طرق الإلقاء
في الآونة الأخيرة تزايدت أهمية امتلاك مهارات الإلقاء في عالمنا العربي بشكل كبير وأصبحت أعداد المهتمين بهذا الفن كبيرة جداً، وكثرت الأسئلة عن طرقه التي نستطيع القول بأنها كثيرة ولكن من الممكن حصرها بأربعة طرق أساسية وهي الإلقاء الارتجالي والإلقاء من الذاكرة والإلقاء من نص مكتوب والإلقاء باستخدام بطاقات. للطريقتين الأولى والثانية تطبيقات محدودة جداً وخصوصاً إذا كانت حادثة الإلقاء مهمة، ولكنها ما زالت تستحق اهتماماً بسيطاً على الأقل.
نبدأ بالإلقاء الارتجالي وهو التكلم دون تحضير مسبق، ويحدث عندما يطلب منا مدرب أو محاضر أو مدير: التعبير عن رأينا في مسألة ما، أو عندما يطلب منا شخص ما أن نقول بعض الكلمات أمام مجموعة دون أن نتوقع ذلك. وفي هذه الحالات غير الرسمية لا يتوقع الآخرون أن نكون بارعين في القيام بذلك وخاصّة أنَّنا مُجبرون، ومن المحتمل أن نشعر براحة أكبر أو أقل في الكلام من دون تحضير مسبق، ولهذا كلما كان الإلقاء مهماً كلما كان الإلقاء الارتجالي غير مناسباً. وبالرغم من أن هذه الطريقة تعطي خبرة جيدة لأي شخص، إلا أن الشخص العاقل لا يجازف في القيام بها.
نأتي إلى الإلقاء من الذاكرة وهو الإلقاء من خلال التذكر كلمة بكلمة من نص مكتوب، وهذه الطريقة مناسبة لحالات نادرة. ونقوم بها عندما نحضر نصاً مكتوباً ونتذكره كلمة كلمة أثناء الإلقاء، وتؤدي هذه الطريقة إلى إلقاء سلس ومريح لأن المتكلم يركز فقط على سلوكه أمام الجمهور وليس على النص الكتابي أو البطاقات، ولكنها تحتاج لوقت طويل، وقد تظهرنا كآلات مبرمجة بسبب خوفنا من نسيان قسم من الإلقاء، ولهذا فإن الإلقاء من الذاكرة يفيد في الخطابات القصيرة عندما تقدم متكلم آخر أو عند توزيع أو استلام جائزة.
أما الإلقاء من نص مكتوب فيكون من خلال نص مكتوب تم التمرن عليه مسبقاً كلمة بكلمة. إن هذه الطريقة ضرورية في بعض الحالات فقط وهي تضمن عدم نسيان المتكلم أي كلمة من الإلقاء، كما أنها تعزز ثقته دون أن تضمن له إلقاء فعّالاً. يقوم الرؤساء عادة بإلقاء العديد من الخطابات السياسية بهذه الطريقة. كما يتم الإلقاء أثناء حفلة التخريج من نصوص مكتوبة. حين تقوم بكتابة نص عليك الانتباه لكتابته بأسلوب شفهي، أي يجب أن يشبه الإلقاء من نص مكتوب شيئاً تود قوله في أي محادثة، وهذا يحتاج لوقت طويل من التحضير والتحرير والتنقيح والمراجعة إلى أن يصبح الإلقاء بحالته النهائية، وإذا لم تبذل وقتاً للتمرن على إلقاء النص بطريقة سلسة مع الانتباه لأماكن التوقف، وللاحتكاك البصري مع الجمهور، فعندها لن تكون متكلماً فعّالاً.
