29 تقنية فعالة في مجال الكوتشينغ (الجزء الأول)
لا شك أنَّ نماذج ومنهجيات الكوتشينغ تساعد في تنظيم الممارسات والبرامج، ولكن يستفيد الكوتش المتمكِّن والواثق من نفسه من التقنيات المتاحة، وينوِّع أساليبه ويحدِّثها باستمرار.
يدرك الكوتش المتمكِّن أهمية الإلمام بمختلف التقنيات وتنويع الأساليب المستخدمة في الجلسات في زيادة فعالية ممارسات الكوتشينغ، ومراعاة اختلافات العملاء، وتحقيق الأهداف المرجوة.
يتألف المقال من 3 أجزاء، وهو يتناول مجموعة من أبرز التقنيات المستخدمة في مختلف تخصصات الكوتشينغ وأنواعه.
تقنيات الكوتشينغ
يحتاج الكوتش لاستخدام مجموعة من التقنيات الأساسية التي أثبتت فعاليتها في تحقيق الأهداف المطلوبة في كافة تخصصات الكوتشينغ المهني والشخصي عن طريق التركيز على عنصري التواصل والتحفيز.
فيما يلي 29 تقنية أثبتت فعاليتها في مجال الكوتشينغ:
1. استخدام استطلاعات الرأي قبل بدء الجلسة
تجري عملية التحقق مع العميل قبل بدء الجلسة للتأكد من جاهزيته ومساعدته في الاستعداد نفسياً وعقلياً وتحديد المواضيع التي يريد أن تركز عليها جلسة الكوتشينغ المقبلة.
يمكن أن تتضمن هذه المواضيع مسألة معيَّنة أراد العميل أن يطرحها في الجلسة السابقة ولكن لم تسنح له الفرصة.
يمكن الاستفادة من الوقت المخصص للتحقق في تكليف العميل بإحصاء إنجازاته والأهداف التي نجح في تحقيقها ووجهات النظر التي كوَّنها بعد الجلسة السابقة، وهو ما يساعد كل من الكوتش والعميل في متابعة مرحل التقدم وتقييم التجربة.
يجب أن تتيح عملية التحقق للعميل فرصة الإفصاح عن الصعوبات التي يواجهها والمعاناة التي يتعرض لها، ويمكن الحصول على هذه المعلومات بسهولة عن طريق استخدام أدوات التكنولوجيا الرقمية.
تقدم العديد من المنصات الرقمية المتخصصة في مجال الكوتشينغ أدوات لتصميم استطلاعات رأي بسيطة ومعيارية من أجل إرسالها للعملاء في بداية علاقة الكوتشينغ.
تتيح هذه المنصات الرقمية إمكانية تصميم استطلاعات رأي دورية تسمح للعميل بالتعبير عن وجهات نظره وإخبار الكوتش بالمواضيع التي يود مناقشتها في الجلسة المقبلة. تُرسَل هذه الاستطلاعات تلقائياً إلى العملاء وفق برنامج زمني محدد مسبقاً بفضل ميزات الأتمتة والجدولة التي تقدمها هذه المنصات.
2. تمارين التركيز، والتنفس، والاسترخاء
تقتضي هذه التقنية تخصيص بعض الوقت لتمارين التركيز والاسترخاء التي تساعد كل من الكوتش والعميل في ضبط انفعالاتهما والشعور بالهدوء والاتزان قبل بدء الجلسة، فضلاً عن دورها في زيادة القدرة على التركيز والانتباه وتلطيف الأجواء وتعزيز المشاعر الإيجابية قبل الخوض في محاور الجلسة.
بينت الدراسات العلمية أنَّ تمارين التنفس البطيء والعميق تحفز العصب المبهم الموجود في الجهاز العصبي اللاودي، وهو ما يؤدي بدوره إلى تعزيز شعور الهدوء والاسترخاء. يفضل بعض الكوتشز توجيه العملاء أثناء تطبيق تمارين التركيز باستخدام خطوات محضَّرة مسبقاً، أو بشكل عفوي بناءً على تفاعل العملاء وتجاوبهم وظروف الجلسة.
يمكن تطبيق هذه التمارين في بداية الجلسة، أو قبل الانتقال لموضوع صعب، أو في الوقت المخصص للاستراحة بين المحاور الرئيسية، كما يمكن الاستفادة منها في مقاطعة أنماط التفكير السلبية عندما تكون وجهات نظر العميل صادرة عن شعوره بالخوف.
