تدريب المدربين: التعامل مع المشاركين صعبي المراس - الجزء الأول
لأنَّك مُدرِّب؛ سيتعيَّن عليك تقديم تدريب جذَّاب ومفيد، وكما يَعلَمُ جميع المدرِّبين أصحاب الخبرة، يُمكِنُ لمشارِكٍ واحد صعب المراس التأثير في ذلك؛ لذا لنُعرِّف أولاً المشارك صعب المراس.
مَن هو المشارِك صعب المراس؟
يتعلَّقُ التدريب بإضافة قيمة إلى المشاركين ومؤسستك عن طريق تطوير معارفهم ومهاراتهم وسلوكاتهم، ويجبُ أن يتمتَّعَ المشاركون بتجربةٍ تعليميةٍ مُجزيَة، وقد صمَّمتَ تدريبك لتحقيق ذلك، لقد حدَّدتَ وأخذتَ في الحسبان أهداف التعلُّم وفكَّرتَ في آلية سير البرنامج التدريبي حيث يكون سلساً ومتماسكاً، وقد صمَّمتَ أيضاً نشاطات متنوعة للحفاظ على التدريب جذَّاباً ومُفيداً. المشارك صعب المراس هو المشارِك الذي يعوق أو يمنع كل ما وردَ أعلاه عن قصد أو عن غير قصد؛ إذ يُقلِّلُ المُشارِك صعب المراس من تأثير التدريب في المشاركين الآخرين ويُقلِّل من عائد الاستثمار في مؤسستك.
قد يكون جميع المشاركين صعبي المراس، ويرجع هذا إلى مجموعة متنوعة من العوامل، بدءاً بظروف التدريب إلى تصميم التدريب، ومن شخصيات المشاركين إلى ظروفهم، وكلنا نمرُّ بظروف عصيبة، ومع ذلك - لحسن الحظ - يندر أن تصادف مشاركاً مُخرِّباً، وعلى أي حال يُمكِنُكَ تقليل المخاطر الناجمة عن التعامُل مع مشاركين صعبي المراس قبل بدء التدريب؛ وذلك عن طريق بعض الخطوات البسيطة:
1. التعرُّف إلى المشاركين:
إذا كنتَ تُقدِّم التدريب داخلياً، فاحصلْ على قائمة بالمشاركين مقدماً وتحدَّث إلى مديرهم؛ وبذلك يُمكِنُكَ معرفة آلية سير التدريب، ومعرفة المشاركين وخبراتهم واحتياجاتهم وسلوكاتهم.
إذا كانَ أحدُهم من النوع الساخر أو الهادئ أو الثرثار، فقد يُشيرُ المدير إلى ذلك، أو اطرح سؤالاً مباشراً: "هل يُوجَدُ مشاركون عليَّ الحذر منهم؟" يُمكِنُكَ أيضاً تشجيع المدير على التحدُّث إلى المشاركين لإقناعهم بضرورة التدريب وفوائده، وإذا كانت لديك فرصة لمقابلة المشاركين قبل الجلسة، فاغتنِمها، وأَعطِهم انطباعاً عن شخصيتك، وأَقِم علاقة وديَّة معهم قبل دخولهم غرفة التدريب.
قدِّم نفسك واكتشِف ما يتوقعونه من التدريب وحدِّد توقعاتهم "لسوء الحظ عليك تغيير بعض السلوكات"، أو أجرِ محادثة قصيرة لبضع دقائق، وكونك مُدرِّباً فيُوجَدُ فارق كبير بين أن تَدخُلَ غرفة يُوجَدُ فيها عشرة غرباء "لا تعرف ما يريدون"، أو تَدخُل غرفة يُوجَدُ فيها خمسة غرباء وخمسة أشخاص تعرفهم سابقاً "الذين عرفتَ توقعاتهم سابقاً".
2. تصميم برنامج تدريبي يحترِم المشاركين ويدمجهم في التدريب:
استفِد من المعلومات التي حصلتَ عليها من المدير لصناعة محتوى مناسب وذي صلة ويُثيرُ التحدي في نفوس المشاركين؛ بذلك يُمكِنُكَ تقليل احتمالية وجود مجموعة واسعة من سلوكات المُشاكسة أو التخريب من الملل إلى الإحباط إلى الصعوبات.
