كوتشينغ الأطفال: تعريفه وطرق تقديمه (الجزء الأول)
بالنسبة إلى العديد من الشباب في عالم اليوم الحديث، فإنَّ قائمة المطالب التي يجدون أنفسهم يتعاملون معها لا حصر لها من الدراسة في المدرسة إلى التعامل مع توقعات معلميهم وأولياء أمورهم وأصدقائهم إلى المهارات الاجتماعية والنجاح في هواياتهم والعناية بصحتهم وتطورهم الشخصي وفهم العالم من حولهم.
يرغب كل والد في أن يرى طفله ناجحاً، ولا أحد يريد أن يرى طفله يعاني، ومع وجود الكثير من النصائح والإرشادات المتاحة لدعمهم خلال المراحل الانتقالية الصعبة من الطفولة إلى المراهقة إلى مرحلة البلوغ، يمكن أيضاً أن تحقق بعض مفاهيم الكوتشينغ الكثير من القيمة عند دعم الشباب.
في هذا المقال سنلقي نظرةً على ما نعنيه بالضبط بكوتشينغ الأطفال الصغار، وبعض النصائح للكوتشينغ الفعَّال، وكيف يمكن استخدامها مع الأطفال لمساعدتهم على النجاح في حياتهم.
ما هو الكوتشينغ؟
توجد بعض التعريفات المختلفة للكوتشينغ، ويمكن أن يعتمد ذلك على نوع الكوتشينغ الذي تبحث عنه وسبب البحث عنه، وتتضمن بعض التعريفات الشائعة ما يلي:
- يساعد الكوتشينغ الأطفال على التعلُّم وحدهم دون معلِّم.
- يساعد الكوتشينغ على إطلاق العنان لقدرات الشخص لتحسين أدائه.
غالباً ما يُشير الأشخاص الذين يتولون دور الكوتشينغ إلى أنفسهم ككوتشز حياة، مع التخصص عادةً في مجال معيَّن من مجالات التطوُّر على صعيد الحياة أو على الصعيد المهني، ويُعرِّف قاموس كامبريدج (The Cambridge Dictionary) كوتش الحياة بأنَّه:
"شخص يساعد العملاء على تحديد ما يريدونه في حياتهم وطريقة تحقيقه".
ببساطة الكوتشينغ هو علاقة بين شخصين، أحدهما كوتش والآخر عميل، وقد يتعامل الأشخاص مع كوتش الحياة أو يبحثون عن كوتشينغ للعديد من جوانب الحياة المختلفة بما في ذلك:
- التطوير الوظيفي المهني.
- التدريب الشخصي أو الأهداف الصحية.
- التنمية الشخصية أو أهداف العلاقة.
- تطوير المشاريع الصغيرة أو مشاريع ريادة الأعمال.
- دعم التغلُّب على الإدمان أو العادات المدمرة.
يُعَدُّ الكوتشينغ أسلوباً رائعاً إذا كانت لديك فكرة أو هدف واضح في ذهنك لأمر ترغب في تحقيقه أو التغلُّب عليه في حياتك، ولكنَّك لستَ متأكداً بالضبط من طريقة الوصول إلى ما تريده، وإذا كانت توجد سلوكات تريد تغييرها أو تحسينها ولكنَّها تفتقر إلى التنظيم والحافز للقيام بذلك، فإنَّ الكوتشينغ يُعَدُّ وسيلة رائعة.
هل الكوتشينغ هو نفسه العلاج؟
يختلف الكوتشينغ كثيراً عن الاستشارة والعلاج السريري.
عادةً ما يدعم العلاج الشخص الذي يعاني من حالات صحية عقلية أو عاطفية مختلفة؛ وذلك من أجل مساعدته على التعامل مع تجاربه، كما يساعد الأفراد على التعافي من صدمة سابقة بسبب حادثة أو تجربة معيَّنة في حياتهم؛ مثل فقدان أحد الأحباء.
تشمل الاختلافات الرئيسة الأخرى ما يلي:
- يتطلَّب العمل معالجاً أو مستشاراً وشهادات ومؤهلات مهنية، بالإضافة إلى التسجيل لدى الهيئات المهنية والحصول على التراخيص المهنية المناسبة. إنَّها مهنة تتطلب مهارات عالية مقارنة مع الكوتشينغ "ناهيك عن أنَّ الكوتشينغ ليس بنفس القيمة بالنسبة إلى الفرد الذي يحتاج إلى علاج من نوعٍ ما".
- عادةً ما يتطرَّق العلاج أو الاستشارة إلى التجارب السابقة وطريقة تأثيرها في الحاضر، ويركز الكوتشينغ بصورة أكبر في دعم الحاضر من أجل توفير مستقبل أكثر إيجابيةً.
- يركز الكوتشينغ في أهداف أكثر مباشرةً وقابلة للتحقيق وفي الخطوات الملموسة المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف، أما العلاج والاستشارة أقل تركيزاً في النتائج، مع التركيز في التنمية الشخصية الداخلية الواعية واللاواعية.
