أخطاء يقع فيها المدرسون عند إدارة الفصول الدراسية وطريقة تلافيها


عندما كان رجل الأعمال الأمريكي "ستيف جوبز" (Steve Jobs) في الصف الثالث الابتدائي كان طالباً مشاغباً؛ فقد كان يمارس المقالب على زملائه ومدرسيه، وكلما حاولت إدارة المدرسة تصحيح سلوكه من خلال العقوبات، وجد ذلك نوعاً من التحدي وزاد من سلوكه المشاغب.

في هذا الصدد يقول "جوبز": "كنت أشعر بالملل جداً في المدرسة؛ ولذلك كنت طفلاً مشاغباً"، ويشير إلى خطأ الاعتقاد بأنَّ السلوك المشاغب يأتي دوماً من رغبة في خرق القواعد، أو أنَّ الإجراءات العقابية تكون قادرة بشكل فعال على معالجة الأسباب الكامنة وراء سلوك الطالب.

بالنسبة إلى بعض الطلاب يمكن أن يؤدي الإهمال أو سوء المعاملة في المنزل إلى إظهار العدوانية في المدرسة، ويعاني 1 من كل 16 طفلاً من اضطراب المعارض المتحدي أو ما يُعرف باضطراب العناد الشارد وغير ذلك من الاضطرابات، ومثل "جوبز" يشعر معظم الطلاب بالملل في الصف؛ ولذلك يشاغبون ويقومون بالمقالب أو يشوشون على زملائهم.

قد يكون السلوك المشاغب دليلاً صحياً على النمو الطبيعي للطفل اجتماعياً وعاطفياً؛ فعندما يصل الأطفال إلى سن المراهقة يخرجون إلى حدٍ كبير من حالة التبعية للبالغين ويشعرون بانتماء أكبر إلى أقرانهم من المراهقين، وتزداد مهارة التفكير المجرد لديهم ازدياداً كبير؛ وهذا يدفعهم لطرح الأسئلة وتحدي أنماط السلطة التي خضعوا لها خلال فترة الطفولة، وما يبدو خرقاً للقواعد هو في الواقع طريقة الأطفال لاختبار الحدود وتأكيد استقلاليتهم.

في حين أنَّ هذا قد يكون واضحاً بالنسبة إلى المعلمين المخضرمين، إلا أنَّ الأبحاث تُظهر أنَّ برامج تدريب المعلمين ما تزال تركِّز على وضع قواعد صارمة وفرض عقوبات على السلوك السيئ.

قد ينجح ذلك على الأمد القصير، لكن من غير المُحتمل أن يُنتج عنه آثار إيجابية على الأمد الطويل، وسواء كانت عواطفنا تسبب لنا الإرهاق أم أنَّنا نقوم بعادات مألوفة ولكنَّها غير مُنتِجة، إلا أنَّه يمكن القول إنَّه يوجد 7 أخطاء إدارية تقع في الفصول الدراسية، يجب تجنبها واستبدالها بسلوكات صحية بحسب ما تُظهره الأبحاث، وهي:

1. معالجة السلوك الظاهري بدلاً من السبب الكامن وراءه:

على سبيل المثال، إذا كان لدينا طالبان مشاغبان يخرِّبان أثاث المدرسة، فقد يرجع ذلك إلى أسباب مختلفة لكل واحد منهما، ومن ثمَّ فإنَّ الاستراتيجية التي قد تؤدي إلى علاج السلوك المشاغب لدى أحد الطالبين قد تؤدي إلى تفاقمه لدى الطالب الآخر.

يوضِّح الباحثون في دراسة أُجريت عام 2010 أنَّه بدلاً من رد الفعل الانفعالي على السلوك يجب البحث عن الأسباب الكامنة وراءه؛ فمثلاً إذا كان أحد الطلاب المشاغبين يعاني من وضع سيئ في المنزل، فسيتطلب علاجه نهجاً مختلفاً عن النهج المطلوب لعلاج سلوك طالب يتصرف تصرفاً سيئاً بسبب رغبته في نيل إعجاب زملائه. ويضيف الباحثون: "إنَّ تحديد السلوك من خلال مظهره فقط لا يفيد في تحديد سبب حدوثه، وغالباً يؤدي إلى فشل مساعينا في تغييره".

