8 أهداف للاستشارات الإدارية - الجزء الثالث
تحدَّثنا في الجزء الأول عن التسلسل الهرمي للأهداف وعن ثلاثة أهداف للاستشارات الإدارية، وتحدَّثنا في الجزء الثاني عن ثلاثة أهداف أخرى، وسنتابع في هذا الجزء الحديث عن الهدفين الأخيرين.
1. تسهيل تعلُّم العميل:
يُحبُّ مستشارو الإدارة أن يتركوا وراءهم شيئاً ذا قيمة دائمة، وهذا لا يعني تعزيز قدرة العملاء على التعامُل مع المشكلات الطارئة فحسب؛ بل مساعدتهم على تعلُّم الأساليب اللازمة للتعامُل مع التحديات المستقبلية أيضاً، وهذا لا يعني أنَّ الاستشاريين الناجحين يحرمون أنفسهم فرص العمل المستقبلية؛ وذلك لأنَّ العملاء الراضين سيزكونهم للآخرين ويطلبون دعمهم في المرة القادمة عند الحاجة.
يُسهِّلُ المستشارون التعلُّم من خلال إشراك أعضاء المنظمة في عمليات المَهمَّة؛ على سبيل المثال غالباً ما يؤدي إظهار أسلوب مناسب أو التوصية بكتاب ذي صلة إلى أكثر من إجراء التحليل المطلوب بهدوء، وعندما تتطلَّبُ المَهمَّة طريقة خارج مجال خبرة الاستشاري، فقد يُوصي باستشاريين آخرين أو برامج تعليمية، ومع ذلك قد يحتاج بعض أعضاء الإدارة إلى اكتساب مهارات معقدة لا يُمكِنُهم تعلُّمها إلَّا من خلال الخبرة الموجَّهة مع مرور الوقت.
من خلال المشاركة القويَّة للعميل في العملية بأكملها، تُتاحُ العديد من الفُرَص لمساعدة الأعضاء على تحديد احتياجات التعلُّم، وفي كثير من الأحيان يمكن للاستشاري أن يقترح أو يساعد على تصميم فرص للتعلُّم حول أساليب تخطيط العمل، ومهام فريق العمل، وعمليات تحديد الأهداف، وما إلى ذلك.
مع أنَّ الاستشاري الناجح يهتم بالتعلُّم التنفيذي خلال التعاقُد، فقد يكون من الحكمة عدم ذكر ذلك علناً، وقد لا يحبُّ المديرون فكرة "تعليمهم كيفية الإدارة"، ويبدو الكثيرُ من الحديثِ عن تعليم العميل مجرد غطرسة، وهو كذلك.
التعلُّم في أثناء المشاريع هو منفعة متبادلة، وفي كل تعاقد يجب أن يتعلَّمَ المستشارون كيف يكونون أكثر فاعلية في تصميم المشاريع وتنفيذها، وعلاوةً على ذلك قد يكون استعداد الاستشاري للتعلُّم مُعدياً، وفي أفضل العلاقات يستكشفُ كلُّ طرف التجربة مع الآخر من أجل تعلُّم المزيد منها.
2. الفاعليَّة التنظيمية:
في بعض الأحيان لا يتطلَّبُ التنفيذ الناجح مفاهيم وتقنيات إدارية جديدة فحسب؛ بل يتطلَّبُ أيضاً مواقف مختلفة فيما يتعلَّقُ بحقوق وواجبات الإدارة أو حتى تغييرات في كيفية تحديد الغرض الأساسي للمنظمة وتنفيذه، ويُستَخدَم مصطلح الفاعلية التنظيمية للإشارة إلى القدرة على تكييف الاستراتيجية والسلوك المستقبليين مع التغيير البيئي وتحسين مساهمة الموارد البشرية للمنظمة.
يساهم الاستشاريون الذين يدرجون هذا الغرض في ممارساتهم في أهم مَهمَّة للإدارة العليا وهي: "الحفاظ على قابلية نجاح المنظمة المستقبلي في عالم متغيِّر"، وقد يبدو هذا هدفاً كبيراً جداً للعديد من التعاقدات، لكنْ مثلما يُمكِنُ للطبيب الذي يحاول تحسين أداء عضو واحد أن يساهم في صحة الجسم بأكمله، يهتمُّ الاستشاري بالشركة ككل حتى عندما تكون المَهمَّة المباشرة محدودة.
تُحقِّقُ العديد من المشاريع تغييراً في جانب واحد من عمل المنظمة لا يدوم أو يثبت أنَّه يأتي بنتائج عكسية؛ وذلك لأنَّه لا يتماشى مع جوانب أخرى من النظام، وإذا تولى الموظفون من المستوى الأدنى في قسم ما مسؤوليات جديدة، فقد يؤدي إلى اختلاف في قسم آخر، أو إلى استراتيجية تسويق جديدة مناسبة جداً بسبب التغيرات في البيئة، قد تتعثر بسبب تأثيرها غير المُتوقَّع في الإنتاج والجدولة، ونظراً إلى أنَّ مثل هذه التداعيات مُحتمَلة، يجب على العملاء إدراك أنَّه ما لم تأخُذُ التوصياتُ في الحسبان الصورةَ بأكملها، فقد يكون من المستحيل تنفيذها أو قد تؤدي إلى صعوبات مستقبلية في مكان آخر في الشركة.
