يكون لدي ثقة مثل ثقة جون".

  • مثير للتحدي (Challenging): نحن نميل إلى وضع أهداف ضمن الحدود التي نفرضها على أنفسنا، ولكن يساعدنا الكوتش على الاعتراف لأنفسنا بما نريده حقاً، فطرح سؤال مثل: "هل ترغب في ذلك؟"، هو سؤال مفيد إذا شعرت أنَّ متلقِّي الكوتشينغ يُخفي رغبته الحقيقية؛ لذا احرص أن تطلب من متلقِّي الكوتشينغ بذل المزيد من الجهد، ولا تتحداهم بنفسك تحدياً مباشراً، على سبيل المثال اسأل: "ما الذي تريده حقاً، في عالم مثالي؟" ولا تقل: "يجب عليك تحديد هدف أعلى".
  • مؤطر زمنياً (Timed Framed): يتراوح الموعد النهائي المثالي من 3 إلى 6 أشهر، قد يكون من المفيد أيضاً وضع هدف يتعلق بهدف رئيس موجود خارج هذا الإطار الزمني إذا كان ذلك يناسب متلقِّي الكوتشينغ.

استكشف هذه المسألة بدقة حتى يتمكن متلقُّو الكوتشينغ من اتخاذ قرار مدروس بشأن الفترة المناسبة، ومن المفيد أيضاً تحديد هدف طويل الأمد، على سبيل المثال في غضون الخمس أو العشر سنوات القادمة، على الرغم من أنَّ تركيز الكوتشينغ يجب أن يكون على هدف قصير الأمد، إلا أنَّه يمكن تحقيقه خلال جلسات الكوتشينغ.

في الختام

تحدَّثنا في هذا الجزء عن نظام التنشيط الشبكي، وقارنَّا بين نموذجي الهدف الدقيق (EXACT) والذكي (SMART)، وشرحنا كيفية وضع هدف، وسنتناول في الجزء الثاني الحديث عن الفَرق بين الاستراتيجيات والنتائج، ونستعرض حالة كوتشينغ فردي، ونتطرق إلى كيفية وضع أهداف للفِرق.