بالنسبة إلى معلمة التربية الخاصة في ولاية "فيرجينيا" (Virginia) "نينا باريش" (Nina Parrish)، فإنَّ معالجة سوء السلوك عادةً ما تتطلب البحث عن أنماط تسبق السلوك وتأتي بعده، كما يجب تحديد مجموعة الأشخاص الذين يحدث أمامهم السلوك السيئ ومتى يحدث هذا السلوك.

في ذلك تقول "باريش": "تساعد هذه السلوكات الطلاب على تجنُّب شيء غير مرغوب به أو الحصول على شيء يتمنونه، وإذا تمكن المعلمون من معرفة أهداف الطالب، فسيتمكنون من معالجة السلوك السيئ بطريقة أكثر فاعلية".

2. افتراض أنَّ سوء السلوك لا علاقة له بمشكلات التحصيل العلمي لدى الطلاب:

غالباً ما يُعتقد أنَّ أسباب سوء السلوك لدى الطلاب ليس لها أي بُعد أكاديمي، لكن تكمن الكثير من الأسباب وراء سوء سلوك الطلاب في ضعف قدرتهم على التحصيل العلمي، وفي إحدى الدراسات، قارن الباحثون الأسباب المختلفة التي تجعل الطلاب يسيئون التصرف، مثل الافتقار إلى الانضباط أو فقدان الحافز أو الرغبة في إبهار زملائهم في الصف.

كانت النتيجة مُفاجئة؛ إذ وجدوا أنَّ 20% من الحالات التي يسوء فيها سلوك الطلاب يمكن أن تُعزى إلى قصور أكاديمي، فإما أنَّ الطلاب لم يستوعبوا المهمة الدراسية أو أنَّها كانت صعبة للغاية؛ وبذلك كان سوء السلوك الطريقة التي يعبِّرون من خلالها عن إحباطهم.

3. تقصي الأخطاء الصغيرة ومحاولة إصلاح أي انحراف:

يعتقد المعلمون الذين تنقصهم الخبرة الكافية أنَّه ينبغي أن يلاحظوا أي تصرف سيئ في الصف ثمَّ يعملوا على إصلاحه، لكن في الواقع، محاولة تقصي وإيقاف كل خطأ مهما كان صغيراً يؤدي إلى تفاقم سوء السلوك على الأمد الطويل، فقد وجدت إحدى الدراسات أنَّ توجيه تنبيه للطالب عندما لا يكون منتبهاً للمدرِّس أو عندما يتحدَّث مع زميله همساً في أثناء الدرس، يقلل من شعور الطالب بالانتماء إلى الفصل الدراسي؛ وهذا ما يؤدي إلى المزيد من المشكلات السلوكية لاحقاً.

يُشير الباحثون في هذه الدراسة إلى أنَّ بعض المدرسين قد يقومون دون قصد باتباع أحد أنماط التعزيز السلبي التي تؤدي إلى تفاقم السلوك السيئ للطالب، وتخلص الدراسة إلى أنَّه من المحتمل أن يلجأ الطالب إلى سلوك انسحابي - الانسحاب من المواقف الاجتماعية واللجوء إلى العزلة - عندما يتم توبيخه بسبب عدم انتباهه، ويشعر بالغضب بدلاً من الاستجابة للتنبيه والتركيز على التعلُّم.

4. عقاب الطالب بجعله يقف ووجهه إلى الحائط:

أظهرت إحدى الدراسات أنَّ عقاب الطالب بجعله يقف قبالة الحائط وحده قد يسبب له شعوراً بالخجل أو الإحراج، ويضعف علاقة المدرِّس بالطالب الذي تنخفض ثقته بنفسه، وهذه الثقة مطلوبة لإنجاح عملية التعليم.

