لماذا من الخطأ السؤال عن العائد على الاستثمار من التدريب؟
ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "ريتشارد هيد" (Richard Head)، ويُحدِّثُنا فيه عن المشكلة في السؤال عن العائد على الاستثمار من التدريب.
قد تتساءَل عند رؤية عنوان هذا المقال: "أليس العائد على الاستثمار مقياساً رئيساً؟ فما هي المشكلة في السؤال عنه؟".
إذاً اسمح لي أن أبدأ المقال بهذه القصة: لقد عملتُ مديراً للتدريب في شركة كبيرة، وكنتُ في اجتماع مع العديد من كبار المسؤولين التنفيذيين، من ضمنهم مديري والرئيس التنفيذي المالي؛ فسأل الرئيس التنفيذي المالي خلال الاجتماع أحد أسئلته المفضَّلة: "ما هو العائد على الاستثمار من هذا التدريب؟" فأجبته: "سؤالك كمَن يسأل عن العائد على الاستثمار من اللوحات الباهظة المعلقة على الجدران، فلا طائل منه"، فانزعجَ المدير من ردِّي، ولكنَّني تابعتُ قائلاً: "إنَّ هذا مشروع ضخم لإدارة التغيير، مثله مثل أي شيء يكون التدريب جزءاً منه.
التدريب الذي نجريه هو أحد عناصر ذلك المشروع فقط، وهو وسيلة وليس نتيجة؛ إذ سنقيس ما يمكن للمتدربين القيام به قبل التدريب، ثم نقارنه بما يمكنهم فعله بعد الانتهاء منه، وبعدها سيتعيَّن على الأشخاص الموجودين في هذا الاجتماع التأكُّد من توفير إمكانية استخدام المتدربين لمهاراتهم الجديدة كلَّما سنحت لهم الفرصة لذلك، وتعزيز هذه المهارات على عدد من المستويات، كما يتعيَّن على الشركاء الآخرين في المشروع - مثل العاملين في مجال التسويق والمبيعات وتكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية - القيام بدورهم في الوقت الذي نحدد فيه ما إذا كانت التغييرات التي أجرتها المؤسسة قد حقَّقَت النتائج التي نرغب فيها؛ وبهذا نقيس العائد على الاستثمار من مشروع التغيير بأكمله، والذي يُعَدُّ التدريب جزءاً واحداً منه فحسب".
لقد عمَّ الصمت أرجاء الغرفة بعد انتهائي من الكلام، وتلقيتُ توبيخاً من مديري بسبب أسلوبي بعد الاجتماع، ولكنَّني كنتُ قد سئمتُ من سؤاله المتكرر: "ما هو العائد على الاستثمار من التدريب؟" لقد وضحَّتُ فكرتي لكل مَن كان موجوداً في الاجتماع وأكَّدتُ على أنَّ كل شخص مشارك في المشروع لديه دور يؤديه في تحديد العائد على الاستثمار، وليس التدريب فقط.
للمديرين دور كبير في العائد على الاستثمار:
بالنسبة إلى أولئك الذين يصرون على أنَّ القدرة على أداء المهام المكتسبة حديثاً هي النتيجة النهائية لمبادرة التغيير، فهي في الحقيقة مجرد نتيجة ثانوية لجزء من المشروع، أمَّا نتيجة العمل النهائي الذي تريده، والعائد على الاستثمار الذي يتمحور حوله، فلا تكسبه سوى من خلال تطبيق المهارة الجديدة في العمل؛ الأمر الذي لا يمكن أن يضمنه إلَّا المديرون.
يقول المؤلِّف روبرت ماجر (Robert Mager) - أحد أبرز المفكرين في مجال التعلُّم والتطوير - في كتابه "ما يجب أن يعرفه كل مدير عن التدريب، أو لدي مشكلة في التدريب وأفكار غريبة أخرى" (What Every Manager Should Know About Training, or ‘I’ve Got a Training Problem’ and Other Odd Ideas): لا يمكن أن يضمن المدربون سوى أن يكتسب المتدربون المهارة والثقة، وليس حُسن الأداء في أثناء العمل؛ إذ يجب أن يكون المديرون مسؤولين عن الأداء في أثناء العمل؛ باستخدام المهارات الجديدة.
قال ماجر: "على الرغم من أنَّ المدربين يمكنهم توفير المهارات والثقة بالنفس، إلَّا أنَّ المدير فقط من يمكنه توفير الفرصة للأداء، وبيئة تشجِّع وتدعم ذلك الأداء".
يمكننا بالتأكيد قياس ما يستطيع أن يفعله المتدربون بصورة مختلفة في نهاية التدريب، ولكنَّ قدرة المتدربين على تقديم أداء مُختلِف عند العودة إلى العمل ليست من وظائف التدريب؛ بل هي وظيفة الإدارة.
عناصر الأداء:
ما يعنيه الأشخاص حقاً عندما يسألون عن العائد على الاستثمار هو التغييرات القابلة للقياس والمُستدَامة في أداء الموظفين، وما إذا كانت هذه التغييرات تلبِّي أهداف مبادرة التغيير. إنَّ نشاطات التعلُّم والتطوير ليست سوى جزءاً من بنية كاملة، وهو ما أُسميه "عمود الأداء"؛ حيث يستغرق وقتاً للحفاظ عليه، وهو ليس مجرد أمر تنجزه وتنتهي منه، ثم تتوقَّع أن يضمن التدريب نجاح أو فشل مبادرة التغيير؛ إذ يتطلَّب الأمر الكثير من الجهد بعد استكمال التدريب؛ فتغيير السلوك ونتائج الأعمال هي مسؤولية المدير المباشر القائم على مبادرة التدريب، ويمكن للمدرب أو مدير التعلُّم والتطوير العمل مع المدير المباشر لتحديد أنواع الأحداث اللازمة لدعم التدريب بعد الانتهاء منه، والأمر متروك للمدير المباشر ليتأكَّدَ من أنَّ الموظفين لديهم الحافز لمواصلة استخدام المهارات الجديدة، والدعم الإداري لها "أي التأكيد الدائم على أهميتها"، والبيئة المناسبة "الأنظمة والأدوات والمعدات، إلخ".
في الختام:
لا يُحبَّذ أن يجيب محترفو التعلُّم والتطوير عن سؤال: "ما هو العائد على الاستثمار من التدريب؟" لكنْ مع بذل بعض الجهد "وبقليل من اللباقة أكثر مما أظهرته في القصة أعلاه"، يمكننا تثقيف الناس حول العناصر التي يجب أن تُوضَع في الحسبان عند حساب العائد على الاستثمار، والتأكُّد من حصول المتدربين على الدعم الإداري المطلوب، وضمان نجاح مبادرة التغيير.