10 تقنيات فعالة لتطبيق الكوتشينغ في مكان العمل (الجزء الأول)


يؤكد الكاتب "بيتر دراكر" (Peter Drucker) أنَّ نجاح الشركة يعتمد على عاملين أساسيين هما الثقافة والاستراتيجية، فالثقافة مسؤولة عن تحديد آلية العمل والتفاعل والسلوكات ضمن المؤسسة، في حين توضح الاستراتيجية الدوافع، والأهداف، والخطط، والأطراف المعنية.

يجب عليك أن تنتبه إلى عادات وممارسات العاملين في الشركة لكي تنجح في بناء ثقافة فاعلة تساهم في ازدهارها؛ إذ يقضي الفرد الجزء الأكبر من ساعات اليقظة في تكرار السلوكات الاعتيادية، وهذا يعني أنَّ العقل الباطن يتحكم في أفعال الفرد وقراراته في معظم الوقت.

العادات سلاح ذو حدين، فهي تزيد من فاعلية العمل من جهة، ولكنَّها تؤدي من جهة أخرى إلى تمسُّك الفرد بسلوكات قديمة لم تعد تخدمه في الوقت الحاضر، فإسداء النصائح هي العادة الأسوأ والأكثر انتشاراً وضرراً ضمن المؤسسات.

أهمية بناء عادات الكوتشينغ:

تبين أنَّ معظم القادة لا يحبذون تطبيق ممارسات الكوتشينغ ضمن مكان العمل؛ إذ يرغب مثل هؤلاء القادة بتأدية وظائفهم على أكمل وجه دون أن يدركوا أهمية ممارسات الكوتشينغ في تحسين فاعلية العمل وبناء فريق متكامل وناجح.

يعتاد الموظف على الاعتماد على قائده وطلب مساعدته ونصائحه عندما يندفع المدير لتقديم الحلول الجاهزة لكافة مشكلات العمل، فيجب أن تساعد الموظفين على زيادة ثقتهم بأنفسهم، وتعزيز إمكاناتهم، وتنمية مهاراتهم، وزيادة قدرتهم على الاعتماد على أنفسهم، والعمل وحدهم.

يُفضَّل أن تكبح رغبتك بتقديم الحلول الجاهزة لكافة المشكلات التي تصل إليك بغية تعزيز قدرة الموظفين على اكتشاف الحلول بأنفسهم، وتخفيف الضغوطات والأعباء الواقعة على عاتقك، وزيادة فاعلية العمل، وهذه السلوكات مفيدة لكل من القائد وموظفيه.

تقنيات تطبيق الكوتشينغ في مكان العمل:

انتشرت كثير من المفاهيم والانطباعات الخاطئة عن ممارسات الكوتشينغ، وقد يتردد بعضهم ويمتنعون عن تطبيقه ضمن مكان العمل ظناً منهم أنَّه يحتاج إلى تخصيص كثير من الوقت والجهد، فلا يُفترَض أن يستهلك تطبيق الكوتشينغ ضمن مكان العمل كثيراً من وقت القائد، ولا يجب أن تتجاوز مدة ممارساته 10 دقائق كحد أقصى.

يُعَدُّ الكوتشينغ وسيلة فعالة لمساعدة الأفراد على اكتشاف قدراتهم وإمكاناتهم واستثمارها في تحقيق النجاح والتقدم، وفيما يأتي 10 تقنيات لتطبيق ممارسات الكوتشينغ في مكان العمل:

1. التركيز على طرح الأسئلة:

يغفل كثير من القادة عن أهمية الأسئلة ودورها في مساعدة العاملين على اكتشاف مشكلاتهم وإصلاحها، ومن أمثلة هذه الأسئلة "ما هي التحديات التي تعاني منها في حياتك؟"، و"هل تخبرني أكثر عن الموضوع؟"، و"ما هي أهدافك وغاياتك؟".

تساعد هذه الأسئلة على تحديد مصدر المشكلة، وتعزيز قدرة الفرد على الاعتماد على نفسه وابتكار الحلول التي يحتاج إليها، فيمكنك أن تستفيد من الأسئلة في اكتشاف القدرات الكامنة لدى العاملين في الشركة.

تهدف هذه الأسئلة من ناحية أخرى إلى تحفيز الأفراد على تحسين طريقة تفكيرهم، والاعتماد على أنفسهم في إيجاد الحلول، وتحديد الأهداف والتوجهات الحياتية، ويستفيد الكوتش بدوره من هذه الممارسات في زيادة فاعلية العمل وتخفيف الضغوط الواقعة على عاتقه والتركيز على الأولويات والمهام القيادية.

2. تطبيق ممارسات الكوتشينغ خلال عمليات التواصل الاعتيادية اليومية:

يعتقد كثير من القادة أنَّ ممارسة الكوتشينغ تتطلب كثيراً من الوقت والالتزام، ولهذا السبب يمتنعون عن تطبيقه في مكان العمل، وقد يحدث هذا بسبب المفاهيم المغلوطة عن ممارسات الكوتشينغ التي لا تحتاج إلى تخصيص كثير من الوقت كما يعتقد بعضهم؛ بل إنَّها قد تجري خلال عمليات التواصل اليومية العابرة.

