تأثير التلعيب في الدماغ
نحن نعيش في عصر الألعاب، وقد نشأ الشباب اليوم على ممارسة الألعاب يومياً، ومنها ألعاب الفيديو وألعاب تبادُل الأدوار والألعاب عبر الإنترنت القائمة على المكافآت، بالإضافة إلى ذلك لقد أدى التقدُّم في التكنولوجيا إلى تغيير التفاعلات الاجتماعية، وفترات الانتباه إلى حدٍّ جعلَ المعلمين والمدربين والمشرفين يرون أنَّ أساليب التعلُّم التقليدية لم تَعُد مُجديَة.
لا عجبَ أنَّ المزيد من المدربين يتَّجهون إلى الأساليب التي تركز في المشاركين مثل التلعيب (Gamification) لإدماج الجمهور وتحسين النتائج.
ما هو التلعيب؟
بكل بساطة يُعَدُّ التلعيب نهجاً تدريبياً يضيف عناصر الألعاب والتعلُّم عبر الإنترنت إلى فصلك التدريبي لزيادة إدماج المشاركين وتسليتهم، وبدلاً من التعليم من خلال خطط الدروس والمحاضرات، يتعلَّم الأفراد من خلال الألعاب التفاعلية والاختبارات والنشاطات، والهدف هو بناء بيئة تعليمية ممتعة ومُجزية تعزز الاندماج وتبني المهارات وتزيد من الاحتفاظ وتحسِّن نتائج الأداء.
هل ينجح التلعيب بحق؟
توجد الكثير من الأبحاث التي تُوضِّح أنَّه عند استخدام التلعيب بصورة صحيحة، يمكن أن يكون فعَّالاً للغاية، وفي إحدى الدراسات وضع الباحثون نظام علامات لنشاطات يومية مختلفة لقياس مستوى اندماج الطلاب عند استخدام التلعيب في الفصل الدراسي، وأظهرَ البحث بوضوح وجود صلة بين الأجواء التي تتضمن الألعاب في الفصل وزيادة الإنتاجية.
قاست دراسة أخرى فاعلية استخدام ألعاب الفيديو لتعليم الطلاب المصابين بالتوحُّد، وأظهرَت النتائج مرة أخرى أنَّ التعليم باستخدام التلعيب أدى إلى تحسين المشاركة والنتائج.
علم الدماغ وعلاقته بأسلوب التلعيب:
توجد أسباب بيولوجية لمثل هذه النتائج، إذ يتعلق الأمر بطريقة تلقي الدماغ للمعلومات الجديدة ومعالجتها، وكيف تؤثر سيناريوهات اللعبة في تلك الوظائف. دعنا نلقي نظرة على علم الدماغ وعلاقته بأسلوب التلعيب.
1. تقسيم المحتوى لتعزيز الاحتفاظ بالمعلومات:
يستخدم الدماغ البشري قناتين من الذاكرة العاملة، وهما القناة البصرية والقناة السمعية؛ لمعالجة البيانات الجديدة، وعندما تعمل كلتا القناتين يمكن لذاكرتنا التعامل مع المزيد من المعلومات الجديدة على الأمد القصير، ومع ذلك عندما نُعطَى الكثير من المعلومات دفعة واحدة، فإنَّ الذاكرة طويلة الأمد تجد صعوبة في تخزينها؛ لذلك فإنَّ إحدى الحيَل لتحقيق أقصى استفادة من قوة معالجة الدماغ هي وضع برامج تدريبية تستخدم المحفزات السمعية والبصرية في أجزاء قصيرة.
تُوفِّر معظم أشكال الألعاب - سواء كانت جماعية أم عبر الإنترنت - فرصاً مثاليةً لاستخدام المحتوى البصري والسمعي معاً في بنية منظَّمة من أجزاء أصغر، وسيؤدي هذا إلى بيئة تعليمية ممتعة ومُجزيَة تعزز المعرفة على الأمد القصير وتعزز الاحتفاظ على الأمد الطويل.
2. تحفيز التعلُّم من خلال التغذية الراجعة:
بالتأكيد لا يمكن الاستيعاب والاحتفاظ إلَّا إذا بقي الدماغ مندمجاً بنشاط طوال عملية التدريب، ويمثِّل إرهاق الدماغ مشكلة حقيقية في أيَّة بيئة صفيَّة، وتُعَدُّ الألعاب مناسبةً تماماً لمساعدة المتعلمين على التغلُّب على هذه المشكلة، وتوفِّر عناصر الألعاب - مثل استكمال التحديات بنجاح أو كسب المكافآت - التغذية الراجعة الفورية التي يحتاج إليها المتعلمون للبقاء متحفزين ومندمجين.
بالمثل توفِّر الألعاب الجماعية تغذية راجعة اجتماعية وفكرية تُنشِّط الناقلات العصبية للدماغ وتعزز مرونته؛ ونتيجةً لذلك يصبح المتعلمون أكثر انفتاحاً على تغيير طريقة تفكيرهم وتقبُّل الأفكار الجديدة، كما يُعَدُّ المشاركون الذين يتلقون تغذية راجعة اجتماعية أقل عرضة إلى الانسحاب أو الملل في أثناء التدريب. تشير الأبحاث إلى أنَّ التفاعلات الاجتماعية تقلل الالتهاب والإجهاد التأكسدي على الدماغ؛ ممَّا يسمح للدماغ بالبقاء في حالة نشاط واندماج.
3. الاندماج المستمر المُجزي:
بالطبع أكبر سبب في حبنا للألعاب هو أنَّها ممتعة، وهذا أيضاً سبب بيولوجي، وحتى الألعاب التعليمية تنشِّط مركز المتعة في الدماغ من خلال إطلاق الدوبامين؛ إذ تُظهِر الدراسات التي أُجريَت على تأثيرات ألعاب الفيديو في الدماغ أنَّ الدوبامين يؤدي دوراً كبيراً في تحفيز الحُصين؛ ممَّا يساهم في اكتساب وتخزين مهارات ومعلومات جديدة.
الأهم من ذلك أنَّه غالباً ما تنعكس المتعة التي يحصل عليها المشاركون من كسب التحديات على التعليم وبيئة التدريب أيضاً، وعندما يغادر المشاركون مع شعور إيجابي بتجربة التدريب، فمن المُحتمل أن يُقدِّروا المعلومات التي يتلقونها ويحتفظون بها، وأن يتحمسوا أكثر إلى فرص التدريب في المستقبل.
في الختام:
مثل أي أسلوب تدريب يركز في المشاركين، يُعَدُّ التلعيب إحدى أدوات التدريب الخاص بك، وسواء كان ذلك مناسباً للفريق الذي تدربه أم الموضوع الذي تقدمه فالقرار عائد إليك، لكن لا شك أنَّ التلعيب يُقدِّم فوائد كبيرة للمتعلمين فيما يتعلق بالاندماج والتحفيز والاحتفاظ بالمعلومات، وكلها ضرورية لتحسين نتائج التدريب، وسيكون هذا مكسباً لك ولفريقك وللمنظمة كلها.