أسلوب البحار للتكيف مع الحياة بعد الإغلاق


يُشبه الخروج من حالة الإغلاق والعودة إلى حياتنا العملية تجربة البحَّارة عند العودة من البحر إلى حدٍّ بعيد؛ إذ لا بُدَّ من إجراء بعض التعديلات، وربما تغييرات في حياتك اليومية.

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة هانا برينس (Hannah Prince) والذي تحدثنا فيه عن كيفية العودة إلى الحياة الطبيعية بعد انتهاء الإغلاق الذي فُرِض علينا بسبب جائحة كورونا. 

لقد تحدثنا في أثناء التفكير في هذه الفترة المضطربة إلى البحَّارة المحترفة بيب هير (Pip Hare)، وقد زودتنا ببعض النصائح المفيدة لمن يجد صعوبة في العودة إلى الحياة الطبيعية بعد جائحة فيروس كورونا (coronavirus pandemic).

في الآونة الأخيرة، عملت شركة إن سايتس (Insights) مع البحارة العالمية المحترفة التي جالت وحدها حول العالم "بيب هير"، والتي تتطلع إلى المنافسة في مسابقة الإبحار الفردي الأكثر إرهاقاً في العالم "فيندي جلوب" (Vendee Globe) في تشرين الثاني.

بعد أن تحدثت إلى "بيب" عن تجربتها، فكرت بشكل أعمق في الصفات المطلوبة لتكون بحَّاراً متفرداً؛ إذ يجب أن تتمتع بشخصية قوية كي تستطيع قضاء أشهر بعيداً عن أحبائك مع القليل من الاتصال بالعالم الخارجي في ظروف خطرة؛ ومن ناحية أخرى، يتطلب التواجد في أماكن نائية أن يتَّحد الشعور بالضعف مع التجربة، فتكون نتيجة ذلك استيعاب أنَّها مجرد لحظة عليك الاستمتاع بها، وغنيٌّ عن القول: إنَّ العودة إلى الحياة الطبيعية أمر صعب للغاية.

رغم أنَّ تجاربنا قد لا تكون بمستوى صعوبة الإبحار، وقد لا يكون لدينا خيار الإغلاق أو الحجر الصحي، إلَّا أنَّ هناك دروساً يمكن أن نتعلمها من رياضيين مثل "بيب" في كيفية تعاملها مع العودة إلى الحياة اليومية بعد فترة طويلة من العزلة، وقد يساعدنا هذا في العثور على "الوضع الطبيعي التالي" تدريجياً، لا سيَّما في مكان العمل.

التعامل مع مشاعر الإرهاق

إنَّه لمن الطبيعي أن يشعر البحَّارة المنفردون بالإرهاق عند محاولتهم استئناف حياتهم الطبيعية، وقد أخبرتني "بيب" أنَّها وجدت إدارة التوتر على القارب أسهل منه على الأرض بسبب وجود الناس ومزيد من المتغيرات؛ إلَّا أنَّها تتدبَّر هذا الأمر من خلال مشاركة تجربتها مع الآخرين ومنح نفسها الوقت الكافي لممارسة الرياضة والتفكير بمفردها؛ حيث تضع استراتيجيات تهدف إلى إعادة خلق مشاعر العزلة، من خلال الجري والتأمل لمدة خمس دقائق في كل مرة.

ورغم أنَّ الكثير منا ربما كان يتطلع إلى العودة إلى العمل، فقد يكون الأمر مربكاً عند الانتقال من الوضع الذي نكون فيه بمفردنا أو حول عدد قليل من الناس إلى الوضع الذي نكون فيه محاطين بالناس في كل مكان؛ لذا، كن واقعياً بشأن ما يمكنك القيام به ومن ستتمكن من رؤيته، وتذكر أن تتصرف برويَّة وتدع الآخرين يعرفون ما إذا كنت تعاني، وجرِّب تقنيات مثل التأمل أو ممارسة الرياضة لتقليل الإرهاق؛ فعلى سبيل المثال: قد يساعدك التأمل إذا كان عليك السفر الآن في قطار مزدحم بعد عدة أسابيع من العزلة.

التحسُّر على فقدان ما كان لديك

إنَّه لمن الطبيعي أن يشتاق البحَّارة المحترفون إلى قسوة المحيط، ولكنَّهم يتعاملون مع هذا الأمر بعدة أساليب، بما في ذلك استخدام الصور كوسيلة لتذكيرهم بالبحر؛ حيث يُعدُّ التخيل أمراً هاماً بالنسبة إلى "بيب" لأنَّه يساعدها على تخفيف حدة الشوق والحنين، كما أنَّها تستخدم الموسيقى لتجديد المشاعر تجاه المحيط.