يقول الباحثون: "يكافح الأطفال في المدارس ليشعروا بالتقدير في ظل المنافسة فيما بينهم ليكونوا محبوبين ويحصلوا على درجات جيدة، بالإضافة إلى تفاوت الأوضاع الاجتماعية، لكن عندما يجعلهم البالغون يعتقدون بأنَّهم غير هامين، فإنَّ تقدير الذات والثقة بالنفس وهما المكونان الأساسيان للاستقلالية السوية يتم تقويضهما".

في مدرسة "فول هاميلتون" (Fall_ Hamilton) الابتدائية في مدينة "ناشفيل" (Nashville) بولاية "تينيسي" (Tennessee) في "الولايات المتحدة الأمريكية" (USA) كل صف دراسي فيه زاوية سلام، وبدلاً من عقاب الطالب بالوقوف قبالة الحائط، فإنَّه يُطلب منه الجلوس في هذه الزاوية حتى يهدأ ويعيد ترتيب وتنظيم أفكاره ومشاعره.

يصف مدير المدرسة "ماثيو بورتيل" (Mathew Portell) هذه الطريقة بأنَّها وسيلة للطلاب ليعززوا قدراتهم في ضبط النفس عند الغضب وإدراك ما يجب فعله عند الشعور بالإحباط، بخلاف الوقوف في زاوية الصف قبالة الحائط الذي يُنظَر إليه بوصفه عقوبة، ويستخدم جميع الطلاب زاوية السلام، وبإمكانهم الذهاب إلى هناك بأنفسهم، طبعاً في حدود المعقول؛ لذلك ما من شيء يدعو الطالب ليشعر بالإحراج.

تنتشر كثيراً وبشكل فعال النشاطات في جميع أنحاء المدرسة لمساعدة الطلاب على تعلُّم مهارات تنظيم الذات، من تمرينات التنفس إلى الرسم البياني الذي يساعدهم على التفكير في الخيارات التي اتخذوها والخيارات الأفضل التي يمكنهم اتخاذها في المستقبل.

5. التشهير بالطلاب المشاغبين:

إحدى الطرائق الهدامة لكن واسعة الانتشار هي التشهير بالطلاب المشاغبين أو الذين يخرقون قواعد المدرسة، وقد سلَّطَت إحدى الدراسات الضوء على أمثلة عدة: مثلاً، في إحدى المدارس التي شملتها الدراسة توجد لوائح على الجدران مدوَّن عليها أسماء الطلاب الذين عوقبوا في غرفة الحجز، وفي مدرسة أخرى يكتب المدرِّسون أسماء الطلاب المشاغبين على السبورة، أو يستخدمون الملصقات ذات الرموز الملونة كنظام لتسجيل النقاط، فالأحمر للسلوك السيئ والأزرق للسلوك الجيد.

تُسجَّل غيابات الطلاب وتأخرهم عن الفصول الدراسية من خلال التدوين على الألواح المعلَّقة على الجدران؛ وهذا يؤدي إلى إلحاق أذى نفسي بالطلاب بسبب نشر درجاتهم المنخفضة في الاختبارات بشكل علني، ويؤكِّد الباحثون أنَّ إجراءات التشهير هذه تفشل في منع السلوك السيئ في المستقبل، وقد تؤدي إلى تعزيزه، ويقترح الباحثون أنَّه يجب عدم استدعاء الطلاب علناً؛ بل التحدُّث معهم على انفراد وتشجيعهم على التفكير في الخطأ وسببه وتحمُّل مسؤولية تصحيحه.

6. توقع الامتثال للقوانين دون إظهار التعاطف:

من العبث أن يُطلب من الطلاب الامتثال لقواعد وقوانين المدرسة دون التفاعل معهم عاطفياً، فسيتمردون ويسيئون السلوك أو يتصارعون فيما بينهم على النفوذ والمكانة.

