8 أهداف للاستشارات الإدارية - الجزء الثاني
تحدَّثنا في الجزء الأول من المقال عن التسلسل الهرمي للأهداف، وعن ثلاثة أهداف للاستشارات الإدارية، وسنتابعُ في هذا الجزء الحديث عن ثلاثة أهداف أخرى.
1. الإجراءات المُوصى بها:
ينتهي التعاقد بتقرير مكتوب أو عرض تقديمي شفوي يُلخِّصُ استنتاجات الاستشاري وتوصياته بما يجب على العميل القيام به، وتُكرِّسُ المؤسسات الاستشارية قدراً كبيراً من الجهد لتصميم تقاريرها؛ حيث تصوغ المعلومات والتحليل بوضوح وتُدرِج التوصيات المُرتبِطة ارتباطاً مقنعاً بالتحليل الذي تستند إليه.
قد يقول الكثيرون من الناس إنَّ الغرض من التعاقُد قد تَحقَّقَ عندما يقدِّم الاستشاري خطة عمل متَّسقة ومنطقيَّة للخطوات المُصمَّمَة لحلِّ المشكلةِ التي جرى تحليلها وتشخيصها، ويُوصي الاستشاري ويقرِّرُ العميل عدم التنفيذ أو التنفيذ وكيفية التنفيذ.
مع أنَّهُ قد يبدو تقسيماً معقولاً للعمل، فهو من جوانب كثيرة بسيط وغير مُرضٍ، عددٌ لا يُحصى من التقارير التي تبدو مقنعة - والمُقدَّمة بتكلفة كبيرة - ليس لها تأثير حقيقي؛ وذلك لأنَّ العلاقة - بسبب قيود خارج دائرة اختصاص الاستشاري - تتوقَّف عند صياغة توصيات سليمة من الناحية النظرية لكنْ لا يمكن تنفيذها.
على سبيل المثال واجهَ مرفق عام وطني في بلدٍ نامٍ صعوبةً لسنوات لتحسين الكفاءَةِ من خلال تشديد الرقابة الماليَّة على العمليات اللا مركزية، وأجرى مؤخراً أستاذ من مدرسة الإدارة الرائدة في البلاد دراسة مستفيضة للمرفق وقدَّمَ 100 صفحة من التوصيات، ووفقاً للمدير التنفيذي؛ تجاهلَتْ هذه النصيحة العقبات الكبيرة؛ مثل: قوانين الخدمة المدنيَّة، وظروف التوظيف، والعلاقات مع حكومات الولايات والحكومات المحليَّة؛ لذلك انتهى التقرير على رفِّ كتب العميل بجوار تقريرين آخرين مُكلِفَين وغير مُنفَّذين من قِبَل مؤسسات استشارية دوليَّة معروفة، ويحدث هذا النوع من الأشياء في كثير من الأحيان أكثر مما يرغبُ المستشارون الإداريون في الاعتراف به، وهو ليس فقط في البلدان النامية.
في مثل هذه الحالات يلومُ كلُّ جانب الآخر، وتكون الأسباب من قبيل: "يفتقر عميلي إلى القدرة أو الشجاعة لاتِّخاذ الخطوات اللازمة" أو "لم يساعد هذا المستشار على ترجمة الأهداف إلى أفعال".
يشتكي تقريباً جميع المديرين الذين يتحدثون عن تجاربهم كعملاء من توصيات غير عمليَّة، وكثيراً ما يلوم المستشارون العملاء على عدم امتلاكهم الفهم الكافي للقيام بما هو مطلوب وواضح، ولسوء الحظ قد يقود هذا التفكير العميلَ إلى البحثِ عن استشاري آخر، وفي أنجح العلاقات لا يُوجَدُ تمييز صارم بين الأدوار، ويجب ألَّا تحتوي التوصيات الرسميَّة على مفاجآت إذا ساعدَ العميل على تكوينها وكان الاستشاري معنيَّاً بتنفيذها.
