هل التعلم غير الرسمي هو الشكل الجديد الرسمي للتعلم التنظيمي
هذا المقال مأخوذ عن المدون كين طومسون (Ken Thompson)، والذي يُلقي فيه نظرةً على التعلُّم غير الرسمي، ويستكشف ما إذا كان يمكن توسيع نطاق الممارسة الشخصية الموجَّهة ذاتياً -دون تدمير جوهرها- لإفادة مجتمع الممارسين بأكمله.
التعلُّم غير الرسمي هو ببساطة التعلُّم الذي لم يُكتسب في بيئة تعلُّم رسمية، مثل دورة تدريبية أو برنامج تعلُّم إلكتروني؛ وقد أصبح شائعاً للغاية لسببين رئيسين؛ أوَّلهما أنَّ المتعلمين يستمتعون به، وثانيهما مقاييس الفاعلية المدهشة فيه.
يجادل أنصار التعلُّم غير الرسمي، مثل جاي كروس (Jay Cross)، مؤلف كتاب "التعلُّم غير الرسمي" (Informal Learning)، بأنَّ التعلُّم غير الرسمي يُمِّثل نسبة مذهلة ما بين 85 إلى 95٪ من التعلُّم في مجالات يشعر المتعلمون أنَّها ضرورية لوظائفهم اليومية، أمَّا الوجه الآخر لهذا الرقم فهو أنَّ 5-15٪ من المعرفة الأساسية تُكتسب من خلال التعلُّم الرسمي، وهو رقم يرعب مزودي التدريب التقليديين، ولكنَّه يلقَى استحساناً لدى عديد من مستهلكي التدريب الجاهز.
يتناول هذا المقال سؤالين؛ الأول: ما هي حقيقة التعلُّم غير الرسمي؟ والثاني: هل يمكن "إضفاء طابع رسمي على التعلُّم غير الرسمي وتوسيع نطاقه" بطريقة ما، أم أنَّ القيام بذلك يُدمِّر جوهره وفائدته؟
يشمل التعلُّم غير الرسمي ثلاثة نشاطات رئيسة:
- عملياتية: التعلُّم في أثناء العمل من خلال التجربة والخطأ، والتعلُّم من الأخطاء.
- بحثية: دراسة ذاتية التوجيه، حيث يقرر المتعلِّم ما يحتاج معرفته.
- حوارية: المناقشات (باستخدام جميع الوسائط) مع الزملاء والرؤساء والمنتورز.
سيكون لكل واحد منا أنماط تعلُّم غير رسمية مختلفة، ومن المفيد أن تحاول تحديد نمط التعلُّم الأساسي غير الرسمي الذي تحتاجه (هل هو عملياتي أم بحثي أم حواري؟)؛ ومن الهام أيضاً ملاحظة أنَّ التعلُّم غير الرسمي -حسب التعريف- "موجَّه ذاتياً"، ولكي ينجح، يجب توفير الظروف المناسبة وهي:
- الدافع: يجب أن يكون لدى المتعلِّم حاجة ماسَّة ورغبة ملحَّة في التعلُّم.
- البيئة: يجب أن تكون البيئة مناسبة للتعلُّم غير الرسمي؛ فقد تشعر بالتوتر إلى حد ما، إذا سمعت أنَّ طيار رحلتك اكتسب معظم معارفه من برنامج التعلُّم غير الرسمي الموجَّه ذاتياً.
الآن بعد أن عرفنا ماهيَّة التعلُّم غير الرسمي، فلنلقِ نظرة على سؤالنا الثاني. يبدو واضحاً أنَّه في حال كان التعليم غير الرسمي بنصف جودة ما يدَّعيه الناس، فمن الهام جداً ترك كل شيء للصدفة. هل يمكن "إضفاء طابع رسمي" على التعلُّم غير الرسمي، وتوسيع نطاقه بطريقة ما، دون تجريده من الأشياء ذاتها التي جعلته ينجح في المقام الأول؟
يمكن للمؤسسات تصميم فعاليات تعلُّم غير رسمية بعناية من خلال التركيز على أربعة مكوِّنات رئيسة:
الإعداد: الفضول/ النية/ الالتزام
في بداية أيَّة حدث، يجب أن يكون واضحاً أنَّ كل مندوب مسؤول مسؤولية كاملة عمَّا يتعلمه؛ إذ ليس عليه الاستماع أو تلقِّي الدروس فحسب، بل التعلُّم بنشاط، ثم مشاركة شيء واحد على الأقل اِلتزم بتعلُّمه من الحدث، حيث يجب تشجيعه طوال الوقت على مشاركة ما يتعلمه وإثارة التحدي في نفسه لتحديد فرص التعلُّم الشخصية الملموسة الأخرى مما يحدث في اليوم.