- يمكن أن يحدث العلاج والاستشارة خلال سنوات عديدة طالما يشعر الفرد بأنَّه يحتاج إليهما أو طالما أنَّ العلاقة تساعده، بينما يميل الكوتشينغ إلى أن يكون قصير الأمد بسبب التركيز في النتائج في العلاقة.
هذه اختلافات أكثر عمومية بين النوعين، وقد لا تكون صحيحة دائماً، وفي الحقيقة توجد الكثير من القواسم المشتركة والتشابه، ويعتمد تحديد المسار المناسب لك أو لأطفالك على ما تأمل تحقيقه أو الحصول على الدعم فيه على الأمد الطويل.
كوتشينغ الأطفال:
عندما يتعلق الأمر بكوتشينغ الأطفال فإنَّ أفضل الأشخاص للوظيفة هم الأهل دائماً.
يتمثل جزء كبير من تربية الأطفال في دعم الأطفال للوصول إلى إمكاناتهم واكتشاف شغفهم وأهدافهم، ومساعدتهم على العمل لتحقيق النجاح بطرائق هادفة.
عندما نفكر في تربية الأطفال نادراً ما نأخذ في الحسبان فكرة تحديد أهداف للأطفال مثلما نفعل مع أنفسنا، ولا يتعلق الأمر بممارسة الضغط على الأطفال لاتخاذ قرارات صعبة بشأن مستقبلهم؛ وإنَّما تشجيعهم على أن يكونوا فضوليين بشأن الشكل الذي قد تبدو عليه الحياة بالنسبة إليهم.
يمكن أن يساعد الكوتشينغ الفعَّال أيضاً الأطفال الصغار على البدء بتطوير بعض المهارات الشخصية التي ستساعدهم مع تقدمهم في السن، بما في ذلك:
- القدرة على التكيُّف.
- التغلُّب على الفشل.
- الثقة بالسعي إلى ما يريدون تحقيقه.
- الإبداع في حل المشكلات.
- نهج منفتح وفضولي للتحديات والأفكار الجديدة.
- التعاون والمشاركة.
يمكن أن يكون تعلُّم مهارات وأساليب وأدوات ومفاهيم الكوتشينغ الفعَّال أداة جيدة للآباء والمعلمين أو أي شخص مسؤول عن دعم الأطفال الصغار، ويمكن أن يساعد على توفير إطار للعمل مع الشباب بطرائق جديدة؛ والتي يمكن تصميمها لتقديم أفضل دعم للأفراد، وعندما يُقدَّم بصورة جيدة يمكن أن يساعد إطار الكوتشينغ الأطفال الصغار على الشعور بالقوة والإيجابية حول ما يريدون القيام به وما يمكنهم تحقيقه.
ما هو كوتشينغ العواطف للأطفال؟
كوتشينغ العواطف هو مجال من مجالات علم نفس العلاقات، والذي يركز بصورة خاصة في تقديم كوتشينغ للشباب في مجال الثقة العاطفية والاجتماعية والسلامة.
يركز كوتشينغ العواطف في مساعدة الأطفال على فهم وتنظيم ردود أفعالهم العاطفية بدلاً من محاولة حثهِّم على تغيير سلوكهم من خلال أنظمة المكافأة والعقاب، ويمكن أن ينفع استخدام أنظمة المكافأة والعقاب الأطفال على الأمد القصير، ولكنَّ الأبحاث أظهرت أنَّه مع مرور الوقت تصبح هذه النماذج من السلوك القسري غير فعَّالة.
يُعَدُّ كوتشينغ العواطف أكثر فائدةً؛ وذلك لأنَّه يساعد الأطفال على فهم اتِّساع نطاق مشاعرهم وأسباب حدوثها وطريقة التعبير عنها والتغلُّب عليها.
مكونات كوتشينغ العواطف:
يتكون كوتشينغ العواطف من عنصرين هما:
1. التعاطف:
يتطلَّب ذلك من الوالد إيقاف أي رد فعل تجاه السلوك الذي قد يُظهِره الطفل، والتركيز بدلاً من ذلك في العواطف التي يُظهرها، وفي هذا الجزء من الكوتشينغ من الهام مساعدة الطفل على التعرُّف إلى ردود أفعاله العاطفية وتصنيفها؛ ليتمكن من فهم عواطفه.
2. التوجيه:
يتطلَّب الجزء الثاني من نموذج الكوتشينغ هذا تقديم التوجيهات في أثناء شرح سبب ظهور تلك العواطف، واعتماداً على الموقف ما يزال من الممكن تطبيق قيود على السلوك "على سبيل المثال منع الطفل عن الحديث لمدة معينة كعقوبة بسبب سلوك سيِّئ"، لكن يجب أن يكون التركيز في توجيه الطفل من خلال معرفة سبب تصرفه بهذه الطريقة وإخباره بسبب العقوبة.
