مبادئ الاتصال غير اللفظي


الإلقاء هو الطريقة التي يقدم فيها المتكلم موضوعه من خلال الصوت والجسد واللغة، ولكل شخص صوت وجسد وطريقة مميزة في ترتيب الأفكار، وتشكل طريقتك الصوتية والجسدية واللغوية في عرض الموضوع أسلوب إلقائك، وبكلمات أخرى، ما تقوله، وكيف تقوله هو إلقاؤك. فإذا قمت أنت وزميل لك بتقديم محاضرة بنفس الترتيب والنظام -ونحن لا ننصح بذلك-فهذا لن يؤدي لسماع الجمهور رسالة واحدة، وإنما رسالتين مختلفتين، وذلك لأن إلقاءك لا يظهر صورتك كمتكلم فقط، ولكنه يُغيّر رسالتك بطرق بارعة. في معظم الحالات تبذل طاقات وجهوداً كبيرة في اختيار موضوعك والبحث فيه ومع ذلك قد لا يبدو إلقاؤك جيداً، وهذا يعود للأحداث التي تتآمر مع بعضها بعضاً لتؤثر على إلقائك، فقد تكون الغرفة حارة جداً فتبدأ بالتعرق، وقد تربكك الضجة للحظة ما فتنقطع سلسلة أفكارك، أو يكون الجو مغبراً فيثير حساسيتك ويؤدي إلى جفاف حنجرتك، وهذا ينطبق على جميع الناس، أي لا يوجد شخص مُحصّن ضد هذه الحالات، حتى الأشخاص ذوي التجارب الكبيرة في الخطابات العامة. ولهذا يصبح ضرورياً معرفة مبادئ الاتصال غير اللفظي والتعامل معها بحنكة.

ستساعدك مبادئ الاتصال غير اللفظي الأربعة وستعطيك مجالاً لتقدير عناصر الإلقاء الجسدية والصوتية، وهذه المبادئ هي أولاً: يتكون الاتصال غير اللفظي من قسمين: الأول مُدرَك ومُتعَمَد والثاني غير مُدرَك وغير مُتعمَدفقد تتعمد القيام بأشياء معينة لتجذب الآخرين إليك، فترتدي ألواناً مريحة أو تقص شعرك بطريقة جميلة وجذابة. وعندما تتكلم أو تستمع للآخرين تنظر إليهم مباشرة وتبتسم حين تسمع منهم أخباراً جيدة أو حين يقدمون لك المساعدة في حل مشكلة ما. ومن جهة أخرى قد يكون لديك عادات غير مقصودة، كأن تحدث صوتاً بأصابعك على المنضدة حين تشعر بالتوتر، أو أن تنظر إلى الأرض حين تشعر بالإحراج، ويمكنك التحكم فقط بالأشياء التي تعرفها وتتوقع حدوثها، لذا فالخطوة الأولى في تحسين الإلقاء هي تحديد وإزالة أي سلوك غير لفظي مُربك تقوم به. ويمكنك معرفة عاداتك المربكة وتحسينها من خلال ملاحظات زملائك، وتذكر أن تحسين نقاط الضعف في إلقائك ليس بعملية سريعة، ولكنها تستمر مع كل إلقاء تقوم به.

أما المبدأ الثاني فهو: للتعابير غير اللفظية معانٍ عالمية: حين تكون في مخبز في باريس، لا يمكنك مقاومة رائحة أرغفة الخبز الذهبية الساخنة وهي تخرج من الفرن، وبما أنك لا تتكلم الفرنسية فإنك تلفت انتباه العامل وتشير إلى الخبز وتصنع بإصبعيك إشارة النصر V فيعطيك العامل ثلاثة أرغفة -لأن الفرنسيين يعدون من الإبهام ناهيك إن كان مفتوحا أم لا-ويحدث الشيء نفسه عندما تقوم بنفس الإشارة لطلب علبتين إضافيتين في حانة ألمانية!!! إن الفرنسيين والألمانيين يطبقون قواعد مختلفة في إيماءات العد أكثر مما نفعل. وكما تتغير معاني الإيماءات والحركات من ثقافة إلى أخرى، فإن طريقة الإلقاء غير اللفظية تعتبر مناسبة وفعّالة في حالة، وغير مناسبة في حالة أخرى، فالإيماءات المضحكة والحيوية مثلاً تعتبر مناسبة حين تقوم بشرح تاريخ التهريج لجمهورك، ومن جهة أخرى عليك إظهار التوتر على وجهك وأنت تقنع الآخرين بالآثار المدمرة للعمليات الجراحية غير الضرورية.