في عالم ما بعد جائحة كورونا، ربما استمتع بعضنا بالفعل بالوقت الذي استخدمناه للتركيز على ما نريده والتفكير في العديد من جوانب حياتنا، وقد يشتاق بعضنا الآن إلى المظاهر المرتبطة بالإغلاق؛ لذا تعامل مع هذا الأمر كأنَّه درس تتعلم منه، وفكر: هل توجد بعض الأشياء التي يمكننا الاستمرار في القيام بها أو أخذها معنا إلى عالمنا الجديد؟ كيف يمكننا إيجاد أساليب لتخيل وإعادة إحياء المظاهر الإيجابية للإغلاق؟

الشعور بفقدان الهدف

إنَّ حقيقة الإبحار الفردي قاسية، ويوجد فيها خطر على الحياة؛ وبالنسبة إلى "بيب"، لا يتعلق السباق بالحصول على الثناء والتقدير، حيث تقول: "لا توجد الكثير من الفرص في حياتك تتيح لك التركيز على شيء واحد، حيث أصبح التركيز الشديد على هدف واحد امتيازاً في عالمنا الحديث. أُحب أن أفاجئ نفسي بهذه الطريقة وأثبت أنَّني قادرة على حل أي مشكلة".

مقارنةً بهذا، قد تبدو الحياة الطبيعية مملة وتفتقر إلى الهدف؛ إذ تحرص "بيب" في كل مرة تُنهي فيها السباق على أن يكون لديها هدف آخر تعمل من أجله على الأمد القصير لتجنب كآبة ما بعد السباق.

بينما قد يتحمس بعض الناس للعودة إلى العمل، قد لا يرغب بعضهم الآخر في العودة إلى الحياة التي تنطوي على المنافسة الشديدة في سوق العمل؛ لكن بمجرد انتهاء الإغلاق، بدلاً من الشعور باليأس بسبب عودتك إلى أسلوب حياتك السابق، فلماذا لا تستخدمه كفرصة للابتكار وإحداث تغيير إن لم تكن الأمور تسير على ما يرام، سواء في العمل أم في بقية حياتك؟ هل يوجد تحدٍّ أو هدف جديد يمكنك السعي إلى تحقيقه؟

التأمل

خصص بعض الوقت للتفكير في الدروس التي تعلمتها خلال فترة الإغلاق وكيف يمكنك نقل هذه الدروس إلى مكان العمل، إذ ستتمكن من إجراء أي نوع من التغيير فقط من خلال العمل على إدراك الذات، ويمكنك أن تسأل نفسك الأسئلة الآتية:

  • كيف قضيت وقت فراغي في أثناء الإغلاق؟ كيف كانت تجربتي في ذلك؟ هل أدَّت إلى زيادة النشاط، أم إلى استنزاف الطاقة، أم إلى إثارة التفاعل؟
  • ما طبيعة علاقاتي مع الآخرين في العمل؟ هل تغيرت؟ هل وجدت مزيداً من الود رغم بُعد المسافة؟
  • لدينا قدر محدود من الطاقة والوقت من الناحية الواقعية، فما الذي أريد المضي قدماً فيه والاستمرار في القيام به مع تكريس وقتي وطاقتي مع ظهور طرائق عمل اعتيادية جديدة في العمل؟

تأكد من استخدام هذا التفكير لوضع بعض الطاقة في الحياة العملية اليومية، فربما يكون التغيير الذي تسعى إليه هو الحصول على مؤهل جديد، أو طلب مشروع جديد مليء بالتحديات، أو إعادة التفاوض على ساعات عملك.

قد يكون الأمر في بعض الحالات بصعوبة الشروع في تغيير الوظيفة؛ لكن مع ذلك، احرص على قضاء الكثير من الوقت في التفكير قبل القيام بذلك.

التكيف تدريجياً مع الوضع الطبيعي الجديد

رغم أنَّه قد يكون من الصعب التكيف مع الحياة الطبيعية بعد حدث فيندي جلوب (Vendee Globe)، إلَّا أنَّني أرى "بيب" تجتهد وتنمو، سواء كان ذلك من خلال الإبحار الفردي أم الجري أم الطَهو أم التدريس.

يمكننا تعلم الدروس من هذا؛ ولكن مع تركيزنا على كيفية قضاء أيامنا وسط جائحة كورونا والإغلاق، ربما لم نفكر فيما سيحدث بعد ذلك، وقد نشعر بالشك والحيرة لبعض الوقت بينما نكتشف جميعاً كيف سيبدو الوضع الطبيعي الجديد.

لكن، يمكننا ضبط هذا الأمر من خلال التركيز على المجالات التي لدينا بعض التأثير فيها، والنظر في إجراء تغييرات صغيرة تدريجياً، وإعداد خطط مرنة من أجل عملنا وحياتنا بوجود أساس متين للوعي الذاتي العميق.