تعزيز الفاعلية الشاملة جزء من كل خطوة، وفي أثناء الاستماع إلى مخاوف العميل بشأن أحد الأقسام، يجب على الاستشاري أن يربطها بما يحدث في مكان آخر، وفي أثناء النظر في المشكلات الحالية، يجب أن يُفكِّرَ أيضاً في الاحتياجات المستقبلية، وعند استيعاب تفسيرات المديرين لسبب صعوبة التقدُّم، يجب على الاستشاري أن يأخذ في الحسبان المعوقات المحتملة الأخرى أيضاً.
على ذلك؛ يساهم الاستشاري في الفاعلية الشاملة من خلال معالجة المشكلات المباشرة مع استيعاب جميع النواحي المرتبطة بها، ويجب على العملاء ألَّا يفترضوا تلقائياً أنَّ الاستشاريين الذين يطرحون أسئلة أوسع يحاولون فقط جلب المزيد من العمل لأنفسهم، ويُعَدُّ النظر في علاقة مخاوف العميل المباشرة مع الصورة بأكملها هو - في نهاية المطاف - مسؤولية الاستشاري.
نادراً ما يحدث تغيير هام في استثمار الموارد البشرية لمجرد أنَّ الاستشاري يُوصي بذلك، فقد يكون للاستشاريين تأثير أكبر من خلال الأساليب التي يظهرونها في إجراء عمليَّة الاستشارات نفسها؛ على سبيل المثال إذا اعتقدَ الاستشاريون أنَّ أجزاء من المنظمة تحتاج إلى تحسين التواصل، فيمكِنُهم التماس أفكار الآخرين باستمرار حول ما يُناقَش أو اقتراح فِرَق عمل للمشروع تضم موظفين من مستويات أو أقسام مختلفة.
عندما يكتشف المدير أنَّ أسلوب الاستشاري الفاعل في حل بعض المشكلات لم يعتمد على تحليل معقد؛ وإنَّما ببساطة "ومهارة" يطلب اقتراحات الموظفين الأكثر فاعلية، فإنَّه يدرك قيمة التواصل الأفضل، ويُشجِّعُ أفضلُ الاستشاريين العملاءَ على تحسين الفاعلية التنظيمية، ليس عن طريق كتابة التقارير أو التوصية بالكتب حول هذا الموضوع؛ وإنَّما من خلال تجسيد أساليب التحفيز الناجحة.
المستشارون ليسوا ناشطين عازمين على إصلاح أنماط الإدارة وفرضياتها، لكنْ يجب أن يشمل التحليل المهني تقييم الفاعلية التنظيمية الشاملة، ويجب أن تساعد عملية الاستشارات على تقليل المعوقات أمام التحسين.
الاستشاريون الناجحون هم ممارسون، ولكنَّ ممارساتهم تتَّفقُ مع معتقداتهم، وعندما تُحفِّزُ عملية الاستشارات التجارب بأساليب إدارية أكثر فاعلية، فإنَّها تقدم مساهمتها الأكثر قيمة في عمل الإدارة.
مزيد من التركيز في العملية:
تعزيز الإجماع والالتزام والتعلُّم والفاعلية المستقبليَّة ليست بدائل للأهداف الأشيع للاستشارات الإدارية، ولكنَّها نتائج مرغوبة لأيَّة عملية استشارية ناجحة، ويعتمد مدى إمكانية دمجها في أساليب تحقيق الأهداف التقليدية على الفهم والمهارة التي تُدارُ بها علاقة الاستشارات بأكملها. حظيَتْ هذه الأهداف باهتمام أكبر في أدبيات تطوير المنظمة وفي كتابات الاستشاريين السلوكيين أكثر من مجال الاستشارات الإدارية، لكنْ يمكن تحقيق الأهداف السلوكية على نحو أفضل عند دمجها مع الأساليب التقليدية، وللعملاء الحق في توقُّع استيعاب جميع الاستشاريين الإداريين - مهما كان تخصصهم - للعلاقات والعمليات الإنسانية، وفي أن تكون لديهم المهارة لتحسين قدرة المنظمة على حل المشكلات المستقبلية والحالية.
في الختام:
بدأَتْ فكرة أنَّ الاستشارات الناجحة تعتمد فقط على الخبرة التحليلية والقدرة على تقديم تقارير مقنعة تفقُد شعبيتها، ويرجعُ ذلك جزئياً إلى وجود الآن عدد أكبر من الأشخاص داخل المنظمات ممَّن لديهم تقنيات التحليل المطلوبة مقارنةً بسنوات ازدهار "الاستشارات الاستراتيجية"، وعلى نحو متزايد لم يَعُد هدف الاستشاريين الإداريين الناجحين التوصية بالحلول وحسب؛ بل المساعدة على تكريس الإجراءات الإدارية الأكثر فاعلية أيضاً.
هذا الاتجاه هام بالنسبة إلى المؤسسات الاستشارية؛ وذلك لأنَّها تتطلب مهارات عملية تحتاج إلى مزيد من التركيز في سياسات التوظيف وتطوير الموظفين في المؤسسات، وهذا هام بنفس القدر للمديرين الذين لا يحتاجون فقط إلى مشورة الخبراء؛ وإنَّما إلى المساعدة العملية على تحسين الأداء المستقبلي للمنظمة أيضاً.
نظراً إلى أنَّ المديرين يفهمون النطاق الأوسع من الأهداف التي يمكن أن تساعد الاستشاراتُ الممتازة على تحقيقها، سوف يختارون الاستشاريين بحكمة ويتوقعون منهم فائدة أكبر، وعندما يتعلَّمُ العملاء كيفية التعبير عن الاحتياجات الجديدة، يتعلَّم المستشارون الجيدون كيفية معالجتها.