احرَصْ أيضاً على أن يحترم تدريبك مجموعة الشخصيات وأنماط التعلُّم، وامنحْ المشاركين الفرصة للتفكير والمساهمة كأفراد وجماعات، وخطِّط لأوقات تتَّسم بالنشاط والحيوية وأوقات تتَّسم بالهدوء حتى يستفيد كل من الاجتماعيين والانطوائيين، وقد لا يستمتع الجميع بالعصف الذهني والمناقشات، فخُذ في الحسبان متى يكون المشاركون في ذروة نشاطهم وصمِّم تدريبك بناءً على ذلك؛ على سبيل المثال بعدَ الغداء، هل ستنشط المجموعة من جديد أم تمنحها بعض الوقت للتفكير في التدريب الصباحي؟
3. توقُّع الأسئلة ونقاط التعلُّم الصعبة ومجالات المقاومة المُحتمَلة:
إذا كان هذا حلاً تدريبياً جديداً، فاكتبْ جميع الأسئلة التي ترجو أن يطرحوها، والتي تعلَمُ أنَّهم سيطرحونها، والتي لا تريد أو تخشى أن يطرحوها، ثم فكِّر في إجاباتك، وتدرَّب على إجاباتك بصوتٍ عالٍ واحرصْ على أن تكون إجاباتك مُوجَزة وفي صلب الموضوع وصادقة، وكونك مُدرِّباً، فلديك الكثير من المعرفة والخبرة، لكنْ قد يكون تجميع كل هذا في إجابة واضحة ومُوجَزة أمراً صعباً.
إذا كنتَ قد قدَّمتَ تدريباً من قبل، فأنت تعرف المجالات التي تُثير الأسئلة أو المناقشات، ومرَّة أخرى؛ فكِّر مليَّاً فيما تُريدُ أن تقوله، وكيفَ تريدُ أن تقوله، وكم من الوقت تريدُ أن تُخصِّصَ لكل موضوع.
4. تحديد المشكلة والاستعداد للتعامل معها:
حافِظ على البعد الإنساني في برنامجك التدريبي؛ إذ يُمكِنُ للظروف المحيطة بالتدريب أن تؤثِّر في السلوكات ولا بدَّ أن تُؤثِّرَ فيها، وإذا كانت المنظمة تمرُّ بتغيير أو إعادة هيكلة أو تسريح موظفين أو اندماج مع منظمة أخرى، فعليك أن تتوقَّعَ أن يؤثِّرَ ذلك في المواقف والسلوكات. ربما لا يُمكِنُكَ التأثير في هذه الظروف، لكنْ يُمكِنُكَ إدراكها والاستعداد للمقاومة المُحتمَلة أو عدم الاندماج من قِبَل المشاركين في برنامجك التدريبي.
5. إعادة صياغة الطريقة التي ترى بها المشاركين صعبي المراس:
تقبَّل التحدي المُتمثِّل في صعوبة مراس المشاركين؛ إذ يتعلَّقُ التدريب في جوهره بالأشخاص، ونتعلَّمُ المزيد عن العمل مع الأشخاص من المواقف الصعبة أكثر من المواقف السهلة، ويجب أن تنظرَ إلى اندماج المشاركين والتحديات التي يثيرونها على أنَّه أمر مفيد، ويجبُ أن يُخبِرك المشاركون عن الصعوبات التي يواجهونها في أثناء التدريب وليس بعده، وعليك السماح للمشاركين بالتصرُّف على طبيعتهم، وإذا واجهتَ مشاركاً صعب المراس، فعُدَّ هذا لحظة تعلُّم وتقبَّل الموقف وركز في المشاركين الآخرين الذين يريدون التعلُّم.
6. تحديد التوقعات المشتركة:
يُعَدُّ وضع القواعد الأساسية والاتِّفاق عليها والتوقعات المشتركة أمراً ضرورياً، ويمنحُكَ هذا أنت والآخرين إطار عمل لمحاسبة بعضكم بعضاً، وإجراء محادثات صعبة مع المشاركين الصعبين حول المواقف الصعبة، ويَفعَلُ المدرِّبون المُتمرِّسون ذلك بطبيعتهم، ولكلِّ مدرِّب أسلوبه الخاص، ولكنَّ الأساس الذي تحتاج إلى الاتِّفاق عليه هو:
- التوقيت "البدء والانتهاء والاستراحات ومدتها": ينسى ذلك حتى أكثر المدربين خبرة، لكنْ يريدُ المشاركون معرفة ما يُمكِنُ توقُّعه، ولست بحاجة إلى تقييد نفسك بجدول زمني إذا كنت لا ترغب في ذلك، لكنْ من المجدي إخبارهم بأنَّ موعد استراحة الغداء هو تقريباً الساعة 12:30.