3. الأسئلة المفتوحة
لقد أثبتت الأسئلة المفتوحة فعاليتها في تحديد أهداف العميل، واحتياجاته، ورغباته، وهي تُعتبَر من التقنيات الأساسية التي تضمن نجاح تجربة الكوتشينغ. تشجع الأسئلة المفتوحة على التفكر الذاتي كما أنها تساعد العميل في العثور على الأجوبة والحلول التي يحتاج إليها لتحسين حياته.
تقتضي وظيفة الكوتش الحفاظ على فضوله وتركيزه مع أجوبة العميل لكي يطرح السؤال المناسب عندما تكون الفرصة مواتية، كما ينبغي أن يمنح العميل الوقت الذي يحتاج إليه لصياغة الإجابة على مهل دون أن يستعجله أو يضغط عليه.
يُطلَق على هذه الطريقة اسم "منهج سقراط" نسبةً إلى الفيلسوف الإغريقي "سقراط" (Socrates) الذي اكتشف أنَّ الأسئلة المفتوحة تساعد في إدراك الأفكار والمعتقدات الكامنة في العقل الباطن، وتعزيز الوعي الذاتي. يُستخدَم هذا المنهج على نطاق واسع في الوقت الحالي من أجل مساعدة عملاء الكوتشينغ في إدراك أفكارهم ومعتقداتهم وتحسين حياتهم وتحقيق أهدافهم بناءً على هذه المعلومات.
4. طلب التغذية الراجعة
تقتضي هذه التقنية التواصل مع العملاء للحصول على التغذية الراجعة خلال الفترة الزمنية التي تفصل بين الجلسات، وهي تساعد في تحسين النتائج ويمكن تطبيقها بسهولة. تتيح هذه التقنية إمكانية تقييم فعالية ممارسات الكوتشينغ، كما أنها تبرز اهتمام الكوتش بتقدم العميل وعافيته، وتساعد في ترسيخ شعور المحاسبة والمسؤولية.
يمكن الحصول على هذه التغذية الراجعة عن طريق التواصل عبر البريد الإلكتروني، أو استخدام استطلاعات الرأي، أو الرسائل النصية، وغيرها من وسائط الاتصال. تزداد فعالية التغذية الراجعة عند إجرائها بشكل منتظم وليكن بعد انتهاء الجلسة مباشرةً، أو بعد مرور يوم كامل عليها، أو في منتصف الفترة الزمنية الفاصلة بين الجلسات على سبيل المثال.
تساعد هذه التقنية البسيطة في الحصول على معلومات قيِّمة تُستخدَم في تحسين إجراءات العمل والتحضير للمراحل المقبلة. يجب أن تشجع العميل على تقديم تغذية راجعة صريحة وبنَّاءة، وتبين له أهمية هذا الإجراء في تحسين تجربة الكوتشينغ. ينبغي أن يعرف العميل أنَّ التغذية الراجعة تصب في مصلحته وبإمكانه التعبير عن وجهات نظره بصراحة وأريحية.
تساعد التغذية الرجعة البناءة في زيادة فعالية ممارسات الكوتشينغ وتحقيق النتائج المطلوبة منها.
5. المساءلة
"المساءلة هي صلة الوصل بين التزام الفرد وتحقيق النتائج المطلوبة". – الكاتب الأمريكي "بوب بروكتور" (Bob Proctor)
تؤدي المساءلة دوراً بارزاً في تحقيق الأهداف المهنية والشخصية، وقد كشفت نتائج دراسة أجرتها "الجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير" (American Society of Training and Development) أنَّ تحديد الهدف ووضع خطة العمل اللازمة لتحقيقه يشكل 50% من معدل النجاح.
يرتفع معدل النجاح إلى 65% عندما يتعهد الفرد أمام شخص آخر بالالتزام بالعمل على تحقيق هدفه. بلغ معدل النجاح في تحقيق الهدف 95% عندما وضع المشاركون في الدراسة خطة العمل، وتعهدوا أمام شخص آخر بالتزامهم بتحقيق المطلوب، ونظموا اجتماعات تحقق دورية مع هذا الشخص للتأكد من التزامهم وتقييم تقدمهم.
لقد ساهمت المساءلة في زيادة احتمال النجاح إلى الضعف تقريباً في المثال آنف الذكر. تقتضي وظيفة الكوتش اكتشاف الآلية المناسبة لتعزيز شعور العميل بالمسؤولية والمساءلة وضمان التزامه بالعمل على تحقيق الهدف.
يقع على عاتق الكوتش من ناحية أخرى مهمة تحديد الصعوبات التي تمنع العميل من تحمل المسؤولية والالتزام بالعمل على تحقيق هدفه لكي يقترح عليه التدابير التي تساعده في التغلب على هذه الصعوبات والمضي في العمل.