2. تنفيذ التغييرات:
ما يزالُ الدور التنفيذي المناسب للاستشاري موضع نقاش كبير في المهنة، ويُجادِلُ بعض الأشخاص بأنَّ تنفيذ التوصيات يقع على عاتق المدير، ومن ثم يقع خارج صلاحيات الاستشاري، ويعتقدُ آخرون أنَّ أولئك الذين يلقون مسؤولية التنفيذ على عاتق العميل فقط يفتقرون إلى الخبرة المهنيَّة؛ وذلك لأنَّ التوصيات التي لا تُنفَّذ "أو التي تُنفَّذ تنفيذاً سيِّئاً" هي مضيعة للمال والوقت، ومثلما يُمكِنُ للعميل المشاركة في التحليل دون التقليل من قيمة دور الاستشاري، يُمكِنُ أن يساعد الاستشاري على التنفيذ دون تقويض مسؤولية المدير.
في الغالب سيطلُبُ المستشار تعاقداً جديداً للمساعدة على تثبيت نظام جديد مُوصى به، ومع ذلكَ إذا لم تكُنْ العملية حتى هذه المرحلة تعاونية، فقد يرفض العميل طلباً للمساعدة على التنفيذ؛ وذلك لأنَّه يمثِّل تحولاً مُفاجِئاً في طبيعة العلاقة، ويتطلب العمل الفعال بشأن مشكلات التنفيذ مستوى من الثقة والتعاون يتطور تدريجياً طوال فترة التعاقد.
في أي تعاقُد ناجح يسعى الاستشاري باستمرار إلى فهم أيٍّ من الإجراءات - في حال التوصية به - من المُحتمَل تنفيذه ومتى يكون العميل مستعداً لتغيير أسلوبه في التنفيذ، وقد تقتصر التوصيات على تلك الخطوات التي يعتقد الاستشاري أنَّها ستنفَّذ تنفيذاً جيداً، وقد يعتقدُ بعض الأشخاص أنَّ هذه الحساسية ترقى إلى إخبار العميل فقط بما يريد سماعه.
في الواقع المعضلة المتكررة للاستشاريين ذوي الخبرة هي ما إذا كان ينبغي أن يوصوا بما هو صحيح أم بما يقبله العميل، لكنْ إذا كانت أهداف المَهمَّة تتضمن تعزيز الالتزام وتشجيع التعلُّم وتطوير الفاعلية التنظيمية، فلا فائدة من التوصية بإجراءات لن تُنفَّذ.
مشكلة منتشرة:
يؤثِّرُ النظر إلى التنفيذ كونه مصدر قلق رئيس في سلوك المهني في جميع مراحل التعاقد، وعندما يطلُبُ العميل معلومات، يسأل المستشار عن طريقة استخدامها وما هي الخطوات التي اتُّخِذَت للحصول عليها، ثم يُحدِّدُ مع أعضاء منظمة العميل الخطوات التي تكون الشركة على استعداد لاتِّباعها وكيفية إطلاق المزيد من الإجراءات، ويقدِّم المستشار الدعم باستمرار لمرحلة التنفيذ من خلال طرح أسئلة تركِّز في العمل، ومناقشة التقدُّم المُحرَز باستمرار، وضم أعضاء المنظمة إلى الفريق.
يترتَّبُ على ذلك استعداد المديرين لتجربة إجراءات جديدة في أثناء مدَّة التعاقد، وعدم الانتظار حتى نهاية المشروع للبدء بتنفيذ التغيير، وعندما تُثبِتُ الابتكارات نجاحها، فإنَّها تُكرَّس بطريقة أكثر فاعلية مما لو أُوصيَ بها دون إظهار قيمتها، وللتنفيذ بنجاح يجبُ تعزيز الاستعداد والالتزام بالتغيير، ويجب أن يتعلَّمَ أعضاء العميل طرائق جديدة لحلِّ المشكلات لتحسين الأداء التنظيمي، ويعتمد مدى جودة تحقيق هذه الأهداف على مدى فهم الطرفين لعمليَّة التعاقد بأكملِها وحسن إدارتها.
من المرجَّح أن يستخدم العملاء الابتكارات التي أثبتت نجاحها ويكرِّسونها في عملهم أكثر بكثير من التوصيات المكتوبة، ولقد حقَّقَت التجارب التي أُجريَت على تنفيذ الإجراءات في أثناء سير المشروع وليس بعد الانتهاء من المَهمَّة نتائج جيدة جداً، وعموماً يتطلَّبُ التنفيذ الفاعل الإجماع والالتزام وتقنيات جديدة لحلِّ المشكلات وأساليب الإدارة.
3. بناء الإجماع والالتزام:
تعتمد فائدة المنظمة من التعاقد على درجة توصُّل الأعضاء إلى اتِّفاق حول طبيعة المشكلات والفُرَص وعلى الإجراءات التصحيحية المناسبة، وبخلاف ذلك؛ لن يُقبَلَ التحليل، ولن تُنفَّذَ التوصيات، وقد تُحجَبُ البيانات المُفيدَة، ولتقديم توصيات سليمة ومُقنِعة، يجب أن يكون الاستشاري مقنعاً ولديه مهارات تحليلية مضبوطة بدقَّة، ولكنَّ الأهم من ذلك هو القدرة على تصميم عملية من أجل الوصول إلى اتِّفاق حول الخطوات الضرورية، وإنشاء الزخم لمتابعة هذه الخطوات، ويُلخِّصُ تعليقُ أحد المستشارين هذا جيداً:
"بالنسبة إلي، تعني الاستشارات الفاعلة إقناع العميل باتِّخاذ إجراء ما، ولكنَّ هذا غيض من فيض، وما يدعمُ ذلك هو إرساء توافق داخل المنظَّمة على أنَّ الإجراء منطقي؛ أي ليس فقط جعل العميل يتَّخذ إجراء؛ وإنَّما الحصول على الدعم الكافي حتى يكون الإجراء ناجحاً، وللقيام بذلكَ يحتاج المستشار إلى تقنيات رائعة لحلِّ المشكلات والقدرة على إقناع العميل من خلال تحليله المنطقي، بالإضافة إلى ذلك يجب مساهمة عدد كافٍ من الأعضاء الرئيسين في الحل حتى ينجح؛ لذلك يجب على الاستشاري وضع خطَّة لتحديد الأعضاء الهامين وكيفية إثارة اهتمامهم.
يمكنُ للمُستشارين قياس وتعزيز استعداد العميل والتزامه بالتغيير من خلال النظر في الأسئلة التالية:
- ما هي المعلومات التي يقبلها العميل أو يقاومها على الفور؟
- ما هي الدوافع غير المُعلَنة لطلب مساعدتنا؟
- ما هي أنواع البيانات التي يُحجم هذا العميل عن تقديمها؟ لماذا؟
- ما هو مدى استعداد أعضاء المنظَّمة فردياً وجماعياً للعمل معنا لحلِّ هذه المشكلات وتشخيص هذا الموقف؟
- كيفَ يُمكِنُنا تشكيل العملية والتأثير في العلاقة لزيادة استعداد العميل لاتِّخاذ الإجراء التصحيحي المطلوب؟
- هل هؤلاء المديرون التنفيذيون على استعداد لتعلُّم أساليب وممارسات إدارية جديدة؟
- هل يقبلُ أصحابُ المناصب العُليا باقتراحات الموظفين الأدنى رتبة؟ إذا زاد المشروع التواصل مع المستويات العليا للإدارة، فكيف سيستجيبون؟
- إلى أيَّة درجة سيَعُدُّ هذا العميل المساهمة في الفاعلية التنظيمية والقدرة على التكيُّف هدفاً مشروعاً ومرغوباً؟
لا ينبغي أن يتوقَّعَ المديرون بالضرورة من مستشاريهم طرح هذه الأسئلة، لكنْ يجب أن يتوقعوا اهتمام الاستشاريين بقضايا من هذا النوع خلال كل مرحلة من مراحل التعاقُد.
بالإضافة إلى زيادة الالتزام من خلال مشاركة العميل خلال كل مرحلة، فقد يثير الاستشاري الحماسة بمساعدةِ حليفٍ من المنظَّمَة "ليس بالضرورة الشخص الأكثر مسؤولية عن التعاقد"، ومهما كان مكان الحليف في المنظَّمة، يجب عليه فهم أهداف المُستشار ومشكلاته، وقد يكون مثل هذا الراعي لا يُقدَّر بثمن في تقديم نظرة ثاقبة حول أداء الشركة، أو مصادر جديدة للمعلومات، أو نقاط الاضطراب المُحتمَلة، ويشبهُ هذا الدور دور المُخبِر المتعاوِن في البحث الميداني في الأنثروبولوجيا الثقافية، وغالباً ما يكون أكثر نجاحاً عندما لا يُسعى إليه علناً.
عند إجراء المقابلات لجمع المعلومات بمهارة، يُمكنُ في نفس الوقت بناء الثقة والاستعداد لقبول الحاجة إلى التغيير في جميع أنحاء المنظَّمة، ويجب أن يُوضِّحَ نهج الاستشاري أنَّ سبب المقابلات ليس اكتشاف الخطأ من أجل إلقاء اللوم؛ وإنَّما لتشجيع الأفكار البنَّاءَة من أجل التحسين، ثم يرى الأعضاء من جميع مستويات المنظَّمة المشروع على أنَّهُ مفيد وليس تحقيقاً غير مرغوب فيه.
من خلال تحديد المعارضة المُحتمَلة أو القبول، تساعدُ المقابلات المستشار على معرفة الإجراءات التصحيحية التي ستنجح وتكشف دائماً عن حلول سليمة واستعداد لمواجهة الصعوبات أكبر مما توقَّعَتهُ الإدارة العليا، وقد تكشفُ أيضاً أنَّ المعارضين المُحتمَلين لديهم بيانات ووجهات نظر صحيحة، ويتعلَّمُ المستشارون الحكيمون أنَّ "المعارضة" غالباً ما تُشيرُ إلى مصادر ذات أهمية خاصة؛ والتي لا يُمكِنُ الحصول عليها بأيَّة طريقة أخرى.
العلاقةُ مع العميل الرئيس هامَّة تحديداً في تعزيز الإجماع والالتزام، ومنذ البداية تؤدي العلاقة الفاعلة إلى إجراء بحث تعاوني عن إجابات مقبولة لمخاوف العميل الحقيقيَّة، ومن الناحية المثاليَّة يتضمَّنُ كلُّ اجتماعٍ تقريراً ثنائيَّ الاتجاه حول ما أُنجِزَ منذ آخر اتِّصال، ومناقشة حول ما يجبُ أن يفعلهُ الطرفان بعد ذلك؛ وبهذه الطريقة تتطوَّرُ عمليَّة التأثير المُتبادَل مُحدِثَة تغييرات طبيعية في جدول الأعمال والتركيز مع تقدم المشروع.
إنَّ الاستشارات الإدارية الفاعلة صعبة ما لم تتحرك العلاقة في اتجاه تعاوني أبعد مما يتوقعه معظم العملاء، والاستشارات الناجحة مُكلِفَة جداً ليس فقط لأنَّ أتعاب الاستشاريين الجيدين مرتفعة؛ وإنَّما أيضاً لأنَّ كبار المديرين يجب أن يشاركوا في جميع مراحل العمليَّة.
في الختام:
تحدَّثنا في الجزء الأول عن التسلسل الهرمي للأهداف وعن ثلاثة أهداف للاستشارات الإدارية، وتحدَّثنا في هذا الجزء عن ثلاثة أهداف أُخرى، وسنتابعُ في الجزء الثالث الحديث عن الهدفين الأخيرين.