- أجهزة الكمبيوتر المحمولة مفتوحة أو مغلقة أو في الحقائب: تُمثِّلُ الهواتف المحمولة أكبر مشكلة للمدرِّب، فعندما يتلقى أحد المشاركين مكالمة في أثناء التدريب، يتأثَّر جميع المشاركين. النهج الذي يُمكِنُ استخدامه في هذه الحالة هو:
- وضع الهواتف المحمولة على الطاولة.
- أو في وضع صامت.
- أو في الحقائب، ويمكن استخدامها في الاستراحة فقط.
- الرد على المكالمة، لكنْ يجب مغادرة الغرفة قبل البدء بالتحدُّث.
إليكَ بعض النصائح لمواجهة استخدام الهاتف المحمول في أثناء التدريب:
- امزحْ وقُلْ على سبيل المثال: "هل يتوقَّع أي منكم ولادة زوجته؟ لا، حسناً في هذه الحالة، هل نحتاج حقاً إلى تشغيل هواتفنا؟"
- قل بصراحة: "ضعوا هواتفكم المحمولة على الوضع الصامت وفي حقائبكم "وليس جيوبكم"، ويُمكِنُكم التحقُّق منها في الاستراحة، وإذا كانَ هناك شيء طارئ حقاً، يعرف زملاؤك مكانك وكيفية العثور عليك، وإذا لم يتكلفوا عناء الحضور إلى غرفة التدريب، فهذا يعني أنَّ الأمر غير طارئ".
- أَنشِئ صندوقاً يضع فيه كل من يردُّ على مكالمة مبلغاً من المال.
- اخترْ مكاناً للتدريب لا تُوجَدُ فيه تغطية للهاتف المحمول.
إذا لم يكُن أيٌّ مما سبقَ مقبولاً، فعليك على الأقل إبرام اتِّفاق حيث يغادر الأشخاص غرفة التدريب باحترام عندما يريدون التحدُّث على الهاتف.
- اتَّفِق معهم على أساليب التواصل عندما يكون موضوع التدريب مثيراً للجدل أو صعباً، فمن الهام تخصيص بعض الوقت للاتِّفاق على أساليب التواصُل المُتوقَّعة؛ على سبيل المثال: عدم المقاطعة، وطرح الأسئلة بهدف التعلُّم وليس إظهار المعرفة وفي حال وجود شيء غير واضح فقط، وأَنهِ الجلسة بطرح أسئلة توضيحية مرة أخرى وما إلى ذلك.
يُتيحُ لك الاتِّفاق على القواعد الأساسية كمدرِّب الرجوع إلى التوقُّعات المُتَّفق عليها وإجراء محادثات صعبة بأمان، وبالطبع تكون جميع الأساليب المذكورة أعلاه أكثر قوة عندما يختارها المشاركون في التدريب بأنفسِهم، ويُتيحُ ذلك للمشاركين مُساءَلة بعضهم بعضاً وتحمُّل المسؤولية لضمان نجاح التفاعُل فيما بينهم، ويُمكِنُكَ أن تتوقَّع أنَّ الزملاء يُمكِنُهم تنظيم سلوكاتهم بأنفسهم إلى حدٍّ ما.
7. إضفاء بُعد إنساني على التدريب:
الخطوة الأخيرة هي ألَّا تتعاملَ باستعلاء مع المشاركين؛ لأنَّ ذلك سيؤدي إلى مقاومة غير ضرورية وسلوكات صعبة؛ مثل محاولة المشاركين إثبات خطأ ما، أو رفض الرسائل التي تُوجِّهها إليهم لأنَّهم يرفضون مصداقيتك، أو محاولة إظهار أنَّهم يعرفون المزيد.
أنتَ المدرِّب وأنتَ إنسان، فاستخدِم هذا لبناء المصداقية والثقة منذ البداية وتقليل مخاطر السلوكات الصعبة التي تُعرقِلُ التدريب، وشارِك تجربتك وابنِ مصداقيتك وأَظهِر أيضاً أنَّك تعرف أنَّه من الصعب في البداية التعامُل مع التفاصيل.
إذا كنتَ تُقدِّم تدريباً على المهارات الناعمة أو خدمة العملاء أو على القيادة، فتجنَّب تقديم نفسك كمثال يُحتذى به، واستفِد من القصص ذات المغزى، وشارِك تجاربك وتواصَل مع المشاركين على المستوى الإنساني.
في الختام:
تحدَّثنا في هذا الجزء عن 7 خطوات للتعامُل مع المشاركين الصعبين، لكنْ قد تُطبِّق هذه الخطوات ومع ذلك يخرُج التدريب عن مساره؛ لذلك سنتناول في الجزء الثاني 7 أنواع من هؤلاء المشاركين ونقدِّم نصائح عن كيفية التعامُل مع كل نوع على حدة.