الدليل الكامل لتطوير مواد التدريب (الجزء الأول)


ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدون "أندريو باري" (Andrew Barry)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية في عملية تطوير مواد التدريب.

دعني أخبرك عن الأخطاء التي ارتكبتها في بناء عملية تطوير مواد تدريبية لشركة "كيوريوس ليون" (Curious Lion).

في أحد المشاريع، اكتشفت بعد فوات الأوان أنَّ المطورين الذين وظفناهم لإنشاء وحدات التعليم الإلكتروني ليس لديهم أيَّة فكرة عمَّا كانوا يفعلونه، وقد تعلمت درساً قيماً في ذلك اليوم يتعلق بالنموذج الأولي والاختبار، وبسرعة، يجب أن تختبر أصعب المشكلات أولاً، ثم تتأكد تماماً من قدرة مطوريك على تنفيذ ذلك قبل الانتقال إلى وضع الإنتاج الكامل.

بالنسبة إلى عميل آخر، كان لدينا خبراء متخصصون لا يمكنهم ببساطة اتخاذ قرار؛ لذلك أهدرنا ساعات لا تُحصى وآلاف الدولارات على التعليقات الصوتية والفيديوهات عندما تغيرت السيناريوهات، وكانت العبرة هنا، يجب وضع مؤشرات واضحة ونقاط قرار مسبقاً ويجب التواصل كثيراً.

ربما يكون الخطأ الذي يصعب تقبله هو عندما أنشأنا مجموعةً كاملةً من الدورات التدريبية لعميل لم يستخدمها في النهاية، ولقد أخطأنا نحن والعميل في تشخيص الحاجة إلى التدريب خطأً فادحاً وبعيداً كل البعد عن الصحة؛ لذلك لن أبدأ مشروعاً آخر دون تحليل متعمق للاحتياجات مرةً أخرى.

فإذا كنت ترغب في تجنب هذه الأخطاء التي واجهتني وغيرها الكثير، فإنَّ هذا المقال يتضمن الدروس التي تعلمتها خلال 15 عاماً من تطوير مواد التدريب للشركات في مختلف المجالات.

محتويات دليل تطوير المواد التدريبية:

الخطوة الأولى: إجراء تحليل لاحتياجات حلول التدريب خاص بشركتك

يوجد قول مأثور في حرفة النجارة مفاده: "قِس مرتين، واقطع مرةً واحدةً"، سواء كنت تقيس مرات عدَّة أم مرتين، فإنَّ النقطة الهامة هنا هي أنَّك يجب أن تكون متأكداً تماماً من الإجراءات قبل الشروع فيما ستفعله، وينطبق هذا الأمر على تصميم حلول تدريب الشركات.

توجد نظرية شائعة لسلوك المستهلك تسمى الوظائف التي يجب عليك القيام بها (JTBD) "تصف هذه النظرية الآليات التي تجعل المستهلك يتبنى الابتكار، وتنص النظرية على أنَّ الأسواق تنمو وتتطور وتتجدد عندما يكون لدى العملاء وظيفة يجب عليهم القيام بها، ثم يشترون منتجاً لإكمالها".

فالنظرية هي أنَّنا نشتري أشياء لتحسين أنفسنا وإحراز التقدم؛ إذ تساعدنا المنتجات على إنجاز العمل، وهي عملية وليست نشاطاً أو مهمةً أو شيئاً لديك، إنَّه أمر تشارك فيه.

لقد أرادت زوجتي شراء دراجة رياضية، وقد اشتريناها بعد أن بقينا في منازلنا خلال فترة الإغلاق، وذلك لأنَّنا نريد أن نحافظ على لياقتنا، ونفقد الوزن، ولتساعدنا على إطلاق هرمون الإندورفين. وينطبق الأمر نفسه على حلول التدريب للشركات، فنحن نضعها أو نشتريها لمساعدة الأشخاص على إحراز تقدُّم أو تحسين في حياتهم المهنية.

تتضمن حلول تدريب الشركات:

  • بذل الكثير من الجهد والمطالبة بإجراء القياس (2-7) مرات، قبل أن تبدأ عملية تطوير المحتوى.
  • إرضاء حاجة أو رغبة الناس لإحراز التقدم والتحسين.

من خلال هذا المنظور، تحلِّل احتياجاتك ويجب أن يتضمن ذلك الخطوات الآتية:

  1. تحديد هدف المنظمة لحلول التدريب.
  2. مقابلة مجموعة كبيرة من الأشخاص والبحث عن ثغرات التوقع.
  3. استخدام أسلوب تدريب مؤسسي يركز على المتعلم.

تحديد هدف المنظمة لحلول التدريب:

تأتي ميزانية التدريب من المنظمة، ومن ثمَّ يحتاج هدف التدريب إلى الارتباط بهدف المنظمة، وسيكون تحديد هدف المنظمة الآن مفيداً عند قياس عائد الاستثمار في الخطوة التاسعة.

مقابلة مجموعة كبيرة من الأشخاص والبحث عن ثغرات التوقع:

يوجد نوعان من العناصر الأساسية لهذه الخطوة؛ العنصر الأول هو تضمين مجموعة واسعة من الأشخاص في عينتك؛ إذ يمكنك إشراك أصحاب المصلحة الرئيسين الذين لديهم حاجة إلى التدريب، لكن يجب عليك إدراج المتعلمين أنفسهم ومديريهم.

أما العنصر الثاني، فهو استخدام أسلوب طرح الأسئلة السقراطي "استجواب سقراطي" للدخول في حوار مدروس مع الشخص الذي تُجري مقابلةً معه، فيجب أن يكون هدفك هو السماح لمن تقابله بتقييم أفكاره بصورة منطقية وتحديد مدى صحة وجهات نظره.

لذا خطط لأسئلتك مسبقاً، وتأكد من إدراج أنواع مختلفة من الأسئلة السقراطية:

  • الأسئلة التوضيحية؛ على سبيل المثال، هل يمكنك إعطاء مثال عن ...؟
  • الأسئلة الافتراضية؛ على سبيل المثال، لماذا نفترض هنا أنَّ …؟
  • الأسئلة المتعلقة بالأسباب والأدلة؛ على سبيل المثال، ما الذي دفعك إلى تصديق ذلك الأمر؟
  • أسئلة المنشأ أو المصدر؛ على سبيل المثال، ما الذي جعلك تشعر بهذه الطريقة؟
  • أسئلة الآثار والنتائج؛ على سبيل المثال، ما هو تأثير ذلك؟
  • أسئلة وجهات النظر؛ على سبيل المثال، كيف تجيب عن هذا الاعتراض المتعلق بهذه الفكرة؟

لاحظ كيف أنَّ جميع أسئلة الأمثلة المطروحة آنفاً مفتوحة، فهذا هو المفتاح، بينما تُعَدُّ الأسئلة التي تعتمد على الإجابة بـ "نعم" أو "لا" غير مفيدة هنا.

إليك بعض الأمور الإضافية التي يمكنك استخدامها في مقابلاتك:

  • إذا تمكنت من اختيار ثلاثة أمور، فما الذي يحتاج المتعلمون بشدة إلى معرفته لتحقيق هدف التعلم الأساسي؟
  • ما هي المهارات المطلوبة لتحقيق هدف التعلم الأساسي؟
  • كيف تُظهِر للمتعلم طريقة القيام بذلك؟
  • ما هي الأخطاء الأكثر شيوعاً التي يرتكبها المتعلمون؟
  • ما هي الأسئلة الأكثر شيوعاً التي يطرحها المتعلمون؟
  • كيف ستعرف ما إذا كان شخص ما قد حقق هدف التعلم؟

استخدام أسلوب تدريب مؤسسي يركز على المتعلم:

لا تنسَ أبداً أنَّك تتعامل مع أشخاص بالغين؛ لذا ضع إطاراً لكل ما تفعله بشأن الاحتياجات التحفيزية للمتعلمين؛ إذ صاغ معلم البالغين "مالكولم نولز" (Malcolm Knowles) ستة افتراضات أساسية تتعلق بدافع البالغين للتعلم، وهي:

  1. الحاجة إلى المعرفة: يحتاج البالغون إلى معرفة سبب القيام بأمر ما.
  2. الأساس: توفر الخبرة "ومن ذلك التجربة والخطأ" الأساس لنشاطات التعلم.
  3. مفهوم الذات: يجب أن يكون الأشخاص البالغون مسؤولين عن قراراتهم في التعلم.
  4. الاستعداد: يجب أن يكون لموضوعات التعلم صلة مباشرة بالعمل والحياة الشخصية.
  5. الميول: يركز تعليم البالغين على المشكلة بدلاً من التركيز على المحتوى.
  6. الحافز: يستجيب الأشخاص البالغون بصورة أفضل للمحفزات الداخلية مقابل المحفزات الخارجية.

بعد تحديد هدف منظمتك، والحصول على إجابات لأسئلتك، ووضع إطار لمنهجك من منظور المتعلم، فقد حان الوقت لإلقاء نظرة على ما هو موجود في أثناء قيامك بإنشاء حلول تدريبية للمنظمة.

الخطوة الثانية: تقييم المحتوى الحالي لعملية تطوير محتوى التدريب الخاص بك

تبدأ أيَّة عملية تطوير جيدة لمواد التدريب بإجراء جرد شامل للمحتوى المراد تغطيته.

وعادةً ما يأتي المحتوى في شكلين:

  • المحتوى الحالي وموارد التدريب.
  • الخبرة في الموضوع والمعرفة المؤسسية.

المحتوى الحالي:

في حالة وجود محتوى تدريب جيد، فإنَّك ستضيع وقتك إذا لم تستخدمه، وفي نفس الوقت، عليك التأكد من تقييم جودة محتوى التدريب الحالي للبحث عن طرائق لتحسينه.

فيما يأتي بعض الأسئلة التي يمكنك طرحها بشأن المحتوى الحالي في عملية التطوير الخاصة بك:

  • ما هي المواد التدريبية الموجودة؟ على سبيل المثال، العروض التقديمية والوثائق والكتيبات والمواصفات ومقاطع الفيديو.
  • هل المواد الحالية مكتملة من حيث احتوائها على كل المحتوى الضروري؟
  • هل ما تزال المعلومات دقيقة؟
  • هل تجاوزت المواد التدريبية تاريخ بيعها؟
  • هل محتوى التدريب ممتع ويساعد على الاندماج؟
  • ما هو نوع التغذية الراجعة التي قدمها المتعلمون عن التدريب السابق؟
  • ما الذي يمكن تحسينه بشأن المحتوى الحالي؟

الخبرة في الموضوع:

يجب عليك اعتماد عملية اكتشاف شاملة لعملية تطوير مواد التدريب الخاصة بك، وتطبيق مبادئ التفكير التصميمي لحل المشكلات بدءاً من المتعلم.

النهج المستخدم في شركتنا هو:

● الدخول في عقلية الاكتشاف:

  1. مراقبة الخبراء المتخصصين في أثناء العمل.
  2. طرح الأسئلة المفتوحة.
  3. وضع نموذج أولي سريع، وجمع التغذية الراجعة وإجراء التغييرات.

● إضافة قيود مصطنعة إلى عملية الاكتشاف:

على سبيل المثال، نسأل الخبراء المتخصصين إذا كان بإمكانك التأكيد على موضوع واحد فقط، فما هو الأمر الوحيد الذي تريد أن يتعلمه الناس عن هذا الموضوع؟

● تطبيق المعرفة بصورة دائمة:

يمكن أن تسأل الخبراء المتخصصين كيف يمكن للمتعلمين تطبيق النقاط التي اكتشفتها في الخطوة السابقة، كما يمكنك إضافة بعض النقاط إذا كان بإمكانك ربط التطبيق بنتائج المنظمة.

الأهم من ذلك، اسأل نفسك دائماً إذا كان بإمكانك بدء عملية تطوير محتوى التدريب من البداية، فما هي الأمور التي ستفعلها بصورة مختلفة؟ لن تكون المواد الموجودة لديك مفيدةً ما لم تساهم في تجربة تعليمية عالية الجودة يستمتع بها المتعلمون ويتذكرونها.

الخطوة الثالثة: دمج المعرفة السابقة للمتعلم

"إنَّ العامل الوحيد الأكثر أهميةً الذي يؤثر في التعلم هو ما يعرفه المتعلم؛ لذا تأكد من ذلك وعلِّمه وفقاً لذلك" - عالم النفس "ديفيد أوسوبيل" (David Ausubel)؛ لذا فكِّر في آخر مرة تعلمت فيها أمراً جديداً لأول مرة، ربما كان برنامجاً جديداً، أو طريقة إجراء مراجعة الأداء في العمل، وماذا فعلت لتساعد نفسك على تعلم المهارة الجديدة؟

ربما فكرت في أنَّ ما تعلمته كان مشابهاً لأمر صادفته، وربما أجريت مقارنات بين ميزة واحدة للبرنامج الجديد والأداة القديمة التي استخدمتها سابقاً، وربما ربطت ما حدث معك بقصة كنت على علم بها؛ على سبيل المثال قد تتبادر إلى ذهنك قصة الكوتشينغ لفريق كرة القدم لطفلك عند التفكير في إجراء مراجعة للأداء في شركتك الجديدة؛ وفي هذه الحالة، ستعمل على تنشيط المعرفة السابقة لفهم المعرفة الجديدة.

كان "ديفيد أوسوبيل" رائداً في التفكير المتعلق بهذا الموضوع، وأظهر أنَّه باستخدام المنظم المتقدم - يسمى بالتعلم عن طريق التلقي والاستقبال، وهي نظرية تهتم بالتعليم ذي المعنى والترابط بين المعلومات السابقة والمعلومات الجديدة - يمكنك مساعدة المتعلمين على تنشيط المعرفة السابقة والاحتفاظ بالمعرفة الجديدة بصورة أكثر فاعليةً، ويتكون المُنظم المتقدم من المعلومات المقدمة قبل تعلُّم مادة جديدة، ويمكن أن يكون على شكل قصة لجعل المفهوم واقعياً أو مثالاً لما هو قادم.

ابنِ تدريبك من أجل:

  • الانتباه المباشر لما هو هام.
  • تسليط الضوء على العلاقات بين المفاهيم الهامة.
  • تذكير المتعلمين بالمعرفة السابقة ذات الصلة التي يمكنهم الاعتماد عليها لفهم المفاهيم الجديدة التي ستقدمها لهم.

الخلاصة:

إذا كنت ترغب في تجنب الأخطاء التي تواجهها في أثناء جلسات التدريب وغيرها الكثير، فيجب عليك تطوير مواد التدريب التي تستخدمها.

في هذا الجزء من المقال تحدثت عن 3 خطوات لتطوير المواد التدريبية؛ الأولى كانت عن إجراء تحليل للاحتياجات لحلول التدريب الخاص بشركتك، والثانية كانت تقييم المحتوى الحالي لعملية تطوير محتوى التدريب الخاص بك، أما الخطوة الثالثة، فكانت دمج المعرفة السابقة للمتعلم، وفي الجزء الثاني من المقال سنتابع الحديث عن باقي الخطوات؛ لذا تابعوا معنا.