ينبغي أن تكون إجراءات المساءلة دقيقة، ومتسقة، وبسيطة قدر الإمكان، بحيث يتعاون الكوتش والعميل على وضع خطة عمل مفصلة تتضمن طريقة متابعة التقدم وآلية تقييمه، وتوضح دور المساءلة في نجاح علاقة الكوتشينغ.
تقنيات كوتشينغ مكان العمل ومناصب الإدارة التنفيذية
يهدف الكوتشينغ التنفيذي إلى تنمية إمكانيات الموظفين والقادة، وتزويدهم بالمؤهلات التي يحتاجون إليها للترقي وتسلم المناصب الجديدة، وتحسين أدائهم، ومساعدتهم في اكتساب المهارات القيادية.
تتكفل المؤسسة بدفع تكاليف هذا النوع من الكوتشينغ، وغالباً ما يجري بطريقة تراعي أهداف المؤسسة والنتائج التي تتطلع لتحقيقها.
لا يقتصر تأثير هذا النوع من الكوتشينغ على المتلقي فحسب، بل إنه يطال كامل المؤسسة.
فيما يلي 3 تقنيات يمكن تطبيقها مع عملاء الكوتشينغ التنفيذي:
1. إدراك الأهداف على مستوى المؤسسة
يقوم الكوتشينغ التنفيذي على مجموعة من الأهداف المحددة التي تتفق عليها الأطراف المشاركة في علاقة الكوتشينغ وهم الكوتش، والمدير التنفيذي، وأصحاب القرار في المؤسسة.
لهذا السبب، يجب أن تراعي أهداف الكوتشينغ التنفيذي النتائج التي تتطلع المؤسسة لتحقيقها، ويقع على عاتق الكوتش مهمة التوفيق بين أهداف المؤسسة، وطموحات القائد المهنية في بداية علاقة الكوتشينغ.
ينبغي أن يقيِّم الكوتش باستمرار تأثير إجراءات الكوتشينغ على جميع العاملين في المؤسسة، ويشجع المدير التنفيذي على إدراك صلته ببقية الموظفين والدور الذي يؤديه في المؤسسة.
2. إدراك حالات التحيز اللاواعي
ينجم التحيز اللاواعي عن الأفكار النمطية التي يكوِّنها العقل مع مرور الوقت لمساعدة الفرد أثناء التقدم في حياته. تكمن المشكلة في التأثيرات السلبية لهذه التحيزات على القرارات التي يتخذها القادة.
قد لا تكون سلوكيات التحيز الموجهة ضد فئة معيَّنة مقصودة سواء في قرارات التوظيف، أو المفاضلة بين المرشحين للترقية، أو تقييم أداء العاملين، ومع ذلك تعيق هذه الممارسات استثمار المواهب والإمكانيات الإستراتيجية التي تنجم عن تنوع القوى العاملة.
يستخدم الكوتش أدوات الكشف عن حالات التحيز واختبارات التداعيات الضمنية لتحديد الأفكار النمطية والأحكام المسبقة المترسخة في العقل الباطن. لقد تبين أنَّ هذه التحيزات تخفض فعالية أداء القائد، وتقتضي مهمة الكوتش تحديد مصدرها، ومساعدة العميل في إدراكها وتغيير المعتقدات والأفكار النمطية المترسخة في عقله الباطن، وزيادة قدرته على اتخاذ قرارات واعية ومدروسة.
3. تحديد أهداف القيادة
الإحساس بوجود الهدف بالغ التأثير على عافية الفرد ومدى نجاحه في حياته الشخصية والمهنية، وقد شددت مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" (Harvard Business Review) على أهمية تحديد الأهداف في تعجيل نمو المدير التنفيذي. تشمل المهام التنموية الأساسية المطلوبة من القائد تحديد الأهداف وصياغتها بدقة والتحلي بالشجاعة اللازمة لتحقيقها على أرض الواقع.
يُطلَب من عملاء الكوتشينغ التنفيذي صياغة بيان قيادي شخصي يتوافق مع قيمهم ومبادئهم الخاصة ويساعدهم في الالتزام بها في العمل. يساعد التركيز على المستقبل وتحديد خطة القيادة وتوجهاتها في تنظيم سير العمل وتجنب الضغوطات.
في الختام
يحتاج الكوتش لتنويع تقنياته ومراعاة اختلافات العملاء أثناء تطبيق ممارسات الكوتشينغ. قدم الجزء الأول من المقال 8 تقنيات فعالة في مجال الكوتشينغ، ويبحث الجزء الثاني في مجموعة أخرى من التقنيات.