يمكن تطبيق ممارسات الكوتشينغ على أرض الواقع أو عبر الإنترنت بواسطة برامج "زووم" (Zoom)، أو "سلاك" (Slack)، أو البريد الإلكتروني، فيمكنك أن تستثمر عمليات التواصل والتفاعل مع الموظفين في طرح الأسئلة التي تحثهم على التفكير في الوضع الراهن وإيجاد الحلول والأجوبة التي يحتاجون إليها.

3. عدم المبالغة في تقدير فاعلية النصيحة:

يعتمد نظام التقدير والمكافأة في الحياة على الأجوبة التي يمتلكها الإنسان، ولطالما كان الحال على هذا النحو في كافة مراحل حياة الأفراد وعلى مر التاريخ، وقد يُكافأ الطالب على تفوقه في المدرسة، ويُطلَب من الفرد في بداية حياته المهنية أن يكتسب ما أمكنه من المعلومات والمهارات حتى يصبح خبيراً في مجال عمله ويتقن تأدية المهام المطلوبة منه.

يعتقد الجميع أنَّ العاملين في المناصب القيادية خبراء في مجال عملهم ويمتلكون الأجوبة والحلول لكافة الأسئلة والمشكلات، وهذا هو السبب الكامن وراء حصولهم على الترقية على حد زعمهم.

يندفع معظم الأفراد لتقديم الحلول، والنصائح، والاقتراحات مباشرةً عند إعلامهم بوجود مشكلة أو خطب ما، ويعود هذا السلوك إلى نزعة راسخة في النفس الإنسانية ومشتركة بين جميع الأفراد على حدٍّ سواء.

هذه النزعة مؤذية لأنَّك لا تمتلك معلومات وافية عن المشكلة وأبعادها ومداها والأطراف المعنية بها، وأنت غير مؤهل لإسداء النصائح بناءً على المعطيات التي تعرفها، وقد يؤدي هذا السلوك إلى إضعاف فاعلية الآخرين، وقدرتهم على الاعتماد على أنفسهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة وحدهم دون طلب المساعدة.

يقتضي السلوك السليم طرح الأسئلة على الطرف الآخر لمساعدته على إيجاد الحل وحده، وتذكَّر أنَّ الإنسان يبالغ في تقدير جودة وصحة النصائح التي يقدِّمها.

4. التوقف عن إنجاز العمل عن موظفيك:

يجب أن تتريث قليلاً ولا تندفع لتقديم الحلول الجاهزة مباشرةً عندما يلجأ إليك أحد الموظفين طلباً للمساعدة، وينبغي أن يعتمد الموظفون على أنفسهم، وهنا يكمن دورك في حثهم على إيجاد الحلول ومساعدتهم على اكتشاف قدراتهم الكامنة واستثمارها في العمل.

بهذه الطريقة، أنت تساعدهم على التعلم وزيادة خبراتهم ومهاراتهم وقدرتهم على التعامل مع المشكلات بدل أن تقدِّم لهم حلولاً جاهزة، وبناءً على ما سبق، يجب عليك أن تتوقف عن تقديم الحلول الجاهزة، وتحث الموظف على مناقشتك بطبيعة المشكلة وأبعادها حتى يتوصل بنفسه إلى الحل المنشود.

يصبح الموظف مسؤولاً عن إيجاد الحلول عندما تبدأ بطرح الأسئلة عليه؛ إذ إنَّ طرح الأسئلة هو عبارة عن أداة لضبط النفس وكبح نزعة تقديم الحلول والأجوبة الجاهزة، ومساعدة الموظفين على التعلم والتقدم.

5. بناء علاقات متوازنة مع الموظفين:

تقتضي إحدى فلسفات الكوتشينغ تحقيق التوازن بين الحزم واللين في أثناء التعامل مع متلقي الكوتشينغ، ويقتضي الحزم في محادثات الكوتشينغ التحلي بالجرأة، والشجاعة، والانفتاح في أثناء التفاعل مع الآخرين، أما بالنسبة إلى اللين، فهو يقتضي دعم الطرف الآخر ومساعدته على تحقيق التقدم الشخصي الذي يصبو إليه.

تصبح ممارسات الكوتشينغ أكثر فاعلية، وفائدة، وقدرة على تحسين حيوات الآخرين عندما تؤمن بهم، وتساعدهم على اكتشاف قدراتهم وإمكاناتهم، وتراعي احتياجاتهم الإنسانية.

في الختام:

قد يستفيد القائد من تطبيق الكوتشينغ في الشركة في زيادة فاعلية العمل، وتأهيل الموظفين للاعتماد على أنفسهم في إيجاد الحلول التي يحتاجون إليها حتى يتفرَّغ للمهام القيادية، وقد قدَّم الجزء الأول من المقال 5 تقنيات فعالة لتطبيق ممارسات الكوتشينغ في مكان العمل، ويبحث الجزء الثاني في بقية التقنيات.