يجب أيضاً إخبار المندوبين في بداية الحدث أنَّه سيُطلب إليهم إنهاءه من خلال تلخيص ما تعلُّموه وربطه مباشرةً بمؤشرات الأداء الرئيسة التي تؤدي إلى النتائج التي يُحرزونها في وظائفهم.
جانب التعلُّم غير الرسمي 1: الإعداد العملياتي
يجب أن يجد الحدث طريقة تثير رغبة المشاركين في أداء "تجربة عملياتية" واقعية ولكنَّها مصمَّمة مسبقاً، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هي من خلال أداء الأعمال التي يمكن أن تكون قائمة على الكمبيوتر أو على الورق. يمكن أن يتراوح ذلك من محاكاة تجربة كمبيوتر شاملة إلى تجربة ورقية بالكامل، حيث يُقدَّم سيناريو عمل مختلف للمشاركين في كل جولة حتى يتفاعلوا معه. النقطة الهامة هي أنَّه لا يجب أن يكون العمل جاهزاً؛ لأنَّه يجب أن يعكس بيئة أعمالهم حتى ينغمسوا في هذه التجربة وينسوا أنَّها "مجرد لعبة أداء".
جانب التعلُّم غير الرسمي 2: البحث والتفكير العميق
يجب أن يبدأ الحدث بإعطاء المشاركين أهدافاً وغايات محددة يحتاجون تحقيقها، ومن ثم منحهم الوقت لإجراء بعض الأبحاث باستخدام المواد المُعدَّة لمساعدتهم على تحديد خطط لعبهم واستراتيجياتهم لتحقيق أهدافهم العملياتية. يُمكِّنهم هذا التمرين من إبراز "نماذجهم العقلية" الحالية ويخلق بيئة مثالية للتعلُّم التجريبي.
يبدأ حدث التعلُّم غير الرسمي بداية جيدة إن وضِّحت هذه التحديات للفِرَق والمشاركين، من قبل رجل أعمال كبير في مؤسستهم، وليس بواسطة مستشار أو مُنسِّق خارجي. السيناريو المثالي هو إن عاد رجل الأعمال الكبير هذا في وقت لاحق من اليوم، للحكم على أداء الفِرَق المختلفة من حيث نتائجها العملياتية، ورؤى التعلُّم الجديدة التي اكتسبوها من الحدث.
جانب التعلُّم غير الرسمي 3: فرص المحادثة
من الضروري أن يخلق الحدث فرصاً لإجراء محادثات التعلُّم غير الرسمية، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي جعل المشاركين يعملون في فِرَق تتعاون مع بعضها بعضاً، وتتنافس مع الفِرَق الأخرى، لتعزيز الشعور بالواقعية العملياتية التي ذُكِرَت في نقطة سابقة.
سيخلق الحدث المصمَّم جيِّداً كثيراً من فرص المحادثة ولكن سيكون بعضها ذو قيمة ("كيف نتعامل مع هذا في الوظيفة الحقيقية") وبعضها الآخر سيكون تافهاً ("هذا السيناريو لن يحدث في أعمالنا أبداً").
للتأكد من أنَّ الفِرَق تستخدم المحادثات للتعلُّم غير الرسمي، يحتاج كل فريق إلى كوتش أو مُنسِّق يهتم بالمحادثات الجيدة، ويُنهي المحادثات التافهة.
يحتاج المُنسِّق أيضاً إلى التأكد من مشاركة الجميع (بما في ذلك الأشخاص المفكرون الهادئون)، وأنَّ الفِرَق تقوم باتخاذ قرارات تستند إلى أدلة (وليس مجرد العمل وفقاً للشعور الغريزي) وأنَّهم يستخدمون جميع المصادر والمساعدات في الغرفة من أجل تعلُّم ما يحتاجون إلى تعلُّمه.
التعلُّم غير الرسمي هو نظام متنامي يعتمد على التعلُّم الذاتي باستخدام المحاكاة العملياتية والبحث/الاستراتيجية والمحادثات؛ ويبدو أنَّه فعَّال وجذَّاب للمشاركين؛ لأنَّه يعتمد على التمارين القائمة على الفريق وأداء الأعمال التنافسية. تجعل الطبيعة الشخصية للتعلُّم غير الرسمي عملية ضبطه صعبة، ولكن مع التخطيط الدقيق والأدوات المناسبة والتسهيلات المدروسة، يمكن إضفاء طابع رسمي عليه، وتوسيع قدرته لتتجاوز الأفراد وتشمل مجتمعات عمل كاملة من الممارسين دون فقدان جاذبيته.