المبدأ الثالث هو: حين ترسل قنوات المتكلم اللفظية وغير اللفظية رسائل متناقضة فإننا نصدق الرسالة غير اللفظية: فمثلاً يخبرك المسؤول عنك في العمل أنه متأثر جداً بنشاطك وأداءك، ولكنه فيما بعد لا يسمح لك بالتكلم أثناء اجتماع الفريق!!! قد يكرر لك شخص ما العبارة التالية: "أنا أحبك" ولكنه لا يظهر لك تعبيراً عن ذلك، فهل تشك في صدق هذا الشخص؟ إذا كنت شخصاً طبيعياً، سيكون لديك شك بالتأكيد لأن الرسائل غير اللفظية يجب أن تكمل وتعزز الرسائل اللفظية. والقاعدة تقول إنه لابد أن تتطابق كلمات المتكلم مع سلوكه، افترض أن المتكلم تقدم إلى المنصة بتباطؤ واضح وتلبك، ومن ثم امسك بطاولة المنصة بقوة وتسمر بمكانه، وعقد حاجبيه وقال: "أنا سعيد جداً بالتكلم معكم اليوم"، فهل تصدقه؟ لا... لماذا؟ لأنه لم يبدأ إلقاؤه بكلماته الأولى بل برسائله غير اللفظية المتعددة التي أرسلها، والتي أشارت لنفوره من الكلام!! فالرسائل غير اللفظية يجب أن تكمل وتعزز الرسائل اللفظية، وعندما لا تفعل هذا -كالمثال السابق-فالأفعال تتكلم أكثر من الكلمات، وفي هذه الحالة، نحن نصدق الرسالة غير اللفظية لتساعدنا في الإجابة على السؤال "ماذا يحدث معه، وماذا يريد أن يقول فعلا؟".

وكنتيجة لهذا يصبح المبدأ الأخير من مبادئ الاتصال غير اللفظي مهماً جداً: قد تطغى على رسالتك التي تنوي إيصالها رسائل أخرى يتلقاها الأشخاص من طريقتك غير اللفظية: حين تحدق خارج النافذة أثناء إلقائك بسبب توترك الناجم من تواصلك البصري مع الجمهور، يفترض الجمهور أنك تشعر بالملل وأنك لا تهتم بالتكلم أمامهم. وفي هذه الحالة ستكون ملاحظة الجمهور -أنك لا تريد التكلم معهم-هي الأهم حتى لو كانت بعيدة عن الحقيقة، لذا عليك إزالة التصرفات المربكة التي تطغى على نواياك الجيدة إذا أردت القيام بإلقاء أفضل.

إذاً الإلقاء هو الطريقة التي يقدم فيها المتكلم موضوعه من خلال الصوت والجسد واللغة، ولابد من معرفة أن الاتصال غير اللفظي يتكون من قسمين: الأول مُدرَك ومُتعَمَد والثاني غير مُدرَك وغير مُتعمَد، وأن للتعابير غير اللفظية معانٍ عالمية، وأنه حين ترسل قنوات المتكلم اللفظية وغير اللفظية رسائل متناقضة فإننا نصدق الرسالة غير اللفظية، والأهم أن تنتبه إلى أنه قد تطغى على رسالتك التي تنوي إيصالها رسائل أخرى يتلقاها الأشخاص من طريقتك غير اللفظية.