أخيراً الإلقاء من بطاقات أو من رؤوس أقلام تم حفظها عن ظهر قلب، وهذه الطريقة هي الأكثر انتشاراً وفائدة من الطرق الأخرى، لأنه يفترض أنك بحثت ونظمت موادك الداعمة بدقة، وأنك تدربت على إلقائها. إن التكلم من بطاقات -أو ما شابهها -يعطيك مزايا أكثر من بقية الطرق الأخرى، حيث أنك لن تشعر بالقلق حول ترتيب أفكارك، لأنك لم تكتب نصاً وبما أنك لم تحفظ شيئاً فلن تقلق من نسيان بعض الأشياء التي تعرفها، ومن خلال بطاقاتك ستكون لديك الفرصة للاحتكاك مع الجمهور بحالة طبيعية، فإذا شعر أحد المستمعين بالارتباك من فكرة ما، يمكنك إعادتها وشرحها باستخدام كلمات أخرى أو يمكنك التفكير بمثال أفضل لإيضاحها. قد لا تكون لغتك جميلة كما لو أنك تلقي نصاً مكتوباً أو محفوظاً ولكن البطاقات ستضمن لك إلقاء طبيعياً وعفوياً -وهذا ما يجعلها فعّالة-.
وإذا قارنا ما بين الإلقاء الفعّال والأداء الناجح لقطعة موسيقية، فإن الإلقاء باستخدام البطاقات هو كأداء قطعة موسيقية، فرؤوس الأقلام التي لديك تعادل النوتة الموسيقية، ومن الممكن عزف القطعة الموسيقية بعدة أساليب باستخدام نفس النوتة، وكذلك بالنسبة للإلقاء الارتجالي باستخدام البطاقات حيث يُوجد تشابه واضح بينه وبين عزف الموسيقا. حين تقوم بالإلقاء من نص مكتوب أو من بطاقات تذكر النقاط التالية:
- تمرّن بواسطة البطاقات أو النص الذي ستستخدمه في الإلقاء. عليك أن تعرف مواقع الأفكار التي تتكلم عنها من الصفحات.
- رقّم صفحات النص أو البطاقات بحيث يمكنك تفحص ترتيبها قبل البدء بالإلقاء.
- حدد الأوقات التي يجب أن تنظر فيها إلى البطاقات، حيث أن النظر إليها أثناء الاقتباس أمر مقبول، بل وقد يعطي إحساساً للجمهور بمدى دقتك. بكل الأحوال عليك ألا تنظر إليها أثناء مراجعة أو تلخيص الأفكار الرئيسية -عبارة العرض، والملخص، حيث من الأفضل حفظهما لانهما قطعتان صغيرتان... وإلا فما الفائدة المرجوة منك-ولا تنظر أبداً إلى مذكراتك وأنت تبدأ أو تنهي أي شيء، وتجنب النظر إلى الأسفل عندما تستخدم الضمائر الشخصية مثل: أنا، نحن، أنت، أنتم، أو عندما تنادي أحد أفراد الجمهور باسمه، لأن قطع الاتصال البصري الفجائي في هذه اللحظات سيخلق شعوراً بأن الكلام يأتي من البطاقات وليس منك.
- قم بزلق صفحات البطاقات ولا تقم بقلبها قلباً، وتجنب الكتابة خلفها حتى لا يراها الجمهور وينشغل بها. وكقاعدة إذا كنت تستخدم المنضدة لا تدع الجمهور يرى البطاقات التي أمامك، فكلما قلّ اهتمام الجمهور بالبطاقات، كلما كان اتصالك بالجمهور مباشراً وشخصياً أكثر.
- كرّس وقتاً إضافياً للتمرن على الخاتمة. لأن للشيء الأخير الذي ستقوله تأثيراً عميقاً. وفي هذه النقطة الحرجة يكون هدفك هو الهدف من كل الإلقاء: أي إزالة التشويشات -إن وجدت-وتعزيز الرسالة من خلال إلقائك الجسدي والصوتي واللغوي، لذا انتبه إلى عدم الإنهاء وأنت تجمع البطاقات وتعود إلى مقعدك.
سيكون من الضروري كمتكلم أو كقائد أن تتمكن من الطرق الأربعة في الإلقاء خاصة الإلقاء باستخدام البطاقات، وبذات الوقت لا تنسى الإلقاء الارتجالي والإلقاء من الذاكرة والإلقاء من نص مكتوب فأنت لا تعرف متى ستضطر إلى استخدامها... كُن جاهزاً دائماً.