في المقابل، تتطلب الإدارة الجيدة للفصل الدراسي بناء علاقة قوية أساسها الثقة والتعاطف، فالإدارة الناجحة للفصل الدراسي لا تعني السيطرة على الطلاب أو مطالبتهم بسلوك مثالي، وهذا ما أوضحه الباحثون في إحدى الدراسات، وقد أضافوا أنَّ الإدارة الجيدة تعني دعم الطلاب حتى يتمكنوا من إدارة أنفسهم خلال التعلُّم والنشاطات المدرسية اليومية.

يجب أن يركِّز المعلمون على الاستراتيجيات الاستباقية، مثل التحيات الإيجابية عند الباب، وبناء العلاقات الهادفة والعمل على تنميتها والحفاظ عليها، والمشاركة في وضع قواعد الفصل الدراسي مع الطلاب، وامتلاك كاريزما إيجابية لمساعدة الطلاب على تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية التي يحتاجونها من أجل ضبط سلوكهم.

7. عدم تحقق المدرِّسين مما إذا كان لديهم تحيزات:

تُظهر عشرات الدراسات أنَّ المعلمين في المدارس الغربية ينظرون عن غير قصد إلى الطلاب الملونين على أنَّهم أقل قدرةً على الاستيعاب من أقرانهم ذوي البشرة البيضاء وأكثر عدوانيةً منهم؛ ولذلك قد يطبِّقون القواعد بطريقة فيها محاباة، وهذا يضعف مناخ الثقة ويدمِّر العلاقات.

على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أنَّ المدرسين غالباً ما يسرعون في إرسال الطلاب ذوي البشرة الملونة إلى مكتب الناظر بعد توجيه عدد قليل من التنبيهات لهم؛ وذلك بخلاف الطلاب البيض الذين يتروى المدرسون قبل إرسالهم إلى مكتب الناظر.

يمكن لمثل هذا الإجحاف الواضح أن يساهم في نشوب أزمة ثقة لدى الطلاب الملونين؛ إذ كتب الباحثون في إحدى الدراسات: "كان الطلاب الأمريكيون من أصل أفريقي أكثر شعوراً بأنَّه يتم معاملتهم بطريقة عنصرية فيما يتعلق بالقرارات التأديبية في المدرسة، ومع تفاقم هذا الشعور، فإنَّ مناخ الثقة في المدرسة أصبح مُهدداً؛ وهذا ما أدى إلى فجوة ثقة كبيرة في الصف السابع"، فقد أدى هذا إلى المزيد من مشكلات الانضباط، وأدى أيضاً إلى فقدان الطلاب الملونين الاهتمام بالتقدم إلى الكلية.

في الختام:

يمكن للمدرسين اتخاذ بضع خطوات للقضاء على التحيز التأديبي من خلال إدراك تحيزاتهم الضمنية التي لا يشعرون بها وتطبيق مراجعة لجميع الإجراءات التأديبية التي يسنونها، لمعرفة ما إذا كان ثمة أخطاء يمكن تلافيها، وفي هذا السياق يقول "أندرو فورد" (Andrew Ford) وهو محلل بيانات في قسم التعليم بمدينة "نيويورك" (New York): "لا يعود الأمر للمعلمين وحدهم، فمع الاحتجاجات على مستوى البلاد المتعلقة بالعدالة العرقية، من الضروري أن تتخذ المدارس خطوات لمراجعة نفسها وتحديد السياسات التي تساهم في العنصرية المؤسساتية ومن ثم علاجها".

يقترح "فورد" أن تتبنى المدارس نهج تكافؤ البيانات، وتنطلق من هذه النقطة لدراسة اختلاف الفرص والنتائج والبيئات باختلاف الأعراق، ومن ثمَّ تحاول المدرسة معرفة ما إذا كانت مجموعات بعينها مستهدفة بشكل غير عادل من خلال الإجراءات التأديبية، وهل تؤدي الإجراءات التأديبية إلى النتائج المرجوة، وفي حال كان الجواب بالنفي، فلماذا؟