الصور النمطية الأبوية الرئيسة الأربع التي حددها غوتمان:
كان جون غوتمان (John M. Gottman) عالماً نفسياً مميزاً في هذا المجال، وتركَّز بحثه في العلاقات الأسرية ومواقف الوالدين، ومن ثم طريقة تأثيرها في سلوك أطفالهم، وعندما بدأ بحثه لأول مرة كانت المؤلفات والموارد المتاحة محدودة للغاية ويبدو أنَّها تسبب ضغطاً كبيراً على الآباء لتربية أطفال أقوياء عاطفياً دون دعم للقيام بذلك.
أجرى غوتمان عدداً من الدراسات لاستكشاف المزيد عن أنماط الآباء، وكيف تؤثر هذه الصور النمطية في التطور العاطفي لدى الأطفال، وأنَّ الحل هو مساعدة الآباء على فهم المشاعر المُسبِّبة لسلوكات أطفالهم.
الصور النمطية الأبوية الرئيسة الأربع التي حددها غوتمان هي:
1. النوع الرافض:
هذا النوع من الآباء يسخر بسرعة من الاستجابات العاطفية أو يقمعها، ويتجاهل مشاعره أو مشاعر أطفاله، ويستخدم أساليب التشتيت للتعامل مع السلوك السلبي بدلاً من فهم سبب حدوثه.
2. النوع المستنكر:
هذا النوع من الآباء يشبه النوع الأول، ولكنَّه أكثر سلبيةً وصراحةً وانتقاداً لردود الفعل العاطفية للأطفال، وغالباً ما يُظهر هذا النوع أيضاً سلوكات تحكمية أو قمعية من أجل تأديب الأطفال، وليس لديه أي اهتمام بفهم عواطف أطفاله.
3. النوع المتساهل:
هذا النوع هادئ، ولكنَّه لا يقدم أي دعم أو توجيه لاستكشاف وفهم الاستجابات العاطفية أو طريقة ارتباطها بسلوك الأطفال، وعادةً ما يستخدم الوقت كوسيلة للتعامل مع السلوك السلبي؛ أي ببساطة ينتظر انتهاء المشكلة بدلاً من المبادرة إلى حل المشكلة.
4. النوع الجيد:
يذكر غوتمان أنَّ هذا النوع من الآباء هو الأقل شيوعاً، والذي أطلق عليه أيضاً اسم "كوتش العاطفة"، ويستغرق هذا النوع وقتاً لفهم احتياجات واستجابات أطفاله العاطفية ويقدِّم إرشادات لهم لفهم أنفسهم، كما يعزز السلوك الإيجابي من خلال أساليب التنظيم الذاتي والوعي الذاتي بصورة أفضل.
5 خطوات أساسية لكوتشينغ العواطف:
وجد غوتمان أنَّ ما يسمى بـ "الوالد الجيد" أو "الكوتش العاطفي" يُظهِر باستمرار السلوكات أو الخطوات التالية التي تسمح للآباء بفهم استجابات الأطفال العاطفية فهماً أفضل والتواصل معهم، وهذه الخطوات هي:
- فهم مشاعر الأطفال المختلفة وطريقة إظهارها.
- معرفة أنَّ التعبير العاطفي هو فرصة لبناء علاقة أعمق مع الأطفال.
- إظهار التعاطف وتأييد عواطف الأطفال، ومساعدتهم على فهم أسباب استجابتهم بتلك الطريقة.
- تزويد الأطفال بالكلمات والتسميات المناسبة لاستخدامها في التعبير عن مشاعرهم.
- معرفة متى يجب وضع الحدود أو الضغط عند حل المشكلات أو معالجة السلوك السلبي.
يساعد الاندماج مع الطفل بهذه الطريقة على بناء فهمه المعرفي لعواطفه وطريقة ارتباطه بسلوكه، ويشجعه على تبنِّي أساليب التنظيم الذاتي الإيجابية.
في الختام:
يرغب كل والد في أن يرى طفله ناجحاً، ولا أحد يريد أن يرى طفله يعاني، ومع وجود الكثير من النصائح والإرشادات المتاحة لدعمهم خلال المراحل الانتقالية الصعبة من الطفولة إلى المراهقة إلى مرحلة البلوغ، يمكن أيضاً أن تحقق بعض المفاهيم من الكوتشينغ الكثير من القيمة عند دعم الشباب.
لقد تحدثنا في هذا الجزء من المقال عن كوتشينغ الأطفال وتحديداً كوتشينغ العواطف والعناصر التي يتكوَّن منها، والصور النمطية الأبوية الرئيسة الأربع التي حددها العالم النفسي غوتمان، وذكرنا الاختلافات بين الكوتشينغ وبين العلاج والاستشارة، وفي النهاية ذكرنا الخطوات الأساسية لكوتشينغ العواطف، وفي الجزء الثاني من المقال سنتابع الحديث أكثر عن كوتشينغ الأطفال